مختصر السيرة النبوية العطرة

ح 158

السنة الثالثة للهجرة - غزوة أحد - انقسام المسلمين

مقتل حامل لواء المسلمين:

بعد مخالفة الرماة انقلبت موازين المعركة، وثبت مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو حامل اللواء يُقاتل دون رسول الله ﷺ، فأقبل ابن قَمئة وهو فارس، فضرب يده اليمنى فقطعها، فأخذ مصعب اللواء بيده اليُسرى، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء، وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: (وما محمد إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرسل)، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فارتقى مصعب شهيدًا، وسقط اللواء، فأخذه رسول الله ﷺ فدفعه إلى علي بن أبي طالب. وكان مصعب يُشبه النبي ﷺ إذا لبس لأمته (أي لباس الحرب)، فلما قتله ابن قمئة ظنّ أنه قتل رسول الله ﷺ، فرجع إلى قريش وهو يقول: قتلت محمدًا، فلما سمع المسلمون ذلك كادت أن تنهار الروح المعنوية في نفوس الكثيرين منهم.

انقسام المسلمين إلى ثلاث فرق:

فلما سمع المسلمون أن النبي ﷺ قد قُتل، انقسموا إلى ثلاث فرق:

الفرقة الأولى: ثبتت مع النبي ﷺ، واستماتت في القتال، كما سيأتي.

الفرقة الثانية: لاذت بالفرار، وتركت ساحة المعركة، وغفر الله لهم لأن الشيطان استزلهم.

الفرقة الثالثة: صاروا حيارى، قال بعضهم: "ليتنا رجعنا مع ابن أبيِّ بن سلول"، وبعضهم قالوا: "إن كان رسول الله ﷺ قد قُتل، أفلا تقاتلون عن دينكم؟؟"، وبعضهم ألقوا السلاح مستكينين.

بطولة أنس بن النضر رضي الله عنه:

ومرّ أنس بن النضر وهو عم أنس بن مالك بالفرقة التي استكانت وهي تقول: علامَ نقاتل إذا كان محمد قد قتل؟ فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قُتل رسول الله ﷺ. قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله ﷺ، ثم قال: اللهم، إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: أين يا أبا عمرو؟ قال: الجنةُ وربُّ النَّضر، إني أجد ريحها دون أحد، ثم شد سيفه فقاتل القوم حتى قُتل!! فوُجِدَ على جسده بضعٌ وثمانون ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، فما عرفه أحد إلا أخته، عرفته ببنانه (أي برؤوس أصابعه)، وقد مثّل به المشركون!! قال أنس بن مالك: "كنا نرى، أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: (من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً).

عودة الروح المعنوية إلى المسلمين:

وبمثل هذا الاستبسال، والتشجيع عادت إلى المسلمين روحهم المعنوية، فرجع إليهم صوابهم، فعدلوا عن فكرة الاستسلام، أو الاتصال بابنِ أبَيِّ بنِ سَلُول.

غزوة أحد مليئة بالأحداث ... هيا بنا نتابع وصلوا، وسلموا على هادي الأممِ سيدنا محمَّدٍ الأمينِ، قائدِ الغرِّ المُحجَّلين ... اللهم أوردنا حوضه، واسقنا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا، وارزقنا شفاعته!!

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَحَبِيبِنَا، وَعَظِيمِنَا، وَقَائِدِنَا، وَقُدْوَتِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي