- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة العشرون
بسم الله الرحمن الرحيم
ولنأت الآن إلى الإجابات العقلية لأسئلة العقدة الكبرى.
فجواب من أين جئت؟ هو أنه لا بد لهذا الكون وما فيه من خالق خلقه من العدم، وأن هذا الخالق قادر وقوي ومستغنٍ عما سواه، وهو الذي يدبر أمر هذا الكون، وهو الذي خلق الإنسان، واستخلفه في هذا الكون.
ولماذا؟ ليسير الإنسان في حياته في هذا الكون بحسب نظام الله تعالى، ملتزماً أوامره، ومجتنباً نواهيه، ليحقق رضوانه.
وإلى أين؟ إلى اليوم الآخر، يوم انتهاء الحياة في هذا الكون، ثم البعث والنشور، ثم الحساب على الأوامر والنواهي، ثم الجنة أو النار.
هذا الحل الصحيح يشكل الأساس الفكري لنهضة الإنسان، فعليه تُبنى أفكاره ومفاهيمه، ومنه تنبثق أحكامُ أعماله وسلوكاته, وبه تتشكل عقليته، وتصاغ نفسيته، وتوجد الشخصية المتميزة، فتتحقق النهضة التي هي الارتفاع الفكري.
فالمفهوم الأول وهو الأكبر، وهو الأساس لكل مفهوم ولكل فكر ولكل سلوك، هو وجود الخالق سبحانه، وهو الحقيقة المطلقة التي توجِدُ اليقين عند الإنسان، ويُقرُّ ما في فطرة الإنسان (في غريزة التدين) من إحساس بالعجر والنقص والضعف والمحدودية والاحتياج، فيطمئن الإنسان أنه ليس وحده في هذا الكون، وأنه لم يوجد فيه عبثاً، وأن هناك غايةً عظيمةً لوجوده يبحث عنها ليحققها ويعيش من أجلها، فيبدأ بإيجاد الصلة بينه وبين الخالق الذي خلقه سبحانه، ليعرف منه ماذا يريد منه؟ ولماذا خلقه؟ ولمَّا لم يكن من سبيل أن يصل هو إلى الخالق ليعرف من هو وماذا يريد منه، فينتظر منه رسولاً يجيبه عن بقية تساؤلاته.
فيجد القرآن الكريم، الذي يقول عن نفسه إنه كلام الله، وإنه من الله إلى عباده، ويجد هذا القرآن يتحدّى البشر أن يأتوا بمثله، دليلاً وإثباتاً أنه من عند الله سبحانه وتعالى، فيفكر فيه ويتدبره ليجد فعلاً أنه ليس كلام بشر ولا ككلام البشر، فيوقن حقاً أنه من عند الله خالق هذا الكون.
ولكن كيف وصلنا كلام الله تعالى، فنجد أنه جاء به رجلٌ يقول إنه رسول الله إلينا، أوحى الله سبحانه وتعالى إليه كلامه في كتاب مكتوب، وقرآن يُتلى، وبما إن القرآن هو كلام الله ولا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، فهو معجزٌ، وهو معجزةٌ لمن أتى به، ودليل على صدق رسالة الرسول الذي قال إنه رسول الله إلينا، فنؤمن أن محمداً صلى الله عليه وسلم، هو رسول الله إلينا، يبلغنا شريعة الله سبحانه ونظامه، أوامره ونواهيه التي أراد منا أن نسير بحسبها في هذه الحياة الدنيا، نلتزم الأوامر ونفعلها، ونترك النواهي ونتجنبها، وما النتيجة من ذلك؟ إنها رضوان الله سبحانه وتعالى – الذي يصبح الغاية الكبرى لنا في هذه الحياة الدنيا. وتصبح هذه الأوامر والنواهي صلتنا بما قبل الحياة الدنيا وهو الله سبحانه، ثم إن هذه الأوامر والنواهي هي محل الحساب في اليوم الآخر بعد الموت وبعد البعث، ومن يسير بحسبها في هذه الحياة الدنيا ويحقق رضوان الله تعالى يفوز بالجنة، ومن لا يفعل يعاقب بالنار، وتصبح هذه الأوامر والنواهي هي صلتنا أيضاً بما بعد الحياة الدنيا.
وهنا توجد الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة، وعن صلتها جميعاً بما قبلها، وعن صلتها جميعها بما بعدها، وتصبح هذه الفكرة الكلية هي الأساس الفكري، أي القاعدة الفكرية، يبنى عليها كل فكر وكل مفهوم، وتصبح أيضاً قيادة فكرية فينبثق عنها كل حكم متعلق بأفعال الإنسان.
وبهذه الفكرة الكلية وبجعلها أساساً للفكر تتشكل العقلية وتُصاغ صياغة خاصة، وبجعلها أساساً لمفاهيم النفسية تتشكل النفسية وتصاغ صياغة خاصة، وتتشكل كل من العقلية والنفسية بأساس فكري واحد، ينتج شخصية تتميز بميزة تلك الفكرة الكلية.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد - الأردن