- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
(ح 83)
كيف نشأت مسألة القضاء والقدر (8)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
أيها المؤمنون:
أحبّتنا الكرام :
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثالثة والثمانين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "كيف نشأت مسألة القضاء والقدر(8)".
يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "وقالوا: إن قيل فإن على قولكم يكون الكافر مجبورًا في كفره والفاسق في فسقه فلا يصح تكليفهما بالإيمان والطاعة، قلنا - أي أجابوا - أن الله تعالى أراد منهما الكفر والفسق باختيارهما فلا جبر، كما أنه تعالى علم منهما الكفر والفسق بالاختيار ولم يلزم تكليف المحال. وقالوا عن أفعال العباد في الرد على المعتزلة والجبرية: للعباد أفعال اختيارية يثابون بها إن كانت طاعة، ويعاقبون عليها إن كانت معصية.
وبيـَّـنوا وجه كونها اختيارية مع أنهم يقولون أن الله مستقل بخلق الأفعال وإيجادها فقالوا: إن الخالق لفعل العبد هو الله تعالى. وأن لقدرة العبد وإرادته مدخلاً في بعض الأفعال كحركة البطش، دون البعض كحركة الارتعاش، وأن الله تعالى خالق كل شيء، والعبد كاسب.
ثم وضَّحوا ذلك فقالوا: إن صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل كسب، وإيجاد الله الفعل عقب ذلك خلق والمقدور الواحد داخل تحت القدرتين لكن بجهتين مختلفتين، فالفعل مقدور لله تعالى بجهة الإيجاد ومقدور للعبد بجهة الكسب، وبعبارة أخرى أن الله تعالى أجرى العادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته لا بقدرة العبد وإرادته، فهذا الاقتران هو الكسب. واستدلوا على قولهم بالآيات التي استدل بها الجبرية على خلق الله للأفعال وإرادته لها، واستدلوا على الكسب من العبد بقوله تعالى: (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). (الواقعة 24) وقوله تعالى: (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). (الكهف29) وقوله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ). (البقرة 286) واعتبروا أنفسهم أنهم ردوا على المعتزلة والجبرية. والحقيقة هو أن رأيهم ورأي الجبرية واحد فهم جبريون.
وقد أخفقوا كل الإخفاق في مسألة الكسب، فلا هي جارية على طريق العقل، إذ ليس عليها أي برهان عقلي، ولا على طريق النقل إذ ليس عليها أي دليل من النصوص الشرعية، وإنما هي محاولة مخفقة للتوفيق بين رأي المعتزلة ورأي الجبرية".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: يتابع الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - حديثه عن بيان الكيفية التي نشأت بها عند المتكلمين مسألة القضاء والقدر، وذلك من خلال الأفكار الآتية:
نتج عن رأي أهل السنة والجماعة أسئلة تحتاج إلى رد منهم، فانبروا للرد عليها، فكان ردهم هو الآتي:
أولا: قالوا: إن قيل فإن على قولكم يكون الكافر مجبورًا في كفره، والفاسق في فسقه، فلا يصح تكليفهما بالإيمان والطاعة، قلنا - أي أجابوا -: إن الله تعالى أراد منهما الكفر والفسق باختيارهما فلا جبر، كما أنه تعالى علم منهما الكفر، والفسق بالاختيار، ولم يلزم تكليف المُحَال.
ثانيًا: قالوا عن أفعال العباد في الرد على المعتزلة والجبرية: للعباد أفعال اختيارية يثابون بها إن كانت طاعة، ويعاقبون عليها إن كانت معصية.
ثالثًا: بيـَّـنوا وجه كونها اختيارية مع أنهم يقولون أن الله مستقل بخلق الأفعال وإيجادها فقالوا: إن الخالق لفعل العبد هو الله تعالى. وأن لقدرة العبد وإرادته مدخلاً في بعض الأفعال كحركة البطش، دون البعض كحركة الارتعاش، وأن الله تعالى خالق كل شيء، والعبد كاسب.
رابعًا: ثم وضَّحوا ذلك فقالوا: إن صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل كسب، وإيجاد الله الفعل عقب ذلك خلق والمقدور الواحد داخل تحت القدرتين لكن بجهتين مختلفتين، فالفعل مقدور لله تعالى بجهة الإيجاد، ومقدور للعبد بجهة الكسب، وبعبارة أخرى: إن الله تعالى أجرى العادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته لا بقدرة العبد وإرادته، فهذا الاقتران هو الكسب.
خامسًا: استدلوا على قولهم بالآيات التي استدل بها الجبرية على خلق الله للأفعال، وإرادته لها.
سادسًا: استدلوا على الكسب من العبد بقوله تعالى: (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ). (الواقعة 24) وقوله تعالى: (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). (الكهف29) وقوله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ). (البقرة 286) (البقرة 286).
سابعا: قال الشيخ تقي الدين - رحمه الله - مُعلقـًا على رد أهل السنة والجماعة على المعتزلة والجبرية: "واعتبروا أنفسهم أنهم ردوا على المعتزلة، والجبرية. والحقيقة هو أن رأيهم، ورأي الجبرية واحد فهم جبريون".
ثامنًا: وأضاف الشيخ تقي الدين - رحمه الله - مُعلقـًا: "وقد أخفقوا كل الإخفاق في مسألة الكسب، فلا هي جارية على طريق العقل، إذ ليس عليها أي برهان عقلي، ولا على طريق النقل إذ ليس عليها أي دليل من النصوص الشرعية، وإنما هي محاولة مخفقة للتوفيق بين رأي المعتزلة ورأي الجبرية".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي