الثلاثاء، 03 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
ميزان الفكر والنفس والسلوك - الحلقة الرابعة والثلاثون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الميزان

 

ميزان الفكر والنفس والسلوك

 

الحلقة الرابعة والثلاثون

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ثالثاً: مقياس الحسن والقبح {الحلال والحرام}

 

 

مقياس الحسن والقبح يعني تحديد صاحب الحق في أصدار الحكم على الأشياء والأعمال بالحسن أو بالقبح، ويعني الأخذ والترك.

 

وكما ذكرنا عن قصور مصدر الحكم عند الإنسان المجرد من نظام الله عن إصدار الحكم الصحيح على الأشياء والأعمال بالحسن والقبح، فنؤكد أن كلا مصدري الحكم عند الإنسان المجرد من نظام الله قاصران عن إصدار هذا الحكم، فالمصدر الأول الذي هو دوافع الحاجات العضوية والغرائز والمشاعر، لا يصلح لأنه مجرد دافع للسلوك، وليس فيه مقياس يحدد للإنسان أي المشبعات يختار، فلا يصلح للحكم بالحسن والقبح.

 

والمصدر الثاني الذي هو العقل، غير صالح للحكم على الأشياء، والأعمال بالحسن والقبح، أو الأخذ والترك، ذلك أنه يتصف بصفات:

 

-        الاختلاف في الأحكام: بين الأشخاص على الشيء الواحد، بل عند الشخص الواحد باختلاف الزمان أو المكان أو المؤثرات.

 

-       التفاوت في الأحكام: بين الأشخاص على الشيء الواحد، بل عند الشخص الواحد باختلاف الزمان أو المكان أو المؤثرات.

 

-       التناقض في الأحكام الصادرة من عقول الناس، بل الصادرة من العقل الواحد على الشيء الواحد باختلاف الزمن والعمر والخبرة والبيئة.

 

-       التأثر بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان، ويلاحظ هذا كل من عاش في بيئة فترة من الزمن ثم انتقل إلى بيئة أخرى، فإنه سيتأثر بها تأثراً غير واعٍ.

 

هذه صفات أربع يتصف بها العقل البشري، وكل إنسان يلاحظ على نفسه ذلك، ولو نظر كل منا إلى أحكامه التي يصدرها على الوقائع المختلفة اليوم، ويقارنها بأحكامه على الوقائع نفسها قبل عشر سنوات لوجد العجب العجاب في ذلك، وازداد إدراكاً لمحدودية عقله.

 

والمشاهد المحسوس على الإنسان أيضاً أنه كلما امتد به العمر وازدادت معلوماته السابقة واكتسب خبرات أكثر وجد أن أحكامه اختلفت عما قبل، فيحسّ أنها صارت أقوى من ذي قبل، وصارت أكثر دقة، وهكذا، وهذا يعني استحالة وصول الإنسان إلى إصدار أحكام مطلقة على أي واقع من جهة الحسن والقبح، وهذا العجز واضح بيّن في الإنسان.

 

أضف إلى هذا أن الحكم على الأشياء والأعمال إنما يكون من جهة الثواب والعقاب، لتعلق أعمال الإنسان بما قبل الحياة الدنيا وبما بعدها، وهذه وحدها كافية للحكم على قصور عقل الإنسان عن إدراك ما قبل الحياة وما بعدها؛ وحده بدون معرفة نظام الله تعالى، وعليه فإن الإنسان بحاجة إلى مقياس للحكم على الأشياء والأعمال بالحسن والقبح، والأخذ والترك من خالقه، خالق الكون والإنسان والحياة، فهو العليم بما قبل وبما بعد، وهو العليم بما خلق، وهو العليم بالإنسان وما يصلح له.

 

وعليه، فإن المقياس الصحيح للأشياء والأعمال أخذاً وتركاً وحسناً وقبحاً إنما يأتي حصراً من الله سبحانه، وهو ميزان الحلال والحرام، ويتضمن هذا المقياس ميزانين، ميزاناً للأشياء، وميزاناً للأعمال.

 

أما ميزان الأشياء فهو أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، وهذا الميزان مستنبط من عمومات الأدلة التي دلت على تسخير هذا الكون وما فيه للإنسان، وذكر التسخير في معرِض المَنِّ بالإنعام يقتضي إباحة الانتفاع بكل الأشياء في هذا الكون، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ورد فيه نص شرعي يحرمه ويحرم الانتفاع منه، وعليه فإن ميزان الأشياء إما حلال وإما حرام، قال سبحانه: (قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ)، سورة يونس، 59.

 

أما ميزان الأفعال فهو أن الأصل في الأفعال التقيدُ بالحكم الشرعي، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)، سورة الأحزاب-36،  إضافة إلى أدلة الطاعة، التي أمرت بطاعة الله ورسوله، وأدلة تحكيم الله ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، سورة النساء- 59. (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ)، سورة البقرة- 213. (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ)، سورة النساء- 105.

 

تعريف الحكم الشرعي: خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع .

 

وقد استنبط الفقهاء أنواع الحكم الشرعي، خمسة، فلا يخلو عمل من أعمال الإنسان من واحد من هذه الخمسة:

 

-       الفرض أو الواجب: وهو ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه.

-       المندوب: وهو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.

-       الحرام: وهو ما يعاقب فاعله.

-       المكروه: وهو من يثاب تاركه، ولا يعاقب فاعله.

-       المباح: وهو التخيير بين الفعل والترك.

 

فأعمال الإنسان يجب أن تضبط بهذا الميزان، ما كان منها متعلقاً بشيء ينظر في حكم هذا الشيء إن كان حلالاً أو حراماً، وإن لم يتعلق بشيء أخذ واحداً من الأحكام الخمسة، أخذاً أو تركاً أو تخييراً.

 

 

كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد - الأردن

 

آخر تعديل علىالثلاثاء, 08 تشرين الأول/أكتوبر 2024

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع