- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة السادسة والعشرون
ننتقل في هذه الحلقة إلى جانب آخر من الرعاية الصحية، وهو:
نظام الصحة الإداري:
يقوم على البساطة والإسراع في تقديم الخدمة الصحية والعلاج، كما يقوم على الكفاية فيمن يتولون الإدارة. وقد أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإحسان في كل شيء ومنها إنجاز الأعمال، وللوصول إلى هذا الإحسان في قضاء المصالح، لا بد أن تتوفر في كل إدارة: البساطة في النظام لأنها تؤدي إلى السهولة واليسر، والإسراع في إنجاز المعاملات لأنه يؤدي إلى التسهيل على صاحب المصلحة. والقدرة والكفاية فيمن يسند إليه العمل.
هذا بشكل عام أما بالنسبة للنظام الإداري للرعاية الصحية في الدولة الإسلامية بشكل خاص، فالسرعة والبساطة والبعد عن التعقيد في المعاملات الإدارية أولى وأهم، إذ إن المرض حاجة ملحة قد يؤدي تأخير علاجه إلى تفاقمه وزيادة الضرر الناتج عنه، ولأن المريض لا تطيق نفسه المماطلة والانتظار وتعقيدات المعاملات، يجب توحيد كافة الخدمات والمنشآت الصحية في الدولة الإسلامية في جهاز واحد، على رأسه مدير عام مصلحة الصحة، ويليه في السلم الإداري مدراء الدوائر المقسمة حسب الولايات، ثم مدراء الإدارات المقسمة حسب العمالات، بحيث تتولى مصلحة الصحة شؤون المصلحة ذاتها وما يتبعها من دوائر وإدارات فرعية، وتتولى الدائرة شؤون الدائرة نفسها وما يتبعها من إدارات متفرعة عنها في عمالات الولاية. ويكون أطباء العائلة وممرضات المدارس ومراكز رعاية الأم والطفل والمراكز الصحية والمستشفيات والصيدليات وكل مرافق وعمال الصحة الآخرين مسؤولين أمام مدير الإدارة في العمالة التي يتبعون لها.
وحتى يتمكن جميع الرعايا من الحصول على الخدمة الصحية اللازمة، يكون في كل عمالة عدد من المراكز الصحية التي تحوي أطباء عائلة وممرضات وصيدلية وطاقم طوارئ وسيارات إسعاف، حسب عدد سكان العمالة وبعد المناطق السكنية عن بعضها، بحيث لا يكون لكل طبيب عائلة عدد كبير من المرضى يعجز معه عن تقديم الخدمة الصحية لهم بسرعة وبإحسان، وإذا كان سكن أحد المرضى معزولا وبعيدا عن أقرب تجمع سكني، وضعت تحت تصرف أقرب مركز صحي إليه وسائل نقل تضمن نقل المريض في أي وقت إلى المركز لتلقي الخدمة الطبية أو نقل الدواء إليه.
ومن أراد أي خدمة صحية غير طارئة يتوجه إلى طبيب العائلة، وإن لم تكن في مجال تخصصه وعلمه، أحال المريض إلى مختص آخر أو إلى المستشفى بحسب المشكلة الصحية وبدون تأخير.
أما من كان لديه مشكلة صحية مزمنة كالسكري أو ضغط الدم أو مرض القلب أو المفاصل أو غير ذلك، يقوم بزيارات دورية ومتابعة المرض والعلاج عند طبيب مختص في هذا المرض المزمن، وعلى طبيب العائلة أن يتابع المريض أيضا عن طريق الإطلاع على تقريرات الطبيب المختص الدورية.
وفي الحالات الطارئة يطلب الإسعاف، فيقوم أقرب طاقم إسعاف بتقديم العلاج الأولي له ثم نقله إلى المستشفى فورا إن لزم الأمر.
وعلى الدولة أن تنشئ في كل عمالة مستشفى واحدا على الأقل، يحوي التخصصات الأساسية كالباطنية والجراحة والأطفال وما إلى ذلك، ويحوي أيضا قسما للطوارئ. وأن تهتم الدولة بأن يكون في كل ولاية مستشفى واحدا على الأقل يحوي بالإضافة إلى التخصصات الأساسية تخصصات فرعية وأقساما للأمراض النادرة، وتتحدد هذه الأقسام حسب الأمراض الموجودة في تلك الولاية، إذ قد توجد أمراض في مناطق الشرق الأقصى ولا تعرف في أفريقيا.
وعلى مصلحة الصحة في الدولة الإسلامية أن تنشئ لكل فرد من أفراد الرعية سجل معلومات إلكترونيا يحوي كل التفاصيل الصحية المتعلقة به، والمشاكل الصحية التي عانى منها والخدمات أو الأدوية التي تلقاها، وتستقى هذه المعلومات من مراكز رعاية الأم والطفل وممرضات المدارس والمستشفيات وأطباء العائلة وكل جهاز إداري صحي آخر في الدولة، بحيث تدون في سجل إلكتروني واحد. ليسهل على كل من يريد تقديم خدمة صحية لهذا المريض الاطلاع على ماضيه الصحي ليسهل عليه تشخيص المشاكل الصحية ووصف العلاج الملائم.
ولأن الطبيب مستشار، و«المستشار مؤتمن» ولأن المريض يخص الطبيب بحديثه وجب أن تكون هذه المعلومات عن المريض سرية لا يطلع عليها إلا المريض نفسه أو من أذن له المريض بذلك، فحديث المريض للطبيب أمانة والتحدث بأسرار المريض من الغيبة.
وتستثنى من وجوب الكتمان، المعلومات الصحية التي قد يسبب كتمانها ضررا على الجماعة، كإخفاء مرض معد أو عدم التبليغ عن مريض يسبب عمله خطرا على الجماعة، كسائق طائرة أو شاحنة مصاب بالصرع، وهذا من باب منع الضرر وإزالته الذي هو واجب شرعا. والاستثناء هنا محصور بتبليغ الجهات التي تعالج هذا الضرر المحتمل وتمنعه، لا بتبليغ أي شخص آخر.
جمع وإعداد: راضية عبد الله