فرعون مصر وفراعنة هذا العصر
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكم التنزيل: { وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} ، والقائل: { طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }.
قصص قصَّها الله سبحانه وتعالى على أنبيائه ورسله, وجعلها معتبراً لعقول المؤمنين, وقلوب الصالحين, إن فرعون علا في الأرض, ولا تحسبَن أن فرعون قد مات وانقضى زمانه, وصار قصة وامَّحَى أوانه, إن فرعون موجودٌ في كل دهر, ويظهر في كل مصر, له أشياعٌ وأتباع, وأقوامٌ يطيعونه من دون الله .
نعم إن فرعون موجود في كل زمان وفي كل مكان, فلا تظـُنن أن فرعون قد مات ! إن الذي مات هو أمر الدين والعياذ بالله تبارك وتعالى في قلوب المسلمين, إلاَّ من رحم الله, ونسأل الله تعالى أن يُحييَ أمره, ويقويَ نبتته, ويطيل شجرته, حتى تنمو باسقة لتشق عنان السماء, فيستظل بها الصالحون, ويعيش في ظلالها المؤمنون .
أيها الناس ألا فلتعلموا أن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته, وعلت منزلته, وعظمت جلالته, للكافرين بالمرصاد, وصدق الله: { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }. فرعون هذا الذي قال: { يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ}. أخزاه الله تعالى, وأخذ بناصيته إلى أعماق البحر, وأطعمه من الأوحال, فتغير بعد غطرستهِ وكِبرهِ الحال, وصار ذليلاً بعد عزةٍ كاذبة, مَهيناً بعد أن كان يخدمهُ الخدم, ويصلي له من لا عقل له, ومن لا دين له, ومن لا تدبير له. لقد أخزى الله تبارك وتعالى ذلك الفرعون وجنده, ونصر عليه موسى عليه السلام, ولكن نشأت فراعنة جدد, وفرعون العصر هي دولة البغي والكبر والغطرسة والربا والزنا, دولة أمريكا الفاجرة صاحبة العهر, محاربة الطهر في الدنيا, بَنـَت بيوتاً للربا, وبيوتاً للزنا, وبيوتاً للميسر. وبيوتاً للكفر تـُشرِّعُ فيها من دون الله, وبيوتا لمحاربة الله ورسوله عبر وسائل إعلامها, كان الزنا قبل أيامنا في سراديب تحت الأرض يختبىءُ فيها السـُّقاط ُهروباً من عيون الناس, لأنهم يسقطون في أوحال الفواحش, فأنى لهم أن يظهروا على وجه الأرض, ولكن في عهد الغطرسة الرأسمالية, وفرية الديمقراطية, وفكرة الحرية, صار العُريُ في الشوارع , والزنا على ناصية الطريق, والمهانة حدث ولا حرج , بل صار الزنا على رؤوس العمارات الشاهقة في أمكنة تسمى ــ الرووف ــ يلتقي فيها الزناة ليقضوا أوطارهم, حتى صار الزنا مفخرة, وصار الرجل يتفاخر بأنه قد زنا بهذه, وهذه, وتلك ! وكان الزاني في السابق يخزى ويندى جبينه, ويتوارى من الناس من سوء صنيعه .
أما اليوم: فهو الزير الذي لحقته النساء, يفخر بالزنا في عصر الحرية والديمقراطية, وتفخر النساء اللواتي يكشفن عوراتهن ورخصت أجسادهن بأنهنَّ متطورات متقدمات متحررات ! بفعل الحرية والديمقراطية التي نشرتها أميركا وأوربا في عقول هذه الأمة, فانحرفوا وانجرفوا, ونسأل الله تعالى أن يطهرنا من رجس الديمقراطية وأوحالها, وأن يرجعنا لجادة الطريق, وأن يعرفنا بالله, وأمر الله, وشرع الله, حتى نستحق جنته, وننجوا من عقابه, لكن الله تعالى بالمرصاد, ولسوف يُطوح بكبرياء أمريكا كما طوَّح بفرعون وهامان وقارون وجنودهم أجمعين .
إن أمريكا اليوم دولة العهر والزنا والربا, دولة الشذوذ الجنسي, دولة السحاق واللواط, الدولة التي أوجدت نقابات للشاذين جنسياً, واعتبرتهم أناساً عاديين, ينبغي أن يُحافظ على حقوقهم, وغزت عقول الناس جميعاً في العالم بحضارتها البائسة الفاسدة الكاذبة المهلكة. وجيشت جيشاً من أذنابها زينوا للناس سوء مبدئها وقبحَ نظامهما . يريد الله تعالى لها أن تنهار, وأن يلحقها الدمار, فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك عاجلاً قريبا. اللهم عجـِّل بانهزام أمريكا, وعجل بضياع أذنابها في بلادنا يا رب العالمين, اللهم اخزِ من شايعها واطفىء نوره, واطفىء ناره, وعجل بواره .
أيها الناس إن أمريكا دولة الربا الذي أعلن الله تعالى الحرب عليه فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} .نعم: حاربت أمريكا الله تعالى في شرعه ودينه, وقتلت نساء المسلمين, ورجال المسلمين, وأطفال المسلمين, واحتلت ديارَهُم, وانتهكت أعراضَهُم, وقالت جئنا لنصحح خطأ الرب ! الذي جعل النفط في بلاد العرب ولسان حاله ! لا بل لسان مقاله يقول: من هم هؤلاء العرب الأغبياء, هل هؤلاء يعرفون الصناعة, إذاً...! لماذا جعل الله النفط عند هؤلاء الأغبياء ونحن أهل العلم والعقل والصناعة, فقد غزونا الفضاء, ووطأنا بأقدامنا السماء! نحن جبابرة العصر, نحن الفراعنة, فهل غزى العرب الفضاء؟! لا..! فالعرب أهل نوق ٍوجـِمال, أهل صحارى وقفار, كيف يكون النفط ومعدن الحياة عندهم ؟! إذن..! لا بُدَّ أن نصحح خطأ الرب ! تعالى الله عما يقولون ويفترون علواً كبيرا.
أيها الناس: أترونَ أحداً في الدنيا تجرأ على الله جلَّ في عُلاه مثل هذه الدولة وأمثالها من دول الكفر, وأتباعها وأذنابها من عملاء المسلمين وأوباشِهم ؟! . إن أمريكا أقامت اقتصاداً عالمياً مبنياً على طباعة الأوراق والمستندات, هذه الأوراق لا تعبر عن حقيقة ثروة أمريكا, بل إن أمريكا تطبع الدولارات طباعة هكذا وتشتري ثروات الناس, وسلع الناس, وعقول الناس, وضمائر الناس, وحكامَهُم, وبلادَهم, وأرزاقـَهم, تطبع نقداً من غير غطاءٍ ذهبيٍّ, ولا فضيٍّ, وحينما أدرك ديغول لعبة أمريكا القذرة قال: لنيكسون عندي سبعة مليارات دولار أعطني بدلاً منها ذهباً, فقال نيكسون: لا ذهب عندي, تكفيك قوة الإقتصاد الأمريكي, وأردف قائلاً: نحن لا نعوض بالذهب ! قوتنا هي العِوَض, فأمريكا دولة حاربت نظام الله النقدي, وطبعت نظاماً ورقياً لا يُعبر عن ثروتها, فنظامها كاذب, وثروتها كاذبة, وملياراتـُها كاذبة, وهي اليوم تستجدي مجلس النواب, ومجلس الشيوخ, لتضخ سبعمائة مليار دولار في خزائن المصارف الفارغة التي انهارت, وبارت تجارتها, وانكشف عوارُها, وصدق الله العليُّ العظيم إذ يقول محذراً: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.
وإن النظام الإقتصادي الذي صنعته أمريكا نظام فاشل بائر, لأنه ليس نظاماً ربانياً, ولم يكن من عند الله أبداً, ونؤكد ما قلناه في السابق لكل المضبوعين بالأفكار الغربية والشرقية, أنه لا يثبت في الأرض إلاَّ ما نزل من السماء, ولا يقوم أمرُ الدنيا إلاَّ بكلمات الله, ولا يُصلحُ الناسَ إلاَّ أمرُ الله, أما شرائع الشيطان, وأفكار الزنادقة المُرابين الذين يَمُصُّون دماء الناس, ويسرقون أموالهم, ويهدرون كرامتهم, فإن نظامهم بإذن الله بائر, وأمرهم خاسر, فعَجِّل ِاللهُمَّ في بوارهم ودمارهم وضياعهم .
أيها ألإخوة العقلاء: بعد أن بينت الآيات الكريمات السالفة الذكر حال فرعون وتجبره لأمته, بيَّنَ الله تعقيباً في سورة القصص نفسها مَنـَّهُ وفضله على المؤمنين إذ يقول جل وعلا: { ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون } .
نعم: هذا ما كان من أمر فرعون ذاك الزمان, فانتظروا قريباً بإذن الله هلاك فراعنة هذا الزمان وزبانيتهم وقرب دمارهم, فإن القادم أعظم, وإن هذا لموطأ قدم لأمة الإسلام حتى تنطلق لتنفض الركام عن كاهلها, وتلفظ غباره, وتسارع لبناء أمر هذا الدين القويم, وإقامة حدود الله تبارك وتعالى, والخلاص من هؤلاء المفرطين المجرمين, من العملاء الجواسيس الذين يحكمون الأمة في مشارق الأرض ومغاربها, بالحديد والنار, وترويع الآمنين .
أيها المسلمون: لا تقنطوا من روح الله, فإنه لا ييأس من روح الله إلاَّ القوم الكافرون, وإن فرجَ الله آتٍ بإذن الله تبارك وتعالى. وإن نقمتـَه من الظالمين سُنـَّة ٌلا تتخلف. وصدق الله: { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ }. كذَّبوا بآيات الله, فأخذهم الله بذنوبهم, سُنـَّة ٌمن الله لا تتخلف أبدا, إن الله ينتقم من كل ظالم متكبر, وإن الله لا يصلح عمل المفسدين, تعالى عن ذلك علوا كبيرا, لكنه يختبرنا فيرى ماذا نصنع, ويرى هل نوقن بنصره, أم نجزع, ويرى هل نبرأ من حولنا وقوتنا ونتكأ على حوله وقوته, أم نتعالى والعياذ بالله تعالى ؟!.
إن الفرج لآتٍ لا محالة, فلا يغرنكم الشيطان وحزبه, ولا تغرنكم قوته, ولا سطوته, ولا آلته الضخمة, ولا صواريخه, ولا أسلحته, فإن الله تعالى يحفظ جنده, وينصر أمته, وإذا أراد أن يحيي الميت أحياه, وإذا أراد أن يُميت الحي أماته, فاعتبروا يا أولي الأبصار, واعلموا أنه لا قوة إلاَّ قوته, ولا جبروت إلاَّ جبروته, فاتكؤوا على قوته, واعتصموا بحبله, والجؤوا إليه, وتوكلوا عليه, والتمسوا العون منه, ولا تنشغلوا بسفاسف الأمور فتـَضيعوا وتـُضيعوا, لا تنشغلوا بالخلافات هذا أحمرُ وهذا أسودَ, وهذا بُني, وذاك رمادي. قولوا لا إله إلاَّ الله تفلحوا, واعلموا أنكم أمة ٌمن دون الناس, أمة ُلا إله إلاَّ الله, محمدٌ رسول الله. والله تعالى يريدكم أمة َواحدة , ولا يريدكم شِيَعَاً مُتفرقين, فكونوا أمة ًواحدة ًكما أراد الله تبارك وتعالى, فإن اختلفتم في الأساليب فلا تباغضوا ولا تناجشوا ولا تنابزوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً. ولا تقيلنَّ أقلامُكم بالكلام الفاحش البذيء, ولا بالطعن والسـِّباب, ولا بالبَرَارِ والتباب والبوار, ولا بالتكفير, ولا بالتشنيع, وإنما كونوا إخوة متحابين متناصحين حتى تحشروا في ظلال العرش خالدين, واعلموا أن من يطيلُ مِدادَ قلـَمِهِ في السفاسف والأمة في معركتها مع الكفر فإنه خائن لله, خائن لرسول الله, وخائن لأمته. واعلموا أن من ينشغل في تفريق الأمة, فإنه خارجَ إطار المعركة, ولن يشرفه الله بشرفها, بل سيعيش مذموماً مدحوراً, ملوماً محسوراً. اللهم جنبنا سفاسف الأمور, واجعلنا ممن يهتمُّ بمعاليها, وعظيم تاليها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد الأمين, المبعوث رحمة للعالمين, ومن تبع هداه, وسلك خطاه, وسار على نهجه إلى يوم الدين .
بقلم : الداعي الى الله