الأحد، 27 صَفر 1446هـ| 2024/09/01م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح230) تجبى الزكاة من المسلمين، وتؤخذ على الأموال التي عين الشرع الأخذ منها (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح230)  تجبى الزكاة من المسلمين، وتؤخذ على الأموال التي عين الشرع الأخذ منها  (2) 

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُـجْبَى الزَّكَاةُ مِنَ الـمُسْلِمِينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ الأَخْذَ مِنْهَا (2)". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 143: تُـجْبَى الزَّكَاةُ مِنَ الـمُسْلِمِينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ الأَخْذَ مِنْهَا مِنْ نَقْدٍ، وَعُرُوضِ تِـجَارَةٍ، وَمَوَاشٍ، وَحُبُوبٍ. وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيرِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ. وَتُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مُكَلَّفًا كَالبَالِغِ العَاقِلِ، أَمْ غَيرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ وَالـمَجْنُونِ، وَتُوضَعُ فِي بَابٍ خَاصٍّ مِنْ بَيتِ الـمَالُ، وَلَا تُصْرَفُ إِلَّا لِوَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ القُرآنُ الكَرِيمُ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ التَتِمَّةُ الأولى للـمَادَّةِ الثَّالِثَةِ وَالأربَعِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالفضَّةُ فَدَلِيلُهَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «إِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ، يَعْنِي فِي الذَّهَبِ، حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَاراً، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ». (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ حَسَنٌ). وَالدِّرْهَمُ سِتَّةُ دَوَانِيقَ، وَالدَّانِقُ: قِيرَاطَانِ، وَالقِيرَاطُ: طَسُوجَانِ، وَالطَّسُوجُ: حَبَّتَانِ، وَالحَبَّةُ: سُدُسُ ثَمَنِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَربَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ. هَذَا هُوَ وَزْنُ الدِّرْهَمِ الشَّرعِيِّ الـمُرَادُ بِالحَدِيثِ، وَالدِّينَارُ: مِثْقَالٌ، وَالـمِثْقَالُ: دِرْهَمٌ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ الدِّرْهَمِ. هَذَا هُوَ وَزْنُ الدِّينَارِ الشَّرعِيِّ الـمُرَادِ بِالحَدِيثِ.

 

bologh14 8 2019

 

وَأَمَّا الحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فَدَلِيلُهَا مَا أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ وَالبَيهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا النَّبِيُّ r  إِلَى اليَمَنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ فَقَالَ: «لَاَ تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إِلاَّ مِنْ هِذِهِ الأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرُ وَالْحِنْطَةُ وَالزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ». صَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَقَالَ البَيهَقِيُّ: (رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ مُتَّصِلٌ). وَأَخْرَجَ الدَّارْقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ r الزَّكَاةَ فِي: الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ»، وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللهِ r إِلَى أَهْلِ اليَمَنِ: «إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ». (أَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا)

 

وَأَمَّا الأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَتِ الزَّكَاةَ فِي الذُّرَةِ فَهِيَ ضَعِيفَةٌ، فَمَثَلًا: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ عَمْرٍو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّهِ «إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ r الزَّكَاةَ فِي: الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ والذُّرَةِ». قَالَ الحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ: "إِسْنَادُهُمَا، أَيْ إِسْنَادِ ابْنِ مَاجَه وَالدَّارقُطِنِّي، وَاهٍ فَفِيهِ العَرزَمِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ". وَكَذَلِكَ رَوَى البَيهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الحَسَنِ قَالَ: «لَمْ يَفْرِضَ رَسُولُ اللهِ r إِلاَّ فِي عَشَرَةِ أَشْيَاءٍ: الإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَالذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْحِنْطَةُ، وَالشَّعِيرُ، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَرَاهُ قَالَ وَالذُّرَةُ» قَالَ الحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ:"رِوَايَةُ الحَسَنِ مُرْسَلَةٌ مِنْ طَرِيقِ عَمْرٍو بْنِ عُبَيدٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَتْرُوكُ الحَدِيثِ". كَمَا أَنَّ البَيهَقِيَّ نَفْسَهُ ذَكَرَ فِي سُنَنِهِ الكُبْرَى فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الحـَسَنِ، وَفِيهَا عَمْرُو بْنُ عُبَيدٍ كَذَلِكَ، قَالَ: «لَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللهِ r الصَّدَقَةَ إِلاَّ فِي عَشَرَةٍ فَذَكَرَهُنَّ وَذَكَرَ فِيهِنَّ السُّلْتُ وَلَمْ يَذْكُرْ الذُّرَةُ». وَالسُّلْتُ نَوْعٌ مِنَ الشَّعِيرِ كَمَا فِي القَامُوسِ. فَالرِّوَايَتَانِ عَلَى ضَعْفِ إِسْنَادِهِمَا مُختَلِفَتَانِ. وَهَكَذَا فَإِنَّ أَحَادِيثَ زَكَاةِ الذُّرَةِ ضَعِيفَةٌ.

 

وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الأَصْنَافَ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنهَا الزَّكَاةُ هِيَ هَذِهِ الأَرْبَعةُ  (الحِنْطَةُ، وَالشَّعِيُر، وَالتَّمْرُ، وَالزَّبِيبُ)، وَلَا تُؤْخَذْ مِنْ غَيرِهَا مُطْلَقًا. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «فِيمَا سَقَتْ الأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ». (أَخرَجُهُ مُسْلِمُ). وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ». (أَخْرَجُهُ البُخَارِيُّ)، وَ(العَثَرِيُّ): هُوَ الَّذِيْ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غَيرِ سَقْيٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ».  (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) 

 

فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ نَصٌّ مُجْمَلٌ فِي زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فَبَيَّنَتْهُ، وَحَدَّدَتْ مَا تُؤْخَذُ مِنهُ الزَّكَاةُ، وَلَاسِيَّمَا أَنَّ بَيَانَهَا جَاءَ بِطَرِيقِ الحَصْرِ، فَمَا أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ وَالبَيهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ جَاءَ فِيهِ: «لاَ تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إِلَّا مِنْ هِذِهِ الأَرْبَعَةِ». (صَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَقَالَ البَيهَقِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ). وَمَا رَوَاهُ الدَّارقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ: «إنَّمَا سَنِّ رَسُولُ اللهِ الزَّكَاةَ فِي: الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ».

 

وَلَا شَكَّ أَنَّ لَفْظَ "لَا" وَ"إِلَّا" فِي الحَدِيثِ الأَوَّلِ، وَ"إِنَّمَا" فِي الحَدِيثِ الثَّانِي، كُلُّهَا تُفِيدُ الحَصْرَ. فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ فِي هَذِهِ الأَرْبَعَةِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ أَحَادِيثَ "مَا سَقَتِ السَّمَاءُ" وَ"مَا سَقَتِ الأَنْهَارُ" ..الخ غَيرُ وَارِدَةٍ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةُ تُؤْخَذُ مْنْ كُلِّ مَا يَنْبُتُ، فَإِنَّهَا مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا النُّصُوصُ الأُخْرَى، وَحَصَرَتِ الزَّكَاةَ مِـمَّا يَنْبُتُ فِي هَذِهِ الأَربَعَةِ لَيسَ غَيرْ.

 

وَتُؤَيِّدُ ذَلِكَ الرِّوَايَاتُ الأُخْرَى فِي هَذَا الـمَعْنَى مِثْلُ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: «وَالْعُشْرُ فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ». فَكُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَكَاةَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ أَصْنَافٍ مُعَيَّنَةٍ، عَدَّدَتْهَا بَعْضُ الأَحَادِيثِ بِأَرْبَعَةٍ، وَهِيَ: (الشَّعِيرُ وَالحِنْطَةُ، وَالزَّبِيبُ، وَالتَّمْرُ)، وَجَاءَتْ فِيهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ. مِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ إِلَّا فِيمَا جَاءَ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ. وَأَمَّا قَولُهُ تَعَالَى: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ). (الأنعام 141)  فَإِنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَـمْ تَرِدْ فِيهَا الزَّكَاةُ، لِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ، وَالزَّكَاةُ إِنَّمَا فُرِضَتْ فِي الـمَدِينَةِ، وَلِـهَذَا ذُكِرَ الرُّمَّانُ وَلَا عُشْرَ فِيهِ. وَقَالَ مُجَاهِدُ: "إِذَا حَصَدَ زَرْعَهُ أَلْقَى لَـهُمْ مِنَ السُّنْبُلِ، وَإِذَا جَدَّ نَخلَهُ أَلْقَى لَـهُمْ مِنَ الشَّمَارِيخِ"، وَقَالَ النَّخْعِيُّ وَأَبُو جَعْفَر: "هَذِهِ الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ، عَلَى أَنَّهَا مَحمُولَةٌ عَلَى مَا يَتَأَتَّى حَصَادُهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الرُّمَّانَ مَذْكُورٌ بَعْدَهُ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ" انتَهَى.

 

وَقَالَ فِي القَامُوسِ الـمُحِيطِ: "حَصَدَ الزَّرْعَ وَالنَّبَاتَ يَحْصُدُهُ وَيَحْصِدُهُ حَصْدًا وَحَصَادًا: قَطَعَهُ بِالـمِنْجَلِ". فَلَو فُرِضَ أَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الزَّكَاةِ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا يُحْصَدُ مِنهُ، لِأَنَّ الرُّمَّانَ لَا يُحْصَدُ، فَتَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الـمُجْمَلِ، وَجَاءَتِ الأَحَادِيثُ، وَبَيَّنَتْ مَا يُـخْرَجُ مِنهُ الزَّكَاةُ مِمَّا يُحْصَدُ، وَهُوَ الحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ، وَأَضَافَتْ لَهُ نَوعَينِ آخَرَينِ: التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ. وَعَلَى أَيِّ حَالٍ مَا دَامَتِ الآيَةُ قَدْ نَزَلَتْ فِي مِكَّةَ، وَلَـمْ تَكُنِ الزَّكَاةُ قَدْ فُرِضَتْ بَعُدُ، فَإِنَّ هَذَا كَافٍ لِرَدِّ الاستِدْلَالِ بِهَا.

 

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ الـمُتْعِيّ قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي نَحْلاً، قَالَ: فَأَدِّ العُشُورَ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، احْمِ لِي جَبَلَهَا، قَالَ: فَحَمَى لِي جَبَلَهَا». وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «جَاءَ هِلالٌ، أَحَدُ بَنِي مُتْعَانَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ، وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ سَلَبَةُ، فَحَمَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r ذَلِكَ الْوَادِي.

 

فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ سُفْيَانُ بْنُ وَهْبٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَكَتَبَ عُمَرُ: إِنْ أَدَّى إِلَيْكَ مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r مِنْ عُشُورِ نَحْلِهِ، فَاحْمِ لَهُ سَلَبَةَ، وَإِلاَّ فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابُ غَيْثٍ يَأْكُلُهُ مَنْ يَشَاءُ». فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلاسْتِدَلَالِ عَلَى أَنَّ العَسَلَ فِيهِ زَكَاةٌ.

 

فَحَدِيثُ أَبِي سَيَّارَةَ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي سَيَّارَةَ، قَالَ البُخَارِيُّ: لَـمْ يُدْرِكْ سُلَيمَانُ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَيسَ فِي زَكَاةِ العَسَلِ شَيءٌ يَصِحُّ، وَحَدِيثُ عَمرِو بْنِ شُعَيبٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ حَسَّنَهُ ابنُ عَبْدِ البَرِّ فِي الاستِذْكَارِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي العَسَلِ، لِأَنَّ مَا دَفَعَهُ هُوَ تَطَوُّعٌ، وَقَدْ حَمَى لَـهُمَا بَدَلَ مَا أَخَذَ، بِدَلِيلِ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ، فَإِنَّهُ عَقِلَ العِلَّةَ؛ فَأَمَرَ بِـمِثْلِ ذَلِكَ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ r اسْتَعْمَلَهُ عَلَى قَوْمِهِ وَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَدُّوُا العُشْرَ فِي الْعَسَلِ». (أَخْرَجَهُ البَيهَقِيُّ، وَابنُ أَبِي شَيبَةَ، وَضَعَّفَهُ البُخَارِيُّ، وَالأَزْدِيُّ وَغَيرُهُمَا)، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَسَعْدُ بْنُ أَبِي ذُبَابٍ يَحْكِي مَا يَدُلُّ عَلَى: «أَنَّ النَّبِيَّ r لَمْ يَأْمُرْهُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَأَنَّهُ شَيْءٌ رَآهُ هُوَ فَتَطَوَّعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ». وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي العَسَلِ، حَتَّى الأَحَادِيثُ الَّتِي اسْتَدَلُّوا بِـهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَاجبَةً.

 

فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِـمَّا لَـمْ يُبَيِّنِ الشَّرْعُ فِيهِ نِصَابًا. لِأَنَّ النُّصُوصَ بَيَّنَتِ النِّصَابَ، وَمِقْدَارَ مَا يُـخْرَجُ، فَتَكُونُ الزَّكَاةُ وَاجِبَةً فِيهِ، وَمَا لَـمْ تَرِدْ فِيهِ نُصُوصٌ فَعَلَى أَيِّ أَسَاسٍ تُؤْخَذُ مِنهُ الزَّكَاةُ؟! أَوْ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ؟! لَاسِيَّمَا وَأَنَّ النُّصُوصَ الَّتِي بَيَّنَتِ النِّصَابَ وَمِقْدَارَ مَا يُـخْرَجُ لَـمْ تَأْتِ مُعَلَّلَةً، فَلَا يَصِحُّ القِيَاسُ عَلَيهَا.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأربعاء, 14 آب/أغسطس 2019

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع