السبت، 14 محرّم 1446هـ| 2024/07/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية" الحلقة الخامسة والأربعون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

تأملات في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية"

الحلقة الخامسة والأربعون

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد المرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أيها المسلمون:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية، مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، نقول وبالله التوفيق: موضوع حلقتنا لهذا اليوم هو "ثبات حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام".

 

في ولاية الأردن ضرب حاملو الدعوة من شباب حزب التحرير أروع الأمثلة في الثبات أمام السلطات الأمنية وأجهزة المخابرات العامة الذين أذاقوا الشباب أشد صنوف العذاب. وأما ثاني المواقف التي تدل على ثباتهم فهو موقف وقفه أحد شباب الحزب الذين أعرفهم معرفة جيدة، وقد طلب إلي ألا أصرح باسمه، أرويها لكم كما سمعتها منه. فهو يريد أن يبقى هذا الموقف بينه وبين الله تعالى؛ لأنه يخشى إن صرحت باسمه أن يدخل في باب الرياء والتسميع المحظورين، نعوذ بالله تعالى أن نقع في شيء من ذلك! اعتقل هذا الشاب في مطلع الثمانينات في الفترة التي اعتقل فيها أميرنا أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل حفظه الله، وأيده بنصره وأعزه. قال له المحقق كما قال لأميرنا: نحن الذين اعتقلناك، ونحن الذين نخرجك من عندنا بجرة قلم! ونظرا لكون هذا الشاب حديث عهد بالدعوة، فقد تم التركيز عليه ليصرفوه عن الحزب بكل السبل، خصوصا بعدما لم يستطع أن يجيب المحقق بما أجاب به أميرنا. بل إنه اكتفى بالقول لهم: أنا عضو من أعضاء حزب التحرير، أرفض إعطاء أية معلومات، وأرفض استنكار الحزب أو البراءة منه ثم التزم الصمت! في بداية التحقيق حاول المحقق أن يكون لطيفا معه؛ ليحصل منه على المعلومات التي يريدها، ولما لم يجد هذا الأسلوب، اتبعوا معه أسلوب التعذيب لانتزاع المعلومات، وتحت سياط التعذيب، وفي لحظة غفلة عن إدراك الشاب صلته بالله تعالى استطاع المحقق أن ينتزع من الشاب عبارة: دعني أفكر.   

 

- المحقق: هل ستدلي بالمعلومات، أم نزيد في التعذيب؟

- الشاب: دعني أفكر. عندها شعر المحقق بنشوة الانتصار، وأصدر أوامره للعسكر: أن زيدوا في التعذيب! 

- المحقق: يكرر السؤال السابق.

- الشاب: قلت لك: دعني أفكر، لكنك لم تقبل! ويتكرر المشهد ذاته للمرة الثالثة، ويزداد التعذيب لدرجة لم يستطع الشاب معها الوقوف على رجليه، عند ذلك أمر المحقق بحمله إلى زنزانته، وهناك كان معه فيها طبيب معتقل عضو من أعضاء الحزب الشيوعي.

- الطبيب: سأل الشاب عن موقفه مع المحقق وعن مجرى وسير التحقيق.

- الشاب: أخبر الطبيب بما حصل فعلا.

- الطبيب: إن مجرى التحقيق كان يسير بيانيا في خط مستقيم، وعندما قلت له: دعني أفكر، انحنى الخط البياني نزولا إلى أسفل.

وهنا تأثر الشاب تأثرا بالغا من قول الطبيب الذي يعد خصما فكريا بالنسبة إليه، وصار يفكر كيف استطاع المحقق أن ينتزع منه تلك العبارة التي غيرت مجرى التحقيق، فتوصل إلى سبب ذلك من خلال تلاوته لقوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ? لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ? أولئك كالأنعام بل هم أضل ? أولئك هم الغافلون}. (الأعراف179) فعرف الشاب أن سبب ذلك هو لحظة غفلة عن إدراك صلته بالله تعالى. وعاد يسأل خصمه الشيوعي:

- الشاب: لقد قلت لي: إن الخط البياني لسير التحقيق معي انحنى نزولا إلى أسفل، فهل يمكن لهذا الخط أن يصعد إلى أعلى؟

- الطبيب: أجل، من الممكن ذلك، لكن بشرط واحد، وهو أن يبقى الخط صاعدا، لأنه إن نزل ثانية فلن يصعد أبدا ...!

- الشاب: -في نفسه-: صحيح قول الطبيب، ودليل ذلك قول الله جل في علاه: {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا}. (النساء137) سيصعد الخط شامخا وسيظل صاعدا إن شاء الله! وقرر في الحال أن لا تمر عليه لحظة من لحظات اعتقاله إلا وهو متلبس بحالة من الأحوال الأربعة التي تبقيه على صلة دائمة بالله تعالى: إما أن يكون قائما يصلي، أو يتلو القرآن، أو يذكر أو يدعو الله عز وجل أو نائما. وكان من دعائه الذي أجراه الله على لسانه: اللهم إن لم تثبـتني فلا ثبات لي، اللهم إن لم تثبـتني، فاقبضني إليك غير مفرط ولا مضـيع! فكان يفضل أن يخرج من المعتقل ميتا محمولا على الأعناق في جنازة على أن يضعف ويدلي بمعلومات تضر بواحد من أعضاء الحزب.

 

أجل أيها المسلمون هكذا كان موقف حاملي الدعوة من شباب حزب التحرير، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام! لم يكتفوا بالثبات على الحق أثناء حمل الدعوة، بل يطمحون إلى أن يكونوا ثابتين أيضا أمام الكفار في ساحات القتال، وفي ميادين الجهاد في سبيل الله! وقد صدق فيهم قول الشاعر:

 

قف دون رأيك في الحياة مجاهدا        إنما الحيـاة عقيـدة وجهـاد

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

محمد أحمد النادي

آخر تعديل علىالخميس, 16 كانون الثاني/يناير 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع