- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
ألا لعنة الله على العنصرية القومية والنزعة الوطنية
الخبر:
حوادث عنصرية يتعرض لها مسلمون سوريون في ولايات تركية متعددة. (2 تموز 2024)
التعليق:
نعم، سينشغل البعض وخاصة المتأثرون بالحدث مباشرة بإطفاء الحريق العنصري، ولكن بلا شك ستبقى النار تحت الرماد؛ متوقدة تتحين الفرصة للاشتعال مرة تلو مرة. كيف لا والأنظمة في بلاد المسلمين تقوم أصلاً على أساس قومي ووطني عنصري، تجعل من الأمة الواحدة شعوباً وقبائل تتعارك لا أن تتعارف!
أنظمة تلوّح بهذه الورقة العنصرية (القومية والوطنية) وتلعب بها في لعبة التحالفات الداخلية والانتخابات وغيرها من ألعاب السياسة، وإن كان الثمن أرواح بشر وممتلكاتهم ومصائرهم!
ومع التفاعل مع تفاصيل الأحداث المباشرة، يجب أن لا نغفل عن أسبابها وجذورها. وهي في الحقيقة سبب وجذر واحد؛ الغرب الكافر المستعمر وزرعه الآثم الذي غرسه في جسد الأمة.
نعم، هذه الحوادث ومثيلاتها في طول بلاد المسلمين وعرضها تذكرنا بأثر تلك الطعنة النجلاء التي سددها الغرب الكافر في قلب الأمة الإسلامية الواحدة، فمزقها دولاً وقوميات ووطنيات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأي سم عنصري هذا الذي تغلغل في قلب الأمة وعقلها؟! وأي سم هذا الذي بثته الأفعى الرقطاء، قاتلها الله؟
يقول الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله في كتابه (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر): "والإنجليز... ينشدون وطنية قومية. وذلك ما صرح به لورانس، حين وصف ما كان يدور بخلده أثناء تنقله بين معسكرات أبناء الشريف حسين، بحثاً عن الزعيم العربي، الذي كانت مهمته الأولى في هذه الرحلة - حسب زعمه - هي اكتشافه. فهو يقول: "وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا.. وفي الحج، وأتساءل: هل تتغلب القومية ذات يوم على النزعة الدينية؟ وهل يغلب الاعتقاد الوطني الاعتقاد الديني؟ وبمعنى أوضح، هل تحل المشاكل العليا السياسية مكان الوحي والإلهام، وتستبدل سوريا مثلها الأعلى الديني بمثلها الأعلى الوطني؟ هذا ما كان يجول بخاطري طول الطريق". كان فيصل هو الزعيم الذي ينشده الإنجليز، أو هو (نبي الوطنية) كما سماه لورانس. فراح يبشر بهذه الوطنية في كل مكان، ويملأ أرجاء الصحراء بصوته الرنان، مذكراً البدو بأمجاد أجدادهم الذين فتحوا الدنيا ودانت لهم الممالك، ويأخذ العهود من شيوخ القبائل على الإخلاص للقضية العربية. وكان فيصل ينثر الذهب الإنجليزي مع خطبه هذه... ونشطت الدعاية الإنجليزية تشد أزر فيصل وتؤيد جهوده، مستعينة بالمطبعة التي أسسها لورانس أثناء زيارته الأولى لفيصل".
هذا ليس فقط تاريخاً مسطوراً في كتب، بل هو مع الأسف واقع معاش؛ صار المسلمون في بلدانهم وافدين وأجانب وغير محددي الجنسية، بل وتنشب الحروب بينهم أحياناً على حدود صنعها أعداؤهم، وإن حلّت كارثة في وسط الأمة (كمجزرة غزة) وقفت تلك الحدود الوطنية الآثمة حائلاً دون الحركة والنصرة!
آن الآوان، بل تأخر كثيراً، كي يدعو كل مسلم مخلص، يتمزق قلبه من هذه المشاهد العنصرية التي تصل من تركيا وغيرها من بلاد المسلمين - كي يدعو لنبذ القومية والوطنية وما بني عليها من أفكار ومشاعر وتاريخ مزيف وثقافة مشوهة.
روى جابر رضي الله عنه قال: "كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ، قَالَ: «مَا هَذَا؟» فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» رواه البخاري.
فاعتبر عليه الصلاة والسلام الانحياز والتفرق على أساس أن أصل هذا من المدينة فهو أنصاري وذاك من مكة فهو مهاجري، وهذا ينصر قومه على هذا، اعتبر هذه الدعاوى نتنة وأمر بتركها. وهذا في دعوة "يا للأنصار ويا للمهاجرين"، فما بالك بدعاوى قومية ووطنية تنتصر لآشور وسومر وفرعون وطوران؟!
إن الدعوة إلى القومية أو الوطنية هي ترويج للفكر الغربي الغريب عن الإسلام. والرسول ﷺ يقول: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ».
وإن الواجب يحتم على المسلمين أن ينبذوا كل الأفكار والأطروحات الدخيلة، وأن يعودوا من جديد إلى إحياء رابطة الإسلام لإقامة مجتمعهم على أساس العقيدة الإسلامية، فتسوده أفكار الإسلام ومشاعره وأنظمته، في ظل الخلافة على منهاج النبوة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. أسامة الثويني – دائرة الإعلام / ولاية الكويت