- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح142) الحَلْقَةُ الثَّانِيَةُ وَالأَربَعونَ بَعدَ المِائَةِ
حَصْرُ المُرَشَّحِيْنَ لِلْخِلافَةِ
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالأَربَعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا: "حَصْرُ الـمُرَشَّحِينَ لِلخِلَافَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ الثَّامِنَةِ وَالتِّسعِينَ وَالتَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "طريقة نصب الخليفة هي البيعة".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذِهِ هِيَ تَتِمَّةُ الـمَادَّةِ الرَّابِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
وَبِالتَّدقِيقِ فِي كَيفِيَّةِ مُبَايَعَتِهِمْ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ، يَتَبَيَّنُ أَنَّ الـمُرَشَّحِينَ لِلخِـلَافَةِ كَانُوا يُعلَنُونَ لِلنَّاسِ، وَأَنَّ شُرُوطَ الانعِقَادِ تَتَوافَرُ فِي كُلٍّ مِنهُمْ، ثُمَّ يُؤخَذُ رَأْيُ أَهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ مِنَ الـمُسلِمِينَ، الـمُمَثِّلِينَ لِلأُمَّةِ، وَكَانَ الـمُمَثِّلُونَ مَعرُوفِينَ فِي عَصْرِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، حَيثُ هُمْ كَانُوا الصَّحَابَةَ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ، أَوْ أَهْلَ الـمَدِينَةِ. وَمَنْ كَانَ الصَّحَابَةُ أَو أَكثَرِيَّتُهُمْ يُرِيدُونَهُ بُويِعَ بَيعَةَ الانعِقَادِ، وَأَصْبَحَ الخَلِيفَةَ، وَوَجَبَتْ لَهُ الطَّاعَةُ، فَيُبَايِعُهُ الـمُسلِمُونَ بَيعَةَ الطَّاعَةِ. وَهَكَذَا يُوجَدُ الخَلِيفَةُ، وَيُصبِحُ نَائِباً عَنِ الأُمَّةِ فِي الحُكْمِ وَالسُّلطَانِ.
أَمَّا حَصْرُ الـمُرَشَّحِينَ، فَمِنْ تَتَبُّعِ كَيفِيَّةِ تَنصِيبِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، يَتَبَيَّنُ أَنَّ هُنَاكَ حَصْراً لِلمُرَشَّحِينَ كَانَ يَتِمُّ، فَفِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ كَانَ الـمُرَشَّحُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَبَا عُبَيدَةَ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَاكْتُفِيَ بِهِمْ، لَكِنَّ عُمَرَ وَأَبَا عُبَيدَةَ لَم يَكُونَا يَعْدِلَانِ بِأَبِي بَكْرٍ, فَلَمْ يُنَافِسَاهُ عَلَيهَا، وَأَصْبَحَ التَّرشِيحُ عَمَلِيّاً بَينَ أَبِي بَكْرٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، ثُمَّ انتَخَبَ أَهْلُ الحَلِّ وَالعَقْدِ فِي السَّقِيفَةِ أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَةً وَبَايَعُوهُ بَيعَةَ الانعِقَادِ، ثُمَّ فِي اليَومِ التَّالِي بَايَعَ الـمُسلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ فِي الـمَسجِدِ بَيعَةَ الطَّاعَةِ.
وَرَشَّحَ أَبُو بَكْرٍ لِلمُسلِمِينَ عُمَرَ خَلِيفَةً, وَلَم يَكُنْ مَعَهُ مُرَشَّحٌ آخَرُ، ثُمَّ بَايَعَهُ الـمُسلِمُونَ بَيعَةَ الانعِقَادِ, ثُمَّ بَيعَةَ الطَّاعَةِ.
وَرَشَّـحَ عُـمَـُر لِلمُسلِمِينَ سِتَّةً, وَحَصَرَهَا فِيهِمْ يَنتَخِبُونَ مِنْ بَينِهِمْ خَلِيفَةً، ثُمَّ نَاقَشَ عَبْدُ الرَّحْمَن ِبْنُ عَوفٍ الخَمْسَةَ البَاقِينَ, وَحَصَرَهُمْ فِي اثنَينِ: عَلِيٍّ وَعُـثـمَـانَ، بَعْدَ أَنْ وَكَّلَهُ البَاقُونَ. وَبَعْدَ ذَلِكَ استَطْلَعَ رَأْيَ النَّاسِ وَاستَقَرَّ الرَّأْيُ عَلَى عُثْمَانَ خَلِيفَةً.
وَأَمَّا عَلِيُّ t فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مُرَشَّحٌ آخَرُ لِلخِـلَافَةِ فَبَايَعَتْهُ جَمْهَرَةُ الـمُسلِمِينَ فِي الـمَدِينَةِ وَالكُوفَةِ, وَصَارَ الخَلِيفَةَ الرَّابِعَ. وَلِأَنَّ بَيعَةَ عُثْمَانَ t قَدْ تَحَقَّقَ فِيهَا: أَقْصَى الـمُدَّةِ الـمَسمُوحِ بِهَا لِانتِخَابِ الخَلِيفَةِ أَيْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا، وَكَذَلِكَ حَصْرُ الـمُرَشَّحِينَ بِسِتَّةٍ، ثُمَّ مِنْ بَعْـدُ بِاثنَينِ، فَإِنَّنَا سَـَنذْكُـرُ كَيفِيَّةَ حُدُوثِهَا بِشَيءٍ مِنَ التَّفصِيلِ لِفَائِدَتِهَا فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ:
1 - تُوُفِّيَ عُمَرُ t يَومَ الأَحَدِ صَبَاحاً مُستَهَلِّ الـمُحَرَّمِ سَنَةَ أَربَعٍ وَعِشرِينَ هِجْرِيَّةً عَلَى أَثَرِ طَعْنَهٍ مِنْ أَبِي لُؤلُؤَةَ - لَعَنَهُ اللهُ - حَيثُ كَانَ عُمَرُ t قَائِماً يُصَلِّي فِي الـمِحْرَابِ فَجْرَ الأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشرِينَ. وَقَدْ صَلَّى عَلَيهِ صُهَيبٌ t وَفْقَ مَا أَوْصَى بِهِ عُمَرُ t.
2 - فَلَمَّا فُـِرغَ مِنْ شَأْن عُمَرَ، جَمَعَ الـمِقْدَادُ أَهْلَ الشُّورَى السِّتَّةَ الَّذِينَ أَوْصَى لَـهُمْ عُـمَـرُ فِي أَحَـدِ البُيُوتِ، وَقَـامَ أَبُو طَلْـحَـةَ بِحَجْبِهِمْ، فَجَـلَسُـوا يَتَشَـاوَرُونَ، ثُمَّ وَكَّلُوا عَبدَ الرَّحْمَنِ بْـنَ عَـوفٍ أَنْ يَختَارَ مِنهُمْ خَلِيفَةً وَهُمْ رَاضُونَ.
3 - بَدَأَ عَبدُ الرَّحمَنِ نِقَاشَهُمْ وَسُؤَالَ كُلٍّ مِنهُمْ: إِنْ لَم يَكُنْ هُوَ الخَلِيفَةَ فَمَنْ يَرَى الخَلِيفَةَ مِنَ البَاقِينَ؟ وَكَانَ جَوَابُهُمْ لَا يَعْدُو عَلِيّاً وَعُثمَانَ. وَبِالتَّالِي حَصَرَ عَبدُ الرَّحْمَنِ الأَمْرَ بِاثنَينِ مِنْ سِتَّةٍ.
4 - بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ عَبدُ الرَّحمَنِ يَستَشِيرُ النَّاسَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ.
5 - فِي لَيلَةِ الأَرْبِعَاءَ أَيْ لَيلَةِ اليَومِ الثَّالِثِ بَعْدَ يَومِ وَفَاةِ عُمَرَ t يَومَ الأَحَدِ، ذَهَبَ عَبدُ الرَّحمَنِ إِلَى دَارِ ابْنِ أُختِهِ الـمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَهُنَا أَنقُلُ مِنْ كِتَابِ "البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ" لابْنِ كَثِيرٍ:
"فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيلَةُ الَّتِي يُسـفِـرُ صَبَاحُهَا عَنِ اليَومِ الرَّابِعِ مِنْ مَوتِ عُمَرَ، جَـاءَ - أَي عَبدُ الرَّحمَنِ بْنُ عَـوفٍ - إِلَى مَنزِلِ ابْنِ أُختِهِ الِمسْـوَرِ بْنِ مَخرَمَةَ فَقَالَ: أَنَائِمٌ يَا مِسْـوَرُ؟ وَاللهِ لَم أغْتَمِضْ بِكَثِيرِ نَـومٍ مُنذُ ثَلَاثٍ...". أَيْ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ بَعْدَ وَفَـاةِ عُمَرَ الأَحَـدَ صَبَاحاً، أَيْ لَيلَةَ الاثنَينِ، وَلَيلَةَ الثُّلَاثَاءِ، وَلَيلَةَ الأَربِعَاءَ، إِلَى أَنْ قَالَ: "اذهَبْ فَادْعُ إِليَّ عَلِيّاً وَعُثْمَانَ ... ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا إِلَى الـمَسجِدِ ... وَنُودِيَ فِي النَّاسِ عَامَّةً: الصَّلَاةَ جَامِعَة ...". وَكَاَنَ ذَلِكَ فَجْرَ الأَربِعَاءِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ، رضي الله عنه وَكَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، وَسَأَلَهُ عَنِ الـمُبَايَعَةِ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَجَابَهُ عَلِيُّ t الجَوَابَ الـمَعرُوفَ: عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ نَعَمْ، أَمَّا فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ, فَإِنَّهُ يَجتَهِدُ رَأْيَهُ، فَأَرسَـلَ يَدَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عُثْمَانَ, وَسَأَلَهُ السُّؤَالَ نَفْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، وَتَمَّتِ البَيعَةُ لِعُثْمَانَ t.
وَصَلَّى صُهَيبٌ بِالنَّاسِ الصُّبْحَ, وَصَلَّى الظُّهْرَ مِنْ ذَلِكَ اليَومِ، ثُمَّ صَلَّى عُثمَانُ t بِالنَّاسِ العَصْرَ خَلِيفَةً لِلمُسلِمِينَ. أَيْ أَنَّهُ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ بَدءِ بَيعَةِ الانعِقَادِ لِعُثْمَانَ t عِندَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، إِلَّا أَنَّ إِمْرَةَ صُهَيبٍ لَم تَنْتَهِ إِلَّا بَعْدَ بَيعَةِ أَهْلِ الحَلِّ وَالعَقْدِ فِي الـمَدِينَةِ لِعُثْمَانَ، وَقَدِ اكتَمَلَتْ قُبَيلَ العَصْرِ حَيثُ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَدَاعَونَ لِبَيعَةِ عُثمَانَ إِلَى مَا بَعْدَ مُنتَصَفِ ذَلِكَ النَّهَارِ وَقُبَيلَ العَصْرِ، وَقَدِ اكتَمَلَ الأَمْرُ قُبَيلَ العَصْرِ، فَانتَهَتْ إِمْرَةُ صُهَيبٍ, وَصَلَّى عُثمَانُ بِالنَّاسِ العَصْرَ خَلِيفَةً لَهُم.
وَيُفَسِّرُ صَاحِبُ البِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ لِـمَاذَا صَلَّى صُهَيبٌ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ عِلْمًا بِأَنَ أَمْرَ البَيعَةِ لِعْثْمَانَ قَدْ تَمَّ عِندَ الفَجْرِ فَيَقُولُ: "... بَايَعَهُ النَّاسُ فِي الـمَسجِدِ، ثُمَّ ذُهِبَ بِهِ إِلَى دَارِ الشُّورَى «أَيِ البَيتِ الَّذِي اجتَمَعَ فِيهِ أَهْلُ الشُّورَى» فَبَايَعَهُ بَقِيَّةُ النَّاسِ، وَكَأَنَّهُ لَم يُتِمَّ البَيعَةَ إِلَّا بَعْدَ الظُّهْرِ، وَصَلَّى صُهَيبٌ يَومَئِذٍ الظُّهْرَ فِي الـمَسجِدِ النَّبَوِيِّ، وَكَانَ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا الخَلِيفَةُ أَمِيرُ الـمُؤمِنِينَ عُثمَانُ بِالـمُسلِمِينَ هِيَ صَلَاةُ العَصْرِ ...".
وَعَلَيهِ فَإِنَّ الأُمُورَ الآتِيَةَ يَجِبُ أَنْ تُؤْخَذَ فِي الاعتِبَارِ عِندَ التَّرشِيحِ لِلخِـلَافَةِ بَعْدَ شُغُورِهَا (بِالوَفَاةِ أَوِ العَزْلِ ...) وَهِيَ:
1 - العَـمَـلُ فِي مَوضُوعِ التَّرشِيحِ يَكُونُ فِي اللَّيلِ وَالنَّهَارِ طِيلَةَ أَيَّامِ الـمُهْلَةِ.
2 - حَصْـرُ الـمُرَشـَّحِـينَ مِنْ حَيثُ تَوَافُرُ شُرُوطِ الانعِقَادِ، وَهَذِهِ تَقُومُ بِهَا مَحكَمَةُ الـمَظَالِـمِ.
3 - حَصْرُ الـمُرَشَّحِينَ الـمُؤَهَّلِينَ مَرَّتَينِ: الأُولَى بِسِتَّةٍ، وَالثَّانِيَة بِاثنَينِ، وَالَّذِي يَقُومُ بِهَاتَينِ هُوَ مَجلِسُ الأُمَّةِ بِاعتِبَارِهِ مُمَثِّلاً لِلأُمَّةِ؛ لِأَنَّ الأُمَّةَ فَوَّضَتْ عُمَرَ فَجَعَلَهَا سِتَّةً، وَالسِّتَّةُ فَوَّضُوا مِنْ بَينِهْمْ عَبدَ الرَّحمَنِ, فَجَعَلَهَا بَعْدَ النِّقَاشِ فِي اثنَينِ، وَمَرجِعُ كُلِّ هَذَا كَمَا هُوَ واَضِحٌ هِيَ الأُمَّةُ أَي مُمثِّلُوهَا.
4 - بَعْدَ إِتمَامِ الانتِخَابَاتِ وَالبَيعَةِ يُعلَنُ عَلَى الـمَلَأِ مَنْ أَصْبَحَ خَلِيفَةً لِلمُسلِمِينَ حَتَّى يَبلُغَ خَبَرُ نَصْبِهِ الأُمَّةَ كَافَّةً، مَعَ ذِكْرِ اسْمِهِ, وَكَونِهِ يَحُوزُ الصِّفَاتِ الَّتِي تَجعَلُهُ أَهْلاً لانعِقَادِ الخِلَافَةِ لَهُ.
5 - تَنتَهِي صَلَاحِيَّةُ الأَمِيرِ الـمُؤَقَّتِ بِاكتِمَالِ إِجرَاءَاتِ البَيعَةِ الَّتِي يُدِيرُهَا، وَتَنصِيبِ الخَلِيفَةِ، وَلَيسَ بِإِعلَانِ نَتِيجَةِ الانتِخَابِ، فَصُهَيبُ لَم تَنتَهِ إِمرَتُهُ بِانتِخَابِ عُثمَانَ بَلْ بِاكتِمَالِ بَيعَتِهِ.
هَذَا إِذَا كَانَ هُنَالِكَ خَلِيفَةٌ مَاتَ أَوْ عُزِلَ ... وَيُرَادُ إِيجَادُ خَلِيفَةٍ مَكَانَهُ. أَمَّا إِذَا لَـمْ يَكُنْ هُنَالِكَ خَلِيفَةٌ مُطْلَقاً، وَأَصْبَحَ فَرْضاً عَلَى الـمُسلِمِينَ أَنْ يُقيمُوا خَلِيفَةً لَهُمْ؛ لِتَنفِيذِ أَحْكَامِ الشَّرعِ، وَحَمْلِ الدَّعوَةِ الإِسلَامِيَّةِ إِلَى العَالَمِ، كَمَا هِيَ الحَالُ مُنذُ زَوَالِ الخِـلَافَةِ الإِسلَامِيَّةِ فِي اسطَنبُولِ، بِتَارِيخِ الثَّامِنِ وَالعِشرِينَ مِنْ رَجَبْ عَامَ أَلْفٍ وَثَلاثِمِائَةٍ وَاثنَينِ وَأَربَعِينَ هِجرِيَّة. الـمُوَافِقِ لِلثَّالِثِ مِنْ آذَارَ عَامَ أَلفٍ وَتِسعِمِائَةٍ وَأَربَعٍ وَعِشرِينَ هِجْرِيَّة. فَإِنَّ كُلَّ قُطْرٍ مِنَ الأَقطَارِ الإِسلَامِيَّةِ الـمَوجُودَةِ فِي العَالَـمِ الإِسلَامِيِّ أَهْلٌ لِأَنْ يُبَايِعَ خَلِيفَةً، وَتنْعَقِدُ بِهِ الخِـلَافَةُ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.