- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي"
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثالثة والثلاثون: انعقاد الإجماع على وجوب الخلافة، أي أن إقامة الخلافة فرض بالإجماع، وهو قطعي وإقامة الخلافة فرض قطعي ثبت أيضا بالتواتر المعنوي – ج1
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
الطرق التي يحصل بها القطع
القطع يفضي إلى العلم أي إلى اليقين، أي أن الإيمان به واجب[1]، وهو ضربان: ضروري[2] ونظري[3] (إستدلالي)، فالعلم الضروري يفيد القطع ولا يجوز مخالفته، أو التشكيك به، وإلا لم يكن ضروريًا، وأما النظري أو الاستدلالي فله طريقان: العقل أو النقل، فأما العقل فاستدلاله المستند إلى الحس قطعي لا شك فيه، وهو ضروري، أو بموافقة العلم الضروري، وهي الأوليات، كقولنا: الواحد نصف الاثنين، فالعلم المقترن بالأوليات أو البديهيات ضروري[4]، والاستدلال القائم على موجبات العقول ضروري أيضا، قال بدر الدين الزركشي في البحر المحيط: "وَقَضَايَا الْعُقُولِ ضَرْبَانِ: مَا عُلِمَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مِمَّا لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ كَالتَّوْحِيدِ[5]، فَيُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَإِنْ كَانَ عَنْ اسْتِدْلالٍ لِلْوُصُولِ إلَيْهِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ. وَمَا عُلِمَ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ كَآحَادِ الأَنْبِيَاءِ إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ، فَيُوجِبُ عِلْمَ الاسْتِدْلالِ، وَلا يُوجِبُ عِلْمَ الاضْطِرَارِ؛ لِحُدُوثِهِ عَنْ دَلِيلِ الْعَقْلِ لا عَنْ ضَرُورَتِهِ،[6] إذن إن حصل العلم به بدليل العقل، أضحى قطعيا، كاستدلالنا على نبوة محمد ﷺ بدليل العقل، معتضدا بالدليل القطعي النقلي القائم أساسا على العقل (وبالمعجزة)[7].
كما أن القطع، يحصل بسنن العادة، تلك التي تحصل بالاستقراء الذي لا ينخرم إلا عبر المعجزات، مثل عجز الإنسان عن الطيران إلا بآلة، ومثل أن الأجسام الثقيلة تسقط للأسفل عند تواجدها في مجال الجاذبية الأرضية، فهذه من العادات المستقرة، وهو يفيد القطع، والعلم الضروري، ثم لدينا العادة الغالبة، تتكرر غالبا ويمكن أن تنخرم، مثل أن الإنسان المولود بالعادة في يده خمسة أصابع، مع إمكان أن يولد مولود بستة، فهذه عادة غالبة تفيد غلبة الظن، لا القطع، وهنالك عادات مشتهرة، وقليلة ونادرة.[8]
وأما النقل، فالقطع يحصل بالدليل القطعي الثبوت، القطعي الدلالة، وسبيل القطع تحصَّل بدليل قطعي الدلالة من الكتاب، إذ الكتاب كله قطعي الثبوت (لنقله بالتواتر، وحفظه في الصدور لدى عدد بلغ وفاض عن حد التواتر)، فالربا قطعاً حرام بنصٍّ قطعي الدلالة، منكر حرمته كافر، والصلاة فرض بنص قطعي الدلالة من الكتاب، ومنكر أنَّ الصلاةَ فرضٌ كافر[9]، وأما السنة، فالقطع يحصل فيها بالتواتر[10] اللفظي أو المعنوي، فأما التواتر اللفظي[11] فإن كان اللفظ دالّاً على أمر بشكل قطعي الدلالة أضحى الحكم المترتب عليه قطعيا، فدلالة: «من كذب علي متعمِّدا فليتبوأ مقعده من النار»، قطعية على العذاب جراء الكذب على رسول الله ﷺ متعمداً، ودلالة المسح على الخفين قطعيّة، وحديث الحوض ثبت من رواية نيف وخمسين صحابيا، وحديث المسح على الخفين من رواية سبعين صحابيا[12]، وحديث «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» من رواية اثنين وسبعين صحابيا وقيل مائة وقيل مائتين، فجمع هنا بين تواتر الرواة (الثبوت)، وتواتر الدلالة[13]، فهذه منها أحكام شرعية ومنها قضايا عقدية قطعية.
[1] فرض الصلاة قطعي، ومنكر فرض الصلاة يكفر، ومثله الصيام والحج وهكذا، والإيمان بما هو مقطوع به واجب.
[2] وَهُوَ مَا (يُعْلَمُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ) كَتَصَوُّرِنَا مَعْنَى النَّارِ، وَأَنَّهَا حَارَّةٌ (ضَرُورِيٌّ) أَيْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْتِفَاتِ النَّفْسِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَاكْتِسَابٍ؛ وَقَالَ الأَكْثَرُ: الضَّرُورِيُّ مَا لا يَتَقَدَّمُهُ تَصْدِيقٌ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، (حاشية العطار، وشرح الكوكب المنير للفتوحي)، وَهُوَ مِمَّا لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلافِ مَا هُوَ بِهِ (بدر الدين الزركشي في البحر المحيط) يُعْلَمُ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ لا بِدَلِيلِهِ، والمعلوم بالضرورة بنفسه، وهو المتواتر، أو بموافقة العلم الضروري، وهي الأوليات، كقولنا: الواحد نصف الاثنين.
[3] قِسْمٌ (نَظَرِيٌّ) وَهُوَ مَا لا يُعْلَمُ إلا بِنَظَرٍ، وعلم الاستدلال يجوز معه التشكيك، بخلاف العلم الضروري،
[4] يعني، لو دللت على قضية ما بمقدمات معينة، وربطت تلك المقدمات أو البراهين ببديهية مثل لكل فعل فاعل، فإن البرهان يأخذ صفة القطع، على أن يكون الربط بالبديهية محكما وصحيحا.
[5] فتفسير النظام الذي في الكون، وكون الوجود من الممكن، وضرورة وجود واجب الوجود، كلها من القضايا التي يستحيل تفسير الكون إلا بالتصديق الجازم المطابق للواقع بها، فهي من ضرورات العقول، وقامت عليها أدلة أرسخ من الجبال.
[6] البحر المحيط للزركشي باب أقسام الدليل.
[7] أنظر كتابنا: أدلة الإعتقاد، باب: العلم النظري والعلم الضروري
[8] انظر: خبر الآحاد بين فخ السؤال وإشكالية المنهج. لعلي عقيل الحمروني، وانظر: موقف العقل والعلم من وجود من بيده ملكوت السموات والأرض لثائر سلامة.
[9] فرق بين من لم يَصُمْ تكاسلا (أي من لم يقم بالفرض) وبين من أنكر فرض الصيام ابتداء، فالأول عاص، والثاني كافر لإنكاره نصا قطعيا! حتى يتوب! (نلاحظ هنا الفرق بين القيام بالفعل المكفر، وبين تكفير المعين، يراجع كتابنا: أدلة الاعتقاد ففيه تفصيل لذلك مهم)
[10] الخبر المتواتر في اصطلاح الأصوليين هو خبر جماعة بلغوا في الكثرة إلى حيث حصل العلم بقولهم، ولا يحصل العلم بقول هذه الجماعة ولا يكون متواتراً إلا إذا كانوا عالمين بما أخبروا لا ظانين، وأن يكون علمهم مستنداً إلى السمع والمشاهدة لا إلى دليل الاستنتاج، وأن يكون جماعة، مستوفية هذه الشروط في عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابعي التابعين، بأن يستوي طرفا الخبر ووسطه، وعليه فإن الخبر المتواتر هو ما رواه في العصور الثلاثة جمع غفير يستحيل معه عادة تواطؤهم على الكذب، والحديث المتواتر قطعي الثبوت عن النبي ﷺ، فيفيد علماً يقينياً ويجب العمل به في كل شيء، سواء أكان من السنة القولية أو الفعلية أو السكوتية، الشخصية الإسلامية، الجزء الثالث: أصول الفقه، تقي الدين النبهاني 75-79.
[11] شروط إفادة المتواتر للعلم: منها ما يرجع إلى المخبرين، ومنها ما يرجع إلى السامعين: فالتي ترجع إلى المخبرين أربعة: الأول: أن يكونوا عالمين بما أخبروا به غير مجازفين، الشرط الثاني: أن يعلموا ذلك عن ضرورة من مشاهدة أو سماع، الشرط الثالث: أن يبلغ عددهم إلى مبلغ يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب، ولا يقيد ذلك بعدد معين بل ضابطه حصول العلم الضروري به، الشرط الرابع: وجود العدد المعتبر في كل الطبقات، فيروي ذلك العدد عن مثله إلى أن يتصل بالمخبر عنهم، وقد اشترط عدالة النقلة لخبر التواتر، فلا يصح أن يكونوا أو بعضهم غير عدول. وأما الشروط التي ترجع إلى السامعين فلا بد أن يكونوا عقلاء، إذ يستحيل حصول العلم لمن لا عقل له، وأن يكونوا عالمين بمدلول الخبر وأن يكونوا خالين عن اعتقاد ما يخالف ذلك الخبر لشبهة تقليد أو نحوه. انظر: أدلة الاعتقاد لثائر سلامة باب: الخبر المتواتر
[12] أنظر كتابنا: أدلة الاعتقاد ففيه استفاضة كبيرة في الحديث عن كل هذه المسائل
[13] تماما كما نفرق بين ما كان ظني الدلالة من القرآن، وما هو قطعي الدلالة، مع أن القرآن كله قطعي الثبوت، فكذلك هنا من المتواتر لفظا ما وصل للقطع بالدلالة، ومنه ما لم يصل للقطع في الدلالة، فالأول اجتمع فيه القطع في الثبوت والدلالة، فلا مجال لتكذيبه لفظا أو دلالة، ونتذكر هنا بحث: تعارُض ما يُخِل بالفَهم، وتجد تفاصيله في كتابنا: أدلة الاعتقاد، ومبحثه في الاحتمالات التي يجب رفعها عن الخطاب حتى يفيد القطع دلالة.