- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح114) الأدلة المعتبرة للأحكام الشرعية - القرآن والسنة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "مَشرُوعُ الدُّستُورِ - نِظَامُ الحُكْمِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالتِّسعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 12: الكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالقِيَاسُ هِيَ وَحْدَهَا الأَدِلَّةُ الـمُعتَبَرَةُ لِلأَحكَامِ الشَّرعِيَّةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ حَتَّى يَدرُسَهُ الـمُسلِمُونَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ لإِقَامَتِهَا, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيهِمْ, وَهَذِهِ هي الـمَادَّةَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ, وَإِلَيكُمْ أَدِلَّتَهَا مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
1- لَيسَ مَعْنَى هَذِهِ الـمَادَّةِ أَنَّ الدَّولَةَ تَتَبَنَّى طَرِيقَةً فِي الاجتِهَادِ، بَلْ مَعنَاهَا أَنَّ الدَّولَةَ تَتَبَنَّى طَرِيقَةً فِي تَبَنِّي الأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ تَبَنِّيَ الأَحْكَامِ، مِنهُ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيهَا، وَمِنهُ مَا هُوَ جَائِزٌ لَهَا. وَهَذَا التَّبَنِّيْ إِذَا حَصَلَ عَلَى طَرِيقَتَينِ مُتَنَاقِضَتَينِ, فَإِنَّهُ يُوجِدُ تَنَاقُضاً فِي الأُسُسِ الَّتِي جَرَى عَلَيهَا التَّبَنِّي، وَمِنْ هُنَا تَتَبَنَّى الدَّولَةُ طَرِيقَةً مُعَيَّنَةً فِي تَبَنِّي الأَحْكَامِ. وَالَّذِي حَمَلَ عَلَى تَبَنِّي هَذِهِ الطَّرِيقَةَ لِتَبَنِّي الأَحْكَامِ ثَلاثَةُ أَسْبَابٍ:
أحدُها: أَنَّ الحُكْمَ الَّذِي يَجِـبُ أَنْ يَسِـيرَ عَلَيهِ الـمُسلِمُ هُوَ حُكْمٌ شَرعِيٌّ، وَلَيسَ حُكْماً عَقلِيّاً، أَيْ هُوَ حُكْمُ اللهِ فِي الـمَسأَلَةِ، وَلَيسَ الحُكْمَ الَّذِي وَضَـعَـهُ البَشَـرُ. وَلِذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُـونَ الدَّلِيلُ الَّذِي اسـُتنْبِطَ مِنهُ هَذَا الحُكْمُ قَدْ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ.
ثانيها: إِثْبَاتُ أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي استُنْبِطَ مِنهُ الحُكْمُ قَدَ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إِثبَاتاً مَقطُوعاً بِهِ، أَي لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدَّلِيلَ الَّذِي استُنبِطَ مِنهُ الحُكْمُ قَدْ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ دَلِيلاً قَطْعِياً، لَا دَلِيلاً ظنياً؛ لِأَنَّهُ مِنَ الأُصُولِ وَلَيسَ مِنَ الفُرُوعِ، فَلَا يَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ. فَهُوَ مِنْ بَابِ العَقَائِدِ, وَلَيسَ مِنْ بَابِ الأَحْكَام الشَّرعِيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّ الـمَطلُوبَ لِاستِنبَاطِ الحُكْمِ مِنهُ هُوَ دَلِيلٌ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ، وَلَيسَ مُطْلَقَ دَلِيلٍ. فَلَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ، وَإِثبَاتُ أَنَّهُ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ مِنَ العَقِيدَةِ وَلَيسَ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ. وَمِنْ هُنَا كَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلاً قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الوَحْيَ جَاءَ بِهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ؛ لِأَنَّ العَقَائِدَ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا عَنْ يَقِينٍ.
ثالثُها: إِنَّ مِنَ الـمَقْطُوعِ بِهِ هُوَ أَنَّ سُلُوكَ الإِنَسَانِ فِي الحَيَاةِ حَسَبَ مَفَاهِيمِهِ عَنْهَا، وَوُجْهَةِ النَّظَرِ فِي الحَيَاةِ مَعَ كَونِ أَسَاسِهَا هُوَ العَقِيدَةَ فَهِيَ تَتَكَوَّنُ مِنْ مَجمُوعَةِ الـمَفَاهِيمِ وَالمقَايِيسِ وَالقَنَاعَاتِ الَّتِي فِي الأُمَّةِ، وَهَذِهِ الأَفكَارُ الَّتِي تَتَمَثَّلُ فِي مَجمُوعَةٍ مِنَ الـمَفَاهِيمِ وَالـمَقَايِيسِ وَالقَنَاعَاتِ لَيسَتْ كُلُّهَا مِنَ العَقَائِدِ، بَلْ مِنهَا مَا هُوَ مِنَ العَقَائِدِ، وَمِنهَا مَا هُوَ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ.
2- وَلـمَّا كَانَتِ الأَحكَامُ إِنَّما تُستَنبَطُ بِنَاءً عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، فَإِنَّهُ يُخشَى، إِنْ لَـمْ يُتَأَكَّدْ مِنْ أَنَّ أَصْلَ الأَحكَامِ قَد جَاءَ بِهِ الوَحْيُ، أَنْ تَتَوَلَّدَ لَدَى الأُمَّةِ أَفكَارٌ غَيرُ إِسلَامِيَّةٍ، بِوُجُودِ أَحكَامٍ مُستَنبَطَةٍ مِنْ أَصْلٍ لَـمْ يَأْتِ بِهِ الوَحْيُ، وَهَذَا إِذَا تَكَاثَرَ وَامتَدَّ بِهِ الزَّمَنُ يُؤَثِّرُ فِي وُجْهَةِ نَظَرِ الأُمَّةِ فِي الحَيَاةِ، وَبِالتَّالِي يُؤَثِّرُ فِي سُلُوكِهَا؛ وَلِذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُتَأَكَّدَ مِنْ أَنَّ الأَدِلَّةَ الَّتِي قَدِ استُنبِطَ مِنهَا الحُكْمُ الَّذِي يُرَادُ تَطبِيقُهُ مِنْ قِبَلِ الدَّولَةِ هِيَ أَدِلَّةٌ قَدْ جَاءَ بِهَا الوَحْيُ.
3- لِهَذِهِ الأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَبَنِّي طَرِيقَةٍ تُتَبَنَّى بِحَسَبِهَا الأَحْكَامُ الشَّرعِيَّةُ. وَأَمَّا أَنَّ هَذِهِ الأَدِلَّةَ الشَّرعِيَّةَ هِيَ هَذِهِ الأَرْبَعَةُ فَحَسْبُ فَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالاستِقْرَاءِ. فَإِنَّنَا استَقْرينَا الأَدِلَّةَ الشَّرعِيَّةَ الَّتِي ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ القَطْعِيِّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِهَا الوَحْيُ فَلَمْ نَجِدْ غَيرَ هَذِهِ الأَدِلَّةَ الأَربَعَةَ مُطْلَقاً.
4- أَمَّا القُرآنُ، فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ مِنْ عِندِ اللهِ لَفْظاَ وَمَعْنَىً دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، فَإِنَّ إِعْجَازَ القُرآنِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ عَلَى أَنَّهُ كَلَامُ اللهِ وَلَيسَ كَلَامَ البَشَرِ، فَالدَّلِيلُ القَطْعِيُّ قَائِمٌ عَلَى أَنَّهُ كَلَامُ اللهُ، وَالقُرآنُ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللهِ قَطْعاً بِدَلِيلِ الإِعْجَازِ يَقُولُ إِنَّ الوَحْيَ قَدْ نَزَلَ بِهِ عَلَى رُسُولِ اللهِ r قَالَ تَعَالَى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الـمُنذِرِينَ). (الشعراء 194) وَقَالَ: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القُرءَانُ). (الأنعام 19) وَقَالَ: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالوَحْيِ). (الأنبياء 45) وَقَالَ: (طَهَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيكَ القُرءَانَ لِتَشْقَى). (طه 2) وَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَتُلَّقَى القرآنَ). (النمل 6) وَقَالَ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القُرْءانَ تنزيلا). (الإنسان 23) وَقَالَ: (وكذلكَ أوْحَينَا إِلَيكَ قُرءَانًا عَرَبِيًّا). (الشورى 7) فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَلَى أَنَّ القُرآنَ جَاءَ بِهِ الوَحْيُ مِنْ عِندِ اللهِ.
5- وَأمَّا السُّنَّةُ، فَالدَّلِيلُ القَطْعِيُّ عَلَى أَنَّ الوَحْيَ جَاءَ بِهَا مِنْ عِندِ اللهِ مَعْنَى, وَالرَّسُولُ r عَبَّرَ عَنهَا بِأَلفَاظٍ مِنْ عِندِهِ هُوَ مَا جَاءَ صَرِيحاً فِي آيَاتِ القُرآنِ الكَرِيمِ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى). (النجم 3،4) وَقَالَ: (إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوحَينَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعدِهِ). (النساء 163)
6- وَقَالَ: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ). (الأنعام 50) وَقَالَ: (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ). (الأعراف 203) وَقَالَ: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُمْ بِالوَحْيِ). (الأنبياء 45) وَقَالَ: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنهُ فَانتَهُوا). (الحشر 7)
7- هَذِهِ أَدِلَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ مَا نَطَقَ بِهِ الرَّسُولُ r مِنَ السُّنَّةِ إِنَّما جَاءَ بِهِ الوَحْي، وَأَدِلَّةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ اللهَ أَمَرَنَا بِصَرِيحِ القُرآنِ أَنْ نَأتَمِرَ بِمَا أَمَرَنَا بِهِ r، وَأَنْ نَنتَهِيَ عَمَّا نَهَانَا عَنهُ، وَهَذَا عَامٌّ. فَالدَّلِيلُ عَلَى كَونِ السُّنَّةِ قَدْ جَاءَ بِهَا الوَحْيُ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِنَصِّ القُرآنِ القَطْعِيِّ الثُّبُوتِ القَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.