الأربعاء، 23 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
هذا أوان رجال السياسة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذا أوان رجال السياسة

 

 

 

الخبر:

 

سقط نظام بشار الأسد وبدأت مرحلة تكوين حكومة مؤقتة في ظل فراغ سياسي كبير وتصريحات مبهمة لقيادة الثوار بشأن شكل نظام الحكم القادم، ترافقها تصريحات أمريكية وغربية عن تربصهم الحثيث ومراقبتهم لأداء الحكام الجدد للنظر في مدى تنفيذهم لما يتوافق مع القيم الغربية المتعلقة بالحكم والسياسة.

 

التعليق:

 

لقد تفاجأ الجميع من سرعة انهيار جيش النظام ومليشيات إيران أمام تدفق الثوار والمجاهدين الكبير من مناطق الشمال، فوجدت فصائل الثورة نفسها أمام واقع لم تستعد له بعد، وهو ما أسفر عن تخبط في الإجراءات والتصريحات وعن مواقف ارتجالية في الملفات السياسية والأمنية حتى الساعة، ما أثار موجة من الاستياء الشعبي في ملف ما عرف بـ(الطلقاء) على سبيل المثال، وأثار مخاوف حقيقية عند حملة الدعوة من تدخل تركي ومن ورائه أمريكا في صياغة نظام الحكم الجديد على الطراز الغربي والمقاييس الغربية، فتعود الثورة بخفي حنين لا سمح الله.

 

هذا الواقع دفع كثيرا من المخلصين من مختلف التوجهات الإسلامية في الداخل والخارج إلى حملات واسعة من النصائح والتحذيرات من ضياع دماء الشهداء الزكية في دهاليز المرحلية والتوازنات والتبريرات، واستبدال نظام ملتحٍ بنظام علماني سافر، فكانت الرسائل الإعلامية على مواقع التواصل الإلكتروني خاصة، متفاوتة في وتيرتها بين كلام ليّن ناصح أو تقريع حاد صارم، وبات الشارع السوري المصدوم من الواقع الجديد والمتخوف من المستقبل المجهول، والمهدد بشبح حرب داخلية محتملة، وعدو مسعور قريب هو جيش يهود الذي يستبيح سماءه متى شاء ويقضم من أرضه ما يشاء، بات على أعتاب حيرة كبيرة في المطلوب فعله، ما سيجره قريبا إلى عاصفة من الجدل والتنازع الداخلي حول المناهج والتصورات المطروحة لمقتضيات المرحلة القادمة.

 

ولأن الحاضنة الشعبية هي خزان الأمة وذخيرتها كان على حملة المشروع الإسلامي أن يكسبوا ثقتها وقيادتها الفكرية والسياسية بسرعة، ليكونوا محل ثقة تامة يحملون الناس إلى بر الأمان على بصيرة ووعي عام، وهذا لا يكون إلا إذا وثق الناس بأن الكتلة تتصف بصفات تصلح للقيادة وهي صفة الإخلاص الخالص، والوعي الكامل، والقوة والقدرة، فقد عانت الأمة من نماذج لا وعي لها رغم إخلاصها، فخدعها أعداؤها فضاعت وأضاعت، أو فئات لا قوة لها ولا قدرة عندها على الحكم والإدارة، فأتاها الكافر من كل صوب وهي ذاهلة، فأفشلها وأسقطها من أعين الناس، ولذلك أرى أن تكون أولويات حملة الدعوة في المرحلة الحالية هو التالي:

 

1- التركيز وبكل قوة على تقديم أنفسهم رجال سياسة عمليين، لا نظريين أكاديميين، أي أصحاب مشروع كامل جاهز للتطبيق بيد أصحاب كفاية متمكنين، ولا يكفي أن يكون الحديث عن وجود دستور ونظام اقتصادي ونحوه، بل يكون خطاب العوام والخواص بما يفهمونه ويستطيعون لمسه، بحيث تقدم الحلول للمشاكل الحالية السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها على صورة خطط واضحة المعالم جاهزة للتنفيذ ولو بالقوالب العامة، فتقدم هذه الخطط في كتاب مفتوح للناس وللحكام على حد سواء.

 

2- تجنب أن تظهر صورة حامل الدعوة أمام الناس على غير حقيقتها، أنه مجرد ناقد متشائم لا يعرف سوى إظهار العيوب ولا يرى أحدا صالحا غيره، فلا يكفي أن يكون حامل الدعوة صادقا في تحذيره وعلى حق فيما يقول، بل يجب أن يستعمل من الأساليب ما يفتح جهاز الاستقبال الذهني والنفسي عند الناس البسطاء منهم والمثقفين على حد سواء، فكل الناس يحسنون النقد وتوجيه الأصابع نحو الخطأ ولكن ليس كلهم يحسن القيام بالصواب، فلكي لا يختلط على الناس أمر الحريص الناصح من الحاقد الفتّان، على حملة الدعوة مراعاة حال المخاطبين ومشاعرهم وعواطفهم أثناء التحذير والنذير، فلا تكون الثمرة تنفير الناس من حامل الدعوة وتصديق الشبهات التي يثيرها خصومه حوله، فتنقلب الآية ويعود الكلام على صاحبه بعكس مقصده، فيحذره الناس هو وينصرفوا عنه.

 

3- أن يتنبهوا إلى أن كنوز الفكر الإسلامي عند الكتلة تكفي لمئات آلاف المواد الدعوية مما يحتاجه الناس اليوم، والتي يمكن اقتطاعها بمقاطع صغيرة مكتوبة أو مرئية فتكون سهلة الوصول والتناول بيد الناس ليتاح لهم مقارنة ما يجب أن يكون بما هو كائن، فلا يستطيع غالبية الناس العكوف على الكتب والمطولات، وحامل الدعوة يغشى الناس ولا ينتظر منهم البحث عنه أو عما يحوزه، وما لم نقدِّم ما عندنا هينا سائغا واضحا بين الناس فلن يفلح الحديث، وإن طال، عن وجود مشروع جاهز عظيم.. وقديما قيل في الأمثال: "لا تحدثني عن طول نخلتك، ولكن أطعمني بعضا من تمرها".

 

4- على حملة الدعوة أن لا يحمّلوا الناس فوق طاقتهم الفكرية ويأخذوا بأيدي الجماهير برفق مرحلة مرحلة ليكون الجميع على بصيرة، وعليه فلا بد من دراسة مستوى الوعي عند الناس على التفاصيل المطلوبة، والتنبه لاختلاف الأفهام ومعاني المصطلحات، فكم من موافق لك في المعنى مخالف لك بالمصطلح والعكس، وعليه فلا بد من عدم حرق المراحل والتركيز على الوعي العام الفكري بعد الرأي العام المشاعري، ولو اقتضى ذلك مزيدا من الوقت فالعبرة بالخواتيم.

 

5- وأخيرا يجب أن يتذكر العاملون أنهم لا يعملون على الأرض وحدهم، وأن هناك من الدول والجهات من يمكر بالثور الأبيض والأسود والأحمر، وأن الرأي دائما قبل شجاعة الشجعان، وأن المرحلة تحتاج إلى وعي حركي بجانب الوعي السياسي، فنتقدم بالدعوة مع الناس إلى الأمام سريعا إن أمكن، وبطيئا إن لم يمكن الإسراع، ولكن لا نتوقف ولا نرجع ولا نستعجل قطف الثمرة، فقطاف الثمر يكون حين نضوجه ليس غير، وهذا ما يدركه رجال السياسة، ويبرعون في تحقيقه ويستحقون به القيادة.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ عدنان مزيان

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع