- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية
الحلقة الثانية والعشرون
بعد أن تكلمنا بشكل مستفيض عن الصحة الفردية في مجال (الوقاية) سننتقل اليوم إلى مجال
2- العلاج
أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين بالتداوي على وجه الندب، وأعلمهم أن الله سبحانه وتعالى ما أنزل داء إلا وأنزل له شفاء وعلاجا، سواء توصل الإنسان إلى هذا العلاج أم لم يصل بعد إليه، وإذا لاءم الدواء الداء برئ المريض بإذن الله، وفي هذا حث للإنسان على السعي للتداوي وتحصيل البرء بإذنه سبحانه وتعالى الذي خلق في الدواء خاصية الشفاء. قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رواه مسلم في صحيحه: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"، وفي حديث أسامة بن شريك رفعه: "تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلا الْمَوْتَ وَالْهَرَمَ"، أخرجه أحمد والبخاري في "الأدب المفرد" والأربعة وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم.
ولذلك فإن في الطب خيرا وإن كان المرض منه سبحانه وتعالى، لأن العلاج منه سبحانه وتعالى كذلك، فقد زعم زيد بن أسلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "أَنْزَلَ الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الأَدْوَاءَ".
كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تلقى العلاج في مرضه آخر حياته، عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) كَانَ يَسْقَمُ عِنْدَ آخِرِ عُمْرِهِ، أَوْ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَكَانَتْ تَقْدَمُ عَلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَنْعَتُ لَهُ الأَنْعَاتَ وَكُنْتُ أُعَالِجُهَا لَهُ"، والحديث حسنه حمزة أحمد الزين.
أما لماذا كان أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتداوي في الأحاديث على وجه الندب وليس الوجوب، فلأنه لم ترد في الأحاديث قرينة تدل على الجزم في الأمر وأنه للوجوب، ومجرد الأمر بالتداوي في الأحاديث لا يفيد الوجوب إلا بقرينة، وهو هنا لا يفيد إلا الندب لأن هذه الأحاديث ليست إلا مجرد إخبار بأن لكل داء دواء، وإرشاد إلى التماس الدواء لتحصيل الشفاء. كما أنه وردت أحاديث أخرى دلت على جواز ترك التداوي، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ"، قَالُوا: "وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟"، قَالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): "هُمْ الَّذِينَ لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، رواه مسلم. وترك الرقية والكي هو ترك للتداوي، لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ شِفَاءٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ"، رواه البخاري. ومع ذلك أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنهم يدخلون الجنة بغير حساب، لتركهم الأمر لربهم وتوكلهم عليه في كل أمورهم.
وفي حديث آخر عند البخاري أن ابن عباس (رضي الله عنه) قال لعطاء بن أبي رباح: "أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟"، قالَ عطاءٌ: "بَلَى"، قَالَ (رضي الله عنه): "هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ (صلى الله عليه وآله وسلم): إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ. فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا". ويدل تخيير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للمرأة بين الصبر على الصرع مقابل الجنة، وأن يدعو الله لها أن يعافيها من الصرع، على جواز ترك التداوي. ولشدة حثه (صلى الله عليه وآله وسلم) على التداوي كان الأمر بالتداوي في الأحاديث السابقة مفيدا للندب وليس مجرد الإباحة.
هذا بالنسبة للتداوي وطلب العلاج، وفي الحلقة القادمة سوف نتحدث بفرضية توفير الدولة العلاج للرعية.
جمع وإعداد: راضية عبد الله