- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
( ح232 ) تجبى الزكاة من المسلمين، وتؤخذ على الأموال التي عين الشرع الأخذ منها ( 4 )
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "تُـجْبَى الزَّكَاةُ مِنَ الـمُسْلِمِينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ الأَخْذَ مِنْهَا ( 4 ) ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الخَامِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 143: تُـجْبَى الزَّكَاةُ مِنَ الـمُسْلِمِينَ، وَتُؤْخَذُ عَلَى الأَمْوَالِ الَّتِي عَيَّنَ الشَّرْعُ الأَخْذَ مِنْهَا مِنْ نَقْدٍ، وَعُرُوضِ تِـجَارَةٍ، وَمَوَاشٍ، وَحُبُوبٍ. وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيرِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ. وَتُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مُكَلَّفاً كَالبَالِغِ العَاقِلِ، أَمْ غَيرَ مُكَلَّفٍ كَالصَّبِيِّ وَالـمَجْنُونِ، وَتُوضَعُ فِي بَابٍ خَاصٍّ مِنْ بَيتِ الـمَالُ، وَلَا تُصْرَفُ إِلَّا لِوَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ القُرآنُ الكَرِيمُ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ التَتِمَّةُ الثَّالِثَةُ وَالأَخِيرَةُ لِلْـمَادَّةِ الثَّالِثَةِ وَالأربَعِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
وَأَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَإِنَّ دَلِيلَ وُجُوبِهَا الحَدِيثُ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ r كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ» قَالَ الحَافِظُ فِي "بُلُوغِ الـمَرَام ِمِنْ أَدِلَّةِ الأَحْكَامِ": ( رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَإِسْنَادُهُ لَيِّنٌ ) . وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو بْنِ حَمَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَمَرَنِي عُمَرُ فَقَالَ: أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ، فَقُلْتُ: مَالِي مَالٌ إِلَّا جِعَابٌ وَأَدَمٌ، فَقَالَ: قَوِّمْهَا ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا". ( أَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيرُهُمَا ) . وَهَذِهِ قِصَّةٌ يَشْتَهِرُ مِثْلُهُا، وَلَـمْ تُنْكَرْ، فَيَكُونُ إِجْمَاعاً، وَالجِعَابُ وَالأَدَمُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَينِهَا، وَهِيَ لَا تُـمْلُكُ عَادَةً بِالقَدْرِ الكَبِيرِ الَّذِي يـُجْعَلُ فِيهَا الزَّكَاةُ إِلَّا إِذَا كَانَتْ مُعَدَّةً لِلبَيعِ، فَيَكُونُ هَذَا قَرِينَة عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُعَدَّةً لِلبَيعِ.
الأمر الثالث: أخذ الزكاة من كل مالك:
وَأَمَّا الأَمْرُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ كُلِّ مَالِكٍ فَإِنَّهُ يَعنِي أَنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً، عَاقِلاً كَانَ أَوْ مَجنُوناً، صَبِيّاً كَانَ أَوْ بَالِغاً. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فَظَاهِرٌ مِنْ عُمُومِ النُّصُوصِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّبِيِّ وَالـمَجْنُونِ فَلِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالـمَالِ، وَهُوَ الحَقُّ الوَحِيدُ الوَاجبُ فِي الـمَالِ مِنْ حَيثُ هُوَ مَالٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ) . ( التَّوبة 103 ) ، وَقَالَ تَعَالَى: ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ ) . ( المعارج 24 ) ، وَفِي الحَدِيثِ «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ». ( مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ ) ، وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ الـمُتَّفَقِ عَلَيهِ جَوَاباً لِسُؤَالِ الأَعْرَابِيِّ «...فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الإِسْلامِ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لا، إِلا أَنْ تَطَوَّعَ» مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الزَّكَاةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الـمَالِ مِنْ حَيثُ هُوَ مَالٌ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كَونِ مَالِكِهِ مُكَلَّفاً أَمْ غَيرُ مُكَلَّفٍ. فَاللهُ قَدْ فَرَضَ عَلَى الـمُسْلِمِ الـمَالِكِ لِلمَالِ حُقُوقاً كَثِيرَةً بِوَصْفِهِ مَالِكاً لِلمَالِ أَيْ غَنِيّاً، فَفَرَضَ عَلَيهِ الجِهَادَ بِالـمَالِ، وَفَرَضَ عَلَيهِ إْطْعَامَ الجَائِعِ، وَفَرَضَ عَلَيهِ النَّفَقَةَ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَـمْ يَفْرِضْ عَلَى الـمَالِ الـمَمْلُوكِ لِلْمُسْلِمِ سِوَى حَقٍّ وَاحِدٍ هُوَ الزَّكَاةُ، وَحَصَرَ الحُقُوقَ الوَاجبَةَ فِي الـمَالِ بِهَا، وَنَفَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَيرُهَا مِنَ الحُقُوقِ؛ مِـمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الفَرْضِيَّةَ مُسَلَّطَةٌ عَلَى الـمَالِ مِنْ حَيثُ هُوَ مَالٌ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كَونِ مَالِكِهِ مُكَلَّفاً أَوْ غَيرَ مُكَلَّفٍ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الـمَالَ تُؤْخَذُ مِنهُ الزَّكَاةُ وَلَو كَانَ مَالِكُهُ غَيرَ مُكَلَّفٍ، أَيْ وَلَو كَانَ مَالِكُهُ صَبِيّاً أَوْ مَجنُوناً. وَأَيْضاً فَإِنَّ اللهَ حِينَ فَرَضَ عَلَى الـمُسْلِمِ فُرُوضاً بِوَصْفِهِ مَالِكاً لِلمَالِ أَيْ حُقُوقاً مُتَعَلِّقَةً بِالـمَالِ فَرَضَهَا كَذَلِكَ عَلَى الـمُسْلِمِ مُطْلَقاً سَوَاءٌ أَكَانَ مُكَلَّفاً أَمْ غَيرَ مُكَلَّفٍ، وَذَلِكَ مِثْلُ نَفَقَةِ الأَقَارِبِ وَالزَّوجَاتِ، وَأَرْشَ الجِنَايَاتِ، وَقِيَمَ الـمُتْلَفَاتِ. فَكُلُّهَا وَاجبَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ وَالـمَجْنُونِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالـمَالِ، فَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ لِأَنَّهَا حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالـمَالِ. وَفَوقَ ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ وَلِيَ يَتِيماً لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ، وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» أَيْ الزَّكَاةُ، ( أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَالدَّارقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّهِ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو ) ، وَمَعَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ الـمُثَنَّى بْنِ الصَّبَاح وَفِيهِ مَقَالٌ، إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ كَذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مَوقُوفاً عَلَيهِ، وَيُقَاسُ عَلَيهِ الـمَجْنُونُ بِجَامِعِ عَدَمِ التَّكْلِيفِ فِي كُلٍّ، فَإِذَا وَجَبَتْ عَلَى الصَّبِيِّ، وَهُوَ غَيرُ مُكَلَّفٍ وَجَبَتْ كَذَلِكَ عَلَى الـمَجْنُونِ.
الأمر الرابع: كون الزكاة توضع في باب خاص في بيت المال:
وَأَمَّا الأَمْرُ الرَّابِعُ، وَهُوَ كَونُ الزَّكَاةِ تُوضَعُ فِي بَابٍ خَاصٍّ فِي بَيتِ الـمَالِ؛ فَلِأَنَّ كُلَّ مَالٍ اسَتَحَقَّهُ الـمُسْلِمُونَ وَلَـمْ يَتَعَيَّنْ مَالِكُهُ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الـمَالِ. وَكُلُّ حَقٍّ وَجَبَ صَرْفُهُ فِي مَصَالِـحِ الـمُسْلِمِينَ فَهُوَ حَقٌّ عَلَى بَيتِ الـمَالِ. وَالزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَسْتَحِقُّهُ الـمُسْلِمُونَ، وَلَكِنَّ مَالِكَهَا قَدْ تَعَّينَ بِنَصِّ الشَّارِعِ، فَقَدْ عَيَّنَ الشَّرعُ مَالِكَهَا حِينَ عَيَّنَ الجِهَاتِ الَّتِي تُصْرَفُ إِلَيهَا، وَحَصَرَهَا فِي هَذِهِ الجِهَاتِ الثَّمَانِي وَحْدَهَا قَالَ تَعَالَى: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) . ( التَّوبَة 60 ) وَمَا دَامَتْ قَدْ حُصِرَتْ فِي هَذِهِ الجِهَاتِ فَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ حُقُوقِ بَيتِ الـمَالِ، لِأَنَّهَا مَالٌ مُعَيَّنُ الجِهَاتِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى غَيرِ جهَاتِهِ، وَبَيتُ الـمَالِ إِنَّمَا هُوَ مَحَلُّ إِحْرَازٍ لَـهَا، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مْنْ حُقُوقِهِ. وَإِنَّمَا كَانَ بَيتُ الـمَالِ هُوَ مَحَلُّ إِحْرَازِهَا لِأَنَّهَا تُدْفَعُ إِلَى الخَلِيفَةِ، وَهُو الَّذِي يُحَصِّلُهَا، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللهِ r : «إِذَا أَدَّيْتُ الزَّكَاةَ إِلَى رَسُولِكَ فَقَدْ بَرِئْتُ مِنْهَا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : نَعَمْ، إِذَا أَدَّيْتَهَا إِلَى رَسُولِي فَقَدْ بَرِئْتَ مِنْهَا، فَلَكَ أَجْرُهَا، وَإِثْمُهَا عَلَى مَنْ بَدَّلَهَا». ( أخرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الهَيثَمِيُّ وَالزَّينُ ) ، وَعَنْ بَشِيرِ بْنِ الخَصَاصِيَّةِ قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ قَوْماً مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا، أَفَنَكْتُمُ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: لَا». ( أخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَبدُ الرَّزَّاقِ، وَسَكَتَ عَنهُ الـمُنذِرِيُّ ) . فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تُدْفَعُ لِلخَلِيفَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ وُلَاتَهُ وَعُمَّالَهُ لِتَحْصِيلِهَا، ثُمَّ إِنَّهَا تُصْرَفُ إِلَى الجِهَاتِ الـمُعَيَّنَةَ بِرَأْيِهِ وَاجتِهَادِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ مَحَلَّ حِفْظِهَا هُوَ بَيتُ الـمَالِ، وَلَكِنَّهُ مُجَرَّدُ حِرْزٍ لَـهَا، إِذْ لَا تُصْرَفُ إِلَّا لِـجهَاتِهَا الـمُعَيَّنَةِ، وَلِذَلِكَ تُوضَعُ فِي بَابٍ خَاصٍّ بِهَا. فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وَارِدَاتِ بَيْتِ الـمَالِ لِأَنَّهَا تُدْفَعُ لِلْخَلِيفَةِ، وَيُعَاقِبُ النَّاسَ عَلَيهَا إِنْ تَأَخَّرُوا عَنْ دَفْعِهَا، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يُصْرَفُ بِرَأْيِهِ وَاجتِهَادِهِ مُطْلَقاً، بَلْ بِرَأْيِهِ وَاجتِهَادِهِ مَحصُوراً فِي حُدُودِ الجِهَاتِ الـمُسْتَحَقَّةِ لَـهَا لَيسَ غَير.
الأمر الخامس: كون الزكاة لا تصرف إلا لأشخاص مخصوصين:
وَأَمَّا الأَمْرُ الخَامِسُ، وَهُوَ كَونُ الزَّكَاةِ لَا تُصْرَفُ إِلَّا لِأَشْخَاصٍ مَخْصُوصِينَ مُحَدَّدِي الصِّفَةِ وَالعَدَدِ، فِلِأَنَّ اللهَ قَدْ عَيَّنَ مَنْ تُصْرَفُ إِلَيهِ الزَّكَاةُ، وَحَصَرَ صَرْفَهَا فِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ. قَالَ تَعَالَى: ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) . ( التَّوبَة 60 ) فَقَدْ جَرَى حَصْرُهُمْ فِي لَفْظِ "إِنَّمَا" وَهِيَ تَركِيبٌ مُكَوَّنٌ مِنْ ( إنَّ، وَمَا ) يُفِيدُ الحَصْرَ، فَلَا يَحِلُّ أَنْ تُصْرَفَ لِغَيرِهِمْ مُطْلَقاً. وَلِذَلِكَ يَقُولُ الرَّسُولُ r : «لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ». ( أخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَسَّنَهُ، وَأَخرَجَهُ الحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ وَصَحَّحَهُ ) . وَيَقُولُ r عَنِ الزَّكَاةِ: «وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ». ( أخرَجُهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ ) . فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ لِغَيرِ هَذِهِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ مُطْلقاً.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.