- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
تداعت الأكلة على قصعة السودان
الخبر:
اختتم المبعوثون الخاصون، والممثلون من كل من فرنسا وألمانيا والنرويج وبريطانيا وأمريكا، والاتحاد الأوروبي، وقد اجتمعوا مع مجموعة من الجهات الفاعلة في السودان بمن فيهم المدنيين الموقعين على الاتفاق الإطاري، وممثلين من منظمات المجتمع المدني، ولجان المقاومة، والأطراف الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، والقيادات العسكرية.
وفي بيان صحفي حث المبعوثون الخاصون، والممثلون للأطراف السودانية على إجراء حوار شامل على أساس الاتفاق الإطاري، والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للصراع، وقد تزامن كل ذلك مع زيارة وزير الخارجية الروسي، وممثل الاتحاد الأفريقي، وقبل ذلك بأيام تم استقبال وزير خارجية يهود في السودان وأجرى اتصالات مكثفة مع كبار المسئولين.
التعليق:
إن هذا التكالب على السودان لا يبشر بخير قط، فهؤلاء الأكلة لا يجتمعون لخير أي أمة من الأمم، ولا لمصلحة شعب من الشعوب، فطوال القرنين الماضيين، ظل العالم كله يكتوي بنيران تآمرهم، ومن أكثر النماذج شهرة على مؤامراتهم؛ اتفاقية سايكس بيكو السرية التي وقعت في العام 1916م بين فرنسا وإنجلترا بمباركة كل من روسيا وإيطاليا، والتي قرروا فيها تمزيق الخلافة، وتقاسم تركتها، حتى أخرجوها للعلن في معاهدة سيفر في العاشر من آب/أغسطس 1920م، وكذا معاهدة فرساي، بعد الحرب العالمية الأولى، التي قرروا فيها مص دماء الألمان، ولما انتصرت عليهم، ما لبثوا إلا قليلاً ثم عادوا إليها وقطعوها إربا.
أما في أيامنا هذه فقد اجتمعوا على العراق في حربين متتاليتين، أدتا إلى تدمير العراق، ومكنتهم من نهش لحمه، وأن يلعقوا دمه حتى ساعتنا هذه، وكذا ما يجري في ليبيا من تمزيق، وفي سوريا من تدمير، وفي اليمن من تقسيم، وها هو السودان الآن على قصعة الأكلة. فإن كانوا قد دخلوا إلى الدولة العثمانية غالبين مستعمرين، وكذا إلى ألمانيا، فإنهم قد دخلوا السودان مستحمرين، وذلك حين أرسل حمدوك رسالته خلسة يدعوهم ليتداعوا إلى قصعة السودان، فما إن سكتنا عليهم حتى أعلنوها صراحة أنهم هم من يقرر في شأننا، ويحدد مصيرنا، فصاروا يصولون ويجولون في البلاد أنّى شاءوا، يقابلون من يشاؤون ومتى يشاؤون بلا رقيب ولا حسيب، وما ذلك إلا لهوان الحكام الرويبضات عليهم!
إن هذه الأحزاب التي تجول من سفارة إلى سفارة، وتلك التي ترتاد المنتجعات، كلهم في الجريمة سواء، فكل ما يمنون به أنفسهم هو أن يلعقوا ما تبقى في قصعة الأكلة، أو حتى من فتاتها، هؤلاء لا هم لهم إلا أن يصلوا إلى السلطة ليجلسوا على كراسيها. أما الحكام العسكريون فإنهم يغلقون الباب على هؤلاء، ولا يتركون لهم مدخلا قيد أنملة، فكرسي الحكم يحميهم من المساءلة عما اقترفته أيديهم من سفك للدماء المحرمة، فكلا الفريقين مقطوع منهما العشم.
كان الأمل معقوداً على علماء الأمة وخطبائها ودعاتها، أن يتصدوا لهذا الأمر. وهم الذين قال فيهم الإمام سفيان الثوري: (يا معشر العلماء، يا ملح البلد، لا يصلح الملح إذا الملح فسد!)، لكن وا أسفي على الكثير من مواقف العلماء والخطباء والدعاة، فقد سمعت بكل أسى في اليوم الذي جاء فيه وزير خارجية كيان يهود، ويداه تقطران من دم إخوتنا في فلسطين، فوجد من يصافح تلك الأيدي الآثمة، فسمعت في تلك اللحظات أحدهم يتحدث عن السواك والاستنجاء!!
إن مثل هذه المواقف ليست شاذة ولا منقطعة، فكلنا شهود في الفترة الأخيرة على الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين في بلدنا السودان، ورايات الكفر والعلمانية ترفع عالية، وسفراء الدول الغربية المستعمرة تجوب البلاد طولاً وعرضاً، بينما علماؤنا وخطباؤنا يكلموننا عن الإكثار من الطاعات، وعن بر الوالدين، والتبكير لصلاة الجمعة، وحسن الخلق، فكلها أحكام شرعية حقا، لكن ألم يسمع هؤلاء بقول سلطان العلماء العز بن عبد السلام حيث قال: (إذا فشا الجوع بين الناس وتحدث العالم عن الزنا فقد خانهم)؟! أي إذا انصرف العلماء للحديث عن القضايا الفردية، وهناك قضية عامة، لا سيما إن كانت قضية تضعف في العقيدة، وتحقر في الإسلام فإن هذا الموقف يعتبر خيانة للأمة، أفلا تعتبر مثل هذه المواقف تجسيداً للعلمانية، وتمكيناً لها؟! قال أحدهم: (تريدون مني أن أتعبد في المسجد، وأترك السياسة، وتعلّمون ابني كراهية الإسلام في المدارس، ليعود ويهدم المسجد فوق رأسي؟!).
إن المسؤولية عن هذا الدين، وعن هذا البلد ليست حكراً على العلماء والساسة، إنما هي فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى على الناس كافة، كل حسب موضعه وقدرته وإمكاناته، صحيح أنه فرض على الكفاية، لكن إذا لم تحصل الكفاية فإنه يظل فرضاً على الجميع إلى أن تحصل الكفاية. أما التصدي لهؤلاء الأكلة الذين يسيحون فسادا وتقطيعا في بلادنا، فهم حينما قسموها إلى دويلات، كانوا يخططون لمثل هذا اليوم، فجعلوها لقمة سائغة يسهل بلعها وهضمها، ومن هنا كان لا بد من تفويت الفرصة عليهم، بعودة المسلمين أمة واحدة تحت راية واحدة، يحكمها خليفة واحد، يتصدى لأطماع الكفار، بل يحاصرهم في ديارهم، يحمل إليهم الخير والهدى ليخرجهم من الظلمات إلى النور، لمثل هذا يجب أن يعمل المسلمون.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس حسب الله النور – ولاية السودان