- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح165) وجوب توفير التعليم العسكري العالي, والأسلحة, والمعدات للجيش الإسلامي
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ وَالسِّتِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"وُجُوبُ تَوفِيرِ التَّعْلِيمِ العَسْكَرِيِّ العَالِي, وَالأَسْلِحَةِ, وَالمُعِدَّاتِ لِلجَيشِ الإِسلَامِيَّ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةِ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 67: يَجِبُ أَنْ يُوَفَّرَ لِلجَيشِ التَّعْلِيمُ العَسْكَرِيُّ العَالِي عَلَى أَرْفَعِ مُسْتَوىً، وَأَنْ يُرْفَعَ الـمُستَوَى الفِكْرِيُّ لَدَيهِ بِقَدْرٍ المُستَطَاعِ، وَأَنْ يُثَقَّفَ كُلُّ شَخْصٍ فِي الجَيشِ ثَقَافَةً إِسلَامِيَّةً تُمَكِّنُهُ مِنَ الوَعْيِ عَلَى الإِسلَامِ وَلَو بِشَكْلٍ إِجْمَالِيٍّ.
المادة 68: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مُعَسْكَرٍ عَدَدٌ كَافٍ مِنَ الأَركَانِ الَّذِينَ لَدَيهِمُ الـمَعْرِفَةَ العَسكَرِيَّةَ العَالِيَةَ, وَالخِبْرَةَ فِي رَسْمِ الخُطَطِ, وَتَوجِيهِ المَعَارِكِ، وَأَنْ يُوَفَّرَ فِي الجَيشِ بِشَكْلٍ عَامٍّ هِؤُلَاءِ الأَركَانُ بِأَوفَرِ عَدَدٍ مُستَطَاعٍ.
المادة 69: يَجِـبُ أَنْ تَتَوَفَّـرَ لَدَى الجَيشِ الأَسْـلِحَةُ وَالمُعِدَّاتُ وَالتَّجْهِيزَاتُ وَاللَّوَازِمُ وَالـمُهِمَّاتُ الَّتِي تُمَكِّنُهُ مِنَ القِيَامِ بِمُهِمَّتِهِ بِوَصْفِهِ جَيشاً إِسلَامِياً.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذه هِيَ المَوَادُّ: السَّابِعَةُ وَالسِّتُونَ, وَالثَّامِنَةُ وَالسِّتُونَ, وَالتَّاسِعَةُ وَالسِّتُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَوادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولاً: المادة السابعة والستون: هَذِهِ المَادَّةُ تَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِ قَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». (رَوَاهُ ابنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ). وَكَلِمَةُ العِلْمِ اسْمُ جِنْسٍ تَشْمَلُ كُلَّ عِلْمٍ, وَمِنُهُ العُلُومُ العَسكَرِيَّةُ، عَلَى أَنَّ العُلُومَ العَسكَرِيَّةَ أَصْبَحَتْ ضَرُورِيَّةً لِكُلِّ جِيشٍ، وِلَا يَتَأَتَّى قِيَامُهُ بِالحَرْبِ، وَخَوضِهِ المَعَارِكَ إِلَّا إِذَا تَعَلَّمَهَا. لِذَلِكَ صَارَتْ وَاجبَةً عَمَلاً بِقَاعِدَةِ: (مَا لَا يَتِمُّ الوَاجبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجبٌ). وَأَمَّا الثَّقَافَةُ الإِسلَامِيَّةُ فَإِنَّ تَعَلُّمَ مَا يَلزَمُهُ لِقِيَامِهِ بِأَعْمَالِهِ فَرْضُ عَينٍ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِقَولِ الرَّسُولِ r: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ، وَعِندَ التِّرمِذِيِّ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ). وَهُوَ لِلجَيشِ الَّذِي يَفْتَحُ البُلدَانَ لِنَشْرِ الدَّعْوَةِ كَمَا هُوَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ لِلجَيشِ آكَدَ، وَأَمَّا رَفْعُ المُستَوَى الفِكْرِيِّ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الوَعْيِ، وَهُوَ يَلزَمُ لِتَفَهُّمِ الدِّينِ وَتَفَهُّمِ شُؤُونِ الحَيَاةِ، وَلَعَلَّ قَولَ الرَّسُولِ r: «فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَاللَّفْظُ لِلبُخَارِيِّ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الحَثِّ عَلَى الوَعْيِ. وَفِي قَولِ اللهِ فِي القُرآنِ: (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس 24) وَقَولِهِ: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا) (الحج 46) مَا يُشِيرُ كَذَلِكَ إِلَى مَنْزِلَةِ الفِكْرِ.
ثانياً: المادة الثامنة والستون: دَلِيلُهَا هُوَ دَلِيلُ المَادَّةِ السَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ مِنْ قَاعِدَةِ: (مَا لَا يَتِمُّ الوَاجبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجبٌ) فَإِنَّ التَّعْلِيمَ العَسْكَرِيَّ إِذَا لَمْ يُهْضَمْ نَظَرِياً بِالتَّعلِيمِ، وَعَمَلِيّاً بِدَوَامِ التَّدرِيبِ وَالتَّطبِيقِ العَمَلِيِّ، فَإِنَّهُ لَا تُوجَدُ فِيهِ الخِبْرَةُ الَّتِي تُمَكِّنُ مِنْ خَوضِ المَعَارِكِ وَرَسْمِ الخُطَطِ؛ وَلِهَذَا كَانَ تَوفِيرُ التَّعلِيمِ العَسْكَرِيِّ العَالِي فَرْضاً، وَكَانَ دَوَامُ الاطِّلَاعِ, وَدَوَامُ التَّدرِيبِ فَرضاً حَتَّى يَظَلَّ الجَيشُ مُهَيَّأً لِلجهَادِ, وَخَوضِ الـمَعَارِكِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ. وَبِمَا أَنَّ الجَيشَ مَوجُودٌ فِي مُعَسْكَرَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَكُلُّ مُعَسْكَرٍ مِنهَا يَجبُ أَنْ يَكُونَ قَادِراً عَلَى الدُّخُولِ فِي المَعَارِكِ فِي الحَالِ؛ لِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ مُعَسْكَرٍ عَدَدٌ كَافٍ مِنَ الأَركَانِ عَمَلاً بِقَاعِدَةِ: (مَا لَا يَتِمُّ الوَاجبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ).
ثالثاً: المادة التاسعة والستون: دَلِيلُهَا قَولُهُ تَعَالَى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا استَطَعتُم مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعلَمُونَهُمُ اللهُ يَعلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظلَمُونَ). (الأنفال 60).
فَالإِعْدَادُ لِلقِتَالِ فَرْضٌ، وَيَجبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الإِعدَادُ ظَاهِراً بِشَكْلٍ يُرهِبُ الأَعدَاءَ، وَيُرهِبُ المُنَافِقِينَ مِنَ الرَّعِيَّةِ، فَقَولُهُ تَعَالَى: (تُرهِبُونَ) عِلَّةٌ لِلإِعدَادِ، وَلَا يَكُونُ الإِعْدَادُ تَامّاً إِلَّا إِذَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ العِلَّةُ الَّتِي شُرّعَ مِنْ أَجْلِهَا، وَهِيَ إِرْهَابُ العَدُوِّ, وَإِرهَابُ المُنَافِقِينَ؛ وَمِنْ هُنَا جَاءَتْ فَرْضِيَّةُ تَوفِيرِ الأَسْلِحَةِ وَالمُعِدَّاتِ وَالمُهِمَّاتِ وَسَائِرِ التَّجْهِيزَاتِ لِلجَيشِ حَتَّى يُوجَدَ الإِرهَابُ، وَمِنْ بَابِ أَولَى حَتَّى يَكُونَ الجَيشُ قَادِراً عَلَى القِيَامِ بِمُهِمَّتِهِ وَهِيَ الجِهَادُ لِنَشْرِ دَعْوَةِ الإِسلَامِ. وَاللهُ تَعَالَى حِينَ خَاطَبَنَا بِالإِعدَادِ نَصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الإِعدَادِ هِيَ إِرْهَابُ العَدُوِّ الظَّاهِرِ، وَإِرْهَابُ الأَعدَاءِ غَيرِ الظَّاهِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: (وَأَعِدُّوا لَـهُمْ مَا استَطَعتُم مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعلَمُونَهُمُ اللهُ يَعلَمُهُمْ). (الأنفال 60) وَيَنبَغِي أَنْ يُلَاحَظَ مُنتَهَى الدِّقَّةِ فِي الآيَةِ فِي أَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلِ الإِعدَادَ مِنْ أَجْلِ القِتَالِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ أَجْلِ الإِرهَابِ، وَهَذَا أَبلَغُ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ العَدُوِّ بِقُوَّةِ المُسلِمِينَ هِيَ الَّتِي تُرهِبُهُ أَنْ يُهَاجِمَ، وَتُرهِبُهُ أَنْ يُوَاجِهَهُمْ، وَهَذَا أَعْظَمُ أُسْلُوبٍ لِكَسْبِ الحُرُوبِ, وَلِنَيْلِ النَّصْرِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.