- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي"
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثانية: هل الخلافة من الأصول أم من الفروع؟
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
يتساءل كثيرون في هذا العصر عن الخلافة، فمن سائل عنها أهي من أصول الدين؟ أمن العقيدة هي؟ أم من الفروع؟ وهل هي من صنع الصحابة أم أنها من الأحكام الشرعية؟ وأين نجد خبرها والأمر بإقامتها في القرآن والسنة؟ وهل أدلة وجوبها قطعية أم ظنية؟ وهكذا تمضي الأسئلة، وكأن الخلافة لم تكن حاضرة الأمة الإسلامية، وحامية بيضتها، ومطبقة أحكام الإسلام فيها، وحاملة عقيدتها وناشرة دعوتها، وكأنها لم تكن الكيان الذي فتح جل الدنيا المعروفة وقتها لعدل الإسلام ورحمته، وكأنها لم تكن حظيرة الإسلام ومحيط دائرته ومربع رعاياه ومرتع سائمته!
وكأن الرسول ﷺ وصحابته الكرام لم يلاقوا الويلات والعذاب الشديد، وقد صُلوا بمكروه هذا الأمر، عذابا لا تطيق مثله الجبال الراسيات، حتى حفرت في الظهور منهم الأخاديد، جراء صَلْيـها بالحديد المحمى بالنار، ومن جلدها بالأسواط بلا رحمة، واحترقت من طول التعذيب فوق رملٍ شديد الالتهاب في صُيوفٍ شديدة الحرِّ، واستشهد من استشهد، وهاجر من هاجر مغتربا عن أرضه وأهله، مُخَلِّفاً وراءه بيته وماله نهبا لأعدائه،
وكأنهم لم يكتحلوا السهر يصلون الليل بالنهار، بأعمال منقطعة النظير بُغية إقامة دولتها! فكان من تلك الأعمال أن أَغرى سفهاءُ الطائفِ صبيانَها بنبي الرحمة ﷺ يرمونه بالحجارة ويشتمونه، ومنها أن قذفوا على ظهره الشريفة سَلَى جَزُورٍ وهو ساجدٌ بين يدي ربه! ومنها أن وُطِئ أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه بالأرجل، وضُرب ضرباً شديداً، حتى أخذ عُتْبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يُعْرَفُ أنفه من وجهه، فأمسى ما بين الموت والحياة!
وكأن الرسول ﷺ لم يربط بين قيام ووجود الجماعة وبيعة السلطان والدولة ربطا محكما في جملة من الأحاديث، فالخروج من السلطان خروجٌ من الجماعة، والخروج عن الدولة أو السلطان أو الطاعة أو الجماعة أو عليها خلعٌ لربقة الإسلام من الأعناق! ومؤذنٌ بالقتل، فالخليفة الثاني إذا بويع قُتل، والخارج عن الجماعة[1] (الدولة/ السلطان) ميتتُهُ جاهليةٌ!
فلهؤلاء السائلين كلهم نجيب بأن إقامتها حكم شرعي نزل به الوحي، وهي فرض، بل فرض الفروض، وواجب، بل ومن أهم الواجبات وأخطرها شأنا، وقضية مصيرية للأمة يتوقف عليها موتها وحياتها، ووجودها وفناؤها[2]، ونهضتها وارتكاستها، وخيريتها ونزع هذه الخيرية منها[3]! ولذلك ينبغي اتخاذ إجراء الحياة أو الموت حيال قضية إقامتها!
قال الأستاذ أحمد القصص: "من أخبث أساليب التلبيس على المسلمين: هل الخلافة من العقيدة؟ لا، يقولون: إذن فهي غير إلزامية وغير مهمة!! إن وجوب الخلافة هو من أعظم أحكام الشريعة، فهل يشترط أن تكون الخلافة من أمور العقيدة حتى تكون واجبة وفريضة شرعية، بل من أعظم واجبات هذا الدين؟!! هل الحدود من العقيدة؟ لا. هل الجهاد من العقيدة؟ لا. هل الصلاة، هل الصيام، هل الحج من العقيدة؟ لا بل من الفروع! إذن لماذا التمسك بها؟! وكأن الدين هو العقيدة وحسب! ما قيمة العقيدة إن لم تُفضِ إلى التزام الشريعة وإعلائها وجعل السيادة لها في الأرض؟! إن فصل العقيدة عن الشريعة أخطر دسيسة يروج لها في هذا الزمان! هؤلاء الذين يروّجون لهذا المنهج مجندون ضد الإسلام، وفِي خدمة أعدائه، دروا أو لم يدروا، تعمدوا أو لم يتعمدوا"[4].
وسنرتب إجابتنا على هذا السؤال على الصعد الخمسة التالية:
أولا: صعيد أن الخلافة من مقاصد الشريعة الكبرى
ثانيا: صعيد دراسة نظام الخلافة واستنباط أنها الاستمرار الشرعي لإقامة نظام العدل في السموات والأرض.
ثالثا: صعيد دور الخلافة في حياة الأمة ووجودها، (السيف والدرع، تطبيق الأحكام ونشرها)
رابعا: صعيد توقف إقامة وتطبيق جل أحكام الشريعة الغراء (الأمر) عليها، وتولي (ولي الأمر) ذلك التطبيق
خامسا: صعيد الاستنباط، استنباط حكمها الشرعي في القرآن والسنة والإجماع، وأدلتها القطعية، والقرائن التي حفها الشارع بها لإظهارها على أنها من أخطر الواجبات وجوبا!
وجعلوه أوجب الواجبات
إن إقامة الخلافة، أي: تطبيق الشريعة في هذا العصر، وكل عصر من أوجب الواجبات، كيف لا، وقد جعله صحابة رسول الله ﷺ كذلك وقد قارنوه بدفن أحب الخلق إلى الله تعالى، وقارنوه بإمضاء بعث أسامة (الجهاد)، فلم يجدوا أهم من المبادرة بإقامة الخليفة، فجعلوه أوجب الواجبات،
[1] عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال «من كره من أميره شيئاً فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية». رواه البخاري برقم 7053و7054 و 7143 ومسلم 1849، »من فَارق الْجَمَاعَة قدر شبر [شبراً] فقد خلع ربقة الإسلام من عُنُقه« حديث صحيح رواه أبو داود برقم 4758، لاحظ ألفاظ الحديث تزاوج بين الخروج من الجماعة، والخروج من السلطان، وهما شيء واحد، فالسلطان في الإسلام للأمة، تمنحه بعقد البيعة للخليفة ليكون صاحب السلطان؛ أي رعاية الشؤون وفق أحكام الإسلام، لذلك كان من الطبيعي أن يكون الخروج على السلطان خروجاً على الجماعة، فالميتة جاهلية، وربقة الإسلام من الأعناق مخلوعة!
[2] راجع في هذا الكتاب شرح حديث: «توشك أن تداعى عليكم الأمم»، وحديث: «إنما الأمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به»، فالأمة من غير الخلافة بلا درع واقية، وتكون نهبا لكل طامع، فالأمة بحاجة لسيف (الجهاد) ودرع (الخلافة) لتبقى سيدة الأمم وحاملة مشعل الخير للبشرية.
[3] راجع كتابنا: مفاهيم على طريق استئناف الحياة الإسلامية، تجد ربطا بين خيرية الأمة وإقامتها في نفسها بأحكام المعروف ونهيها عن المنكر، ثم بشهادتها على الأمم، أي حمل الدعوة للناس كافية، وهكذا فإن وجود الخلافة كفيل بتحقيق هذه الخيرية.
[4] الأستاذ أحمد القصص، صفحته الرسمية على الفيسبوك.