أتدرون من المفلس فينا
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين .. و الصلاةُ و السلامُ على سيدِنا محمدٍ و على آلهِ وَ صَحْبِهِ أجْمَعين ،،
نقفُ اليومَ بيْنَ يدَيْ حديثٍ جَليلٍ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْهِ وَ سَلَّم .. فَحُقَّ للْعَيْنِ أنْ تَبْكِيَ و تدْمع ، و للقلْبِ أنْ يَوْجَلَ و يَفْزَع ، و للنفسِ أنْ تُحاسبَ ذاتَها إن قَصَّرَت أوْ أَساءَت
كَيْفَ لا و هُوَ يَصِفُ مفْلِسَ الآخِرَةِ وَ حالَهُ يَوْمَ يَضَعُ اللهُ الْمَوازينَ الْقِسْطَ و يَقضي بينَ الْعِباد فلا يُظْلَمونَ فَتيلا ؟؟!
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ" قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ،
فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".
ورد في القاموس المحيط : فَلِسَ - من الشيء - فَلـَسا ً : خلا منهُ و تَجَرَّدَ فهوَ فَلِس ٌ ، و يقالُ : هو فَلِسٌ منَ الخَيْر و أَفْلَسَ - فلان - : فقدَ مالَهُ فَأَعْسَرَ بعْدَ يُسْر ، فهوَ مُفْلِس
هذا عن المعنى اللغوي ..
أما في شرحِ الْحَديثِ فَيَقُولُ النَّوَوِيُّ في شرْحِ صحيحِ مسلم :
" مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حَقِيقَة الْمُفْلِس, وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ مَال, وَمَنْ قَلَّ مَاله, فَالنَّاس يُسَمُّونَهُ مُفْلِسًا, وَلَيْسَ هُوَ حَقِيقَة الْمُفْلِس; لِأَنَّ هَذَا أَمْر يَزُول , وَيَنْقَطِع بِمَوْتِهِ..
وَإِنَّمَا حَقِيقَة الْمُفْلِس هَذَا الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث فَهُوَ الْهَالِك الْهَلَاك التَّامّ,
وَالْمَعْدُوم الْإِعْدَام الْمُقَطَّع, فَتُؤْخَذ حَسَنَاته لِغُرَمَائِهِ, فَإِذَا فَرَغَتْ حَسَنَاته أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتهمْ, فَوُضِعَ عَلَيْهِ, ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار فَتَمَّتْ خَسَارَته وَهَلَاكه وَإِفْلَاسه "
نعم ... ليسَ المفلِسُ منْ خَسِرَ الدُّنْيا ؛ فَلا مالَ لَدَيْهِ وَلا مَتاع ، بَلْ مَنْ خسِرَ الدنيا و الآخرة .. و ذلك هو الخسرانُ المبين
يجيءُ يومَ القيامَةِ بِصالِحِ عَمَلِهِ مِن صلاةٍ وَ صِيامٍ وَ زَكاة ،، لكنَّها تُؤخَذُ مِنهُ و تردُّ على غيرِهِ من العبادِ ممّن ظلَمَهُم و اللهُ تعالى حرّمَ الظلمَ على نفسِهِ و جعلهُ بينَنا محرّما أو شَتَمَهُم و " سُبابُ الْمُسْلِمِ فُسوق "
أو أكلَ أمْوالَهُم و اللهُ يقول " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل "
أو قذفَهُم و سفَكَ دِماءَهُم و رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وَ سَلَّمَ يقول : " كلُّ الْمُسْلِم على المسلِمِ حرام : دمُهُ وَ عِرْضُهُ وَ مالُهُ " .
و يا كثرَةَ من استَباحَ الحُرُماتِ وَ أَكَلَ الأمْوالَ بالباطِلِ وَ ظَلَمَ العباد !
و إن نَفِدَت حسناتُه ،، طُرِحَتْ علَيْهِ مِن خَطاياهُم حَتّى يُقضى ما عليه ثم يكبُّ في الناريا لهول ِ الموقِف .. أيُّ خسران ٍ هذا و أيُّ مُسْتَقّر ؟
خزيٌ و نكال .. سلاسِلُ و أغلال .. عظائِمُ وَ أَهْوال تلك هيَ نارُ جهنّم .. ما أنذرَ اللهُ بشيءٍ أَدْهى منها فقال : " فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى "
دارٌ خصَّ أهلـُها بالبـِعاد .. و حُرِموا لّذَّةَ المنى و الإسعاد حرها شديد ..و شرابُها الصديدتنادي : " هَلْ مِنْ مَزِيد "
خزنتُها: " مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون "
عدتُّهم : " تِسْعَةَ عَشَرَ "
أبوابُها : " سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ "
فيا ويلَ و شقاءَ من كانَت هذهِ الدارُ دارُهُ .. فلَبئْسَت الدارُ و لـَبـِئـْسَ المصير
إنّ من كانت هذهِ حالـُهُ من ظلم ِ الناس ِ و أكل حقوقهم فليتذكر قولَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه و سلم : " من كانت عندَهُ مَظْلَمَةٌ لأخيهِ مِن عِرض ٍ أو مِن شيءٍ فَلْيَتَحَلّل مِنْهُ اليومَ مِن قبلِ أن لا يكونَ دينارٌ و لا درهم ... "
و إن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة .. و يومَها لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنون إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم
فمفلسٌ من باعَ آخِرَتَهُ بِدُنياه و مفلِسٌ من نأى عن شرْعِ رَبِّه و منهاجِهو مفلسةٌ أمّةٌ ترضى بحكم ِ الطاغوتِ دونَ حكمِ اللهِ و تتخذُ الكافرينَ أولياءَ مِن دونِ المؤمنين و مفلسةٌ من تسكُتُ على الظالمِ فلا تأخُذُ على يَدِه ،، و لا تَأْطُرُهُ على الحقِّ أطراً أو تَقْصُرُهُ عليه
مفلسةٌ ما لم تُعِد سلطانَها المغتَصَب ،، و خلافـَتـَها حامِيَةَ بيضَتِها و حِصْنَهَا المنيع
و إمامَها العادِلَ راعِيَ الرَّعِيَّة .. و مجيِّشَ الجيوش .. و رافعَ رايةِ الجهادِ لنشرِ هدى الإسلام..
فيا من تَفَضَّلَ علَيْه ربُّهُ فأدْرَكَ رمضانَ وَ بـُلـِّغـَه .. و هو عليهِ شاهِدٌ بـِما استَوْدَعَهُ فيه ..
هذا أوانُ التَّعَرُّضِ للنَّفَحات .. و مَحَلُّ النَّجاةِ مِن سَقَر و ما فيها من اللّفحات أخبرنا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ و سلمَ أنَّ أبوابَ النّيران ِ في رمضانَ توصَد .. و للهِ عتقاءُ فيه من النارِ و ذلك في كلِّ ليلة ..
فيا ربنا أعتق رقابنا و رقاب والدينا و أهلينا و المسلمين من النار يا عزيز يا غفار
اللهم إنّ أجسادنا لا تقوى على نارك فحرمها على النار
ربنا نعوذ بك أن نكون من المفلسين الخاسرين
ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار
و الحمد لله رب العالمين ...
زهرة حق