- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 55)
الجهد الذي يبذل في العمل
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالخَمسِينَ, وَعُنوَانُهَا: "الجُهدُ الَّذِي يُبذَلُ في العَمَلِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 92) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"يَقَعُ العَقْدُ فِي إِجَارَةِ الأجِيرِ عَلَى مَنفَعَةِ الجُهدِ الَّذِي يَبذُلُهُ. وَتُقَدَّرُ الأُجرَةُ بِالمَنفَعَةِ. أمَّا الجُهْدُ نَفسُهُ فَلَيسَ هُوَ مِقْيَاسَ الأجْرِ، وَلا مِقْيَاسَ المَنفَعَةِ. وَإِلاَّ لَكَانَ أجْرُ الحَجَّارِ أكثَرَ مِنْ أجْرِ المُهَندِسِ؛ لأنَّ جُهدَهُ أكثَرُ، مَعَ أنَّ العَكْسَ هُوَ الوَاقِعُ.
وَعَلَيهِ فَإِنَّ الأجْرَ هُوَ بَدَلُ المَنفَعَةِ، وَلَيسَ بَدَلَ الجُهْدِ. وَكَمَا يَختَلِفُ الأجْرُ وَيَتَفَاوَتُ بِاختِلافِ الأعْمَالِ المُتَعَدِّدَةِ، فَإِنَّهُ يَتَفَاوَتُ كَذَلِكَ الأجْرُ فِي العَمَلِ الوَاحِدِ بِتَفَاوُتِ إِتقَانِ المَنفَعَةِ، لا بِتَفَاوُتِ الجُهْدِ. وَالعَقْدُ فِي كِلْتَا الحَالَتَينِ وَقَعَ عَلَى مَنفَعَةِ الأجِيرِ، لا عَلَى جُهْدِ الأجِيرِ. فَالعِبرَةُ بِالمَنفَعَةِ، سَوَاءً أكَانَتْ مَنَافِعَ أُجَرَاءَ مُختَلِفِينَ فِي أعمَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أمْ مَنَافِعَ أُجَرَاءَ مُختَلِفِينَ فِي العَمَلِ الوَاحِدِ، وَلا اعتِبَارَ لِلجُهْدِ مُطْلَقًا.
نَعَمْ إِنَّ المَنفَعَةَ فِي الأعْمَالِ إِنَّمَا هِيَ ثَمَرَةُ الجُهْدِ سَوَاءً أكَانَ فِي الأعْمَالِ المُختَلِفَةِ، أمْ فِي العَمَلِ الوَاحِدِ مِنَ الأشخَاصِ المُتَعَدِّدِينَ، وَلَكِنَّ المُرَادَ مِنهَا هُوَ المَنفَعَةُ، لا مُجَرَّدَ بَذْلِ الجُهْدِ، وَإِنْ كَانَ يُلاحَظُ الجُهْدُ. وَإِذَا استَأجَرَ رَجُلاً لِلبِنَاءِ فَلا بُدَّ مِنْ تَقدِيرِ الاستِئجَارِ بِالزَّمَنِ أوِ العَمَلِ. فَإِنْ قَدَّرَهُ بِالعَمَلِ فَظَاهِرٌ فِيهِ المَنفَعَةُ فِي بَيَانِ مَوضِعِهِ، وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَسُمْكِهِ وَمَادَّةِ البِنَاءِ ... الخ، وَإِنْ قَدَّرَهُ بِالزَّمَنِ فَالمَنفَعَةُ فِيهِ تَزِيدُ بِكَثرَةِ المُدَّةِ، وَتَنقُصُ بِقِلَّتِهَا عَادَةً. فَكَانَ وَصْفُ العَمَلِ وَذِكْرُ الزَّمَنِ مِقْيَاسًا لِلمَنفَعَةِ، وَإِذَا قَدَّرَ بِالزَّمَنِ فَلا يَعمَلْ أكثَرَ مِنْ طَاقَتِهِ العَادِيَّةِ، وَلا يُلزَمُ بِالمَشَقَّةِ غَيرِ العَادِيَّةِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
- الأجْرُ هُوَ بَدَلُ المَنفَعَةِ، وَلَيسَ بَدَلَ الجُهْدِ.
- يَختَلِفُ الأجْرُ وَيَتَفَاوَتُ بِاختِلافِ الأعْمَالِ المُتَعَدِّدَةِ.
- يَتَفَاوَتُ الأجْرُ فِي العَمَلِ الوَاحِدِ بِتَفَاوُتِ إِتقَانِ المَنفَعَةِ، لا بِتَفَاوُتِ الجُهْدِ.
- يَقَعُ العَقْدُ عَلَى مَنفَعَةِ الأجِيرِ، لا عَلَى جُهْدِهِ.
- العِبرَةُ بِالمَنفَعَةِ، سَوَاءً أكَانَتْ مَنَافِعَ أُجَرَاءَ فِي أعمَالٍ مُتَعَدِّدَةٍ، أمْ مَنَافِعَ أُجَرَاءَ فِي العَمَلِ الوَاحِدِ.
- لا اعتِبَارَ لِلجُهْدِ مُطْلَقًا, وَإِنْ كَانَ يُلاحَظُ عِندَ القِيَامِ بِالأعمَالِ المُختَلِفَةِ.
- المَنفَعَةَ هِيَ ثَمَرَةُ الجُهْدِ فِي الأعْمَالِ المُختَلِفَةِ وَفِي العَمَلِ الوَاحِدِ, وَالمُرَادُ هُوَ المَنفَعَةُ لا بَذْلُ الجُهْدِ.
- وَصْفُ العَمَلِ وَذِكْرُ الزَّمَنِ هُمَا مِقْيَاسٌ لِلمَنفَعَةِ.
- إِذَا استُؤْجِرَ رَجُلٌ لِلبِنَاءِ لا بُدَّ مِنْ تَقدِيرِ الاستِئجَارِ بِالزَّمَنِ أوِ العَمَلِ:
أ- إِذَا قُدِّرَ الاستِئجَارُ بِالزَّمَنِ فَالمَنفَعَةُ فِيهِ تَزِيدُ بِكَثرَةِ المُدَّةِ، وَتَنقُصُ بِقِلَّتِهَا عَادَةً.
ب- إِذَا قُدِّرَ الاستِئجَارُ بِالزَّمَنِ فَلا يَعمَلْ الأجِيرُ أكثَرَ مِنْ طَاقَتِهِ العَادِيَّةِ.
ت- إِذَا قُدِّرَ الاستِئجَارُ بِالعَمَلِ فَالمَنفَعَةُ ظَاهِرةٌ فِي بَيَانِ مَوضِعِهِ وَطُولِهِ وَعَرْضِهِ وَسُمْكِهِ وَمَادَّةِ البِنَاءِ.
ث- لا يُلزَمُ الأجِيرُ بِالمَشَقَّةِ غَيرِ العَادِيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.