تأملات في كتاب من مقومات النفسية الإسلامية الحلقة الخامسة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى إمامِ المتقين, وسيِّدِ المرسلين, المبعوثِ رحمةً للعالمين, سيدِنا محمدٍ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ أجمعين, واجعلنا مَعَهم, واحشرنا في زُمرتهم برَحمتكَ يا أرحمَ الراحمين.
أيها المسلمون:
السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه, وبعد: في هذه الحلقة نواصل تأملاتنا في كتاب: "من مقومات النفسية الإسلامية". ومن أجل بناء الشخصية الإسلامية, مع العناية بالعقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية, نقول وبالله التوفيق:
رَوَى مُسلمٌ في صَحيحِه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَبَقَيْتُ لأرَى كَيْفَ يُصَلِّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَقَامَ فَبَالَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الْقِرْبَةِ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا - أي فتح فوهتها- ثُمَّ صَبَّ فِى الْجَفْنَةِ أَوِ الْقَصْعَةِ فَأَكَبَّهُ بِيَدِهِ عَلَيْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا حَسَنًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّى فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ, قَالَ: فَأَخَذَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَكَامَلَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكُنَّا نَعْرِفُهُ إِذَا نَامَ بِنَفْخِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى فَجَعَلَ يَقُولُ فِي صَلاَتِهِ أَوْ فِي سُجُودِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا, وَفِي سَمْعِي نُورًا, وَفِى بَصَرِي نُورًا, وَعَنْ يَمِينِي نُورًا, وَعَنْ شِمَالِي نُورًا, وَأَمَامِي نُورًا, وَخَلْفِي نُورًا, وَفَوْقِي نُورًا, وَتَحْتِي نُورًا, وَاجْعَلْ لِي نُورًا, أَوْ قَالَ: وَاجْعَلْنِي نُورًا».
أيها المسلمون:
لنتدبرْ معاً حديثينِ مُضيئينِ يُنيرانِ لنَا الطريقَ لِنصلَ إلى أهدافِنا ونُورُنا يَسعى بَينَ أيدينا وبأيماننا:
أما الحديث الأول: رَوَى الطبرانيُّ في المعجَمِ الكَبيرِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ سُبحَانَهُ قَالَ: مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْعَدَاوَةِ، ابْنَ آدَمَ لَنْ تُدْرِكَ مَا عِنْدِي إِلا بِأَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكَ، وَلا يَزَالُ عَبْدِي يَتَحَبَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَأَكُونَ قَلْبَهُ الَّذِي يَعْقِلُ بِهِ، وَلِسَانَهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، فَإِذَا دَعَانِي أَجَبْتُهُ، وَإِذَا سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَرَنِي نَصَرْتُهُ وَأَحَبُّ عِبَادَةِ عَبْدِي إِلَيَّ النَّصِيحَةُ".
وفي هذا الحديث بيانُ السبيلِ لِنصرِ اللهِ وعَونِه، ومَدِدٍ مِن عندِه، بالتقرُّبِ إليه, والاستعانة به سبحانه، فهو القويُّ العزيزُ، مَن يَنصُرْهُ لَن يُخذَل، وَمَن يَخذلْهُ لن يُنصَر، قال الله تعالى: { إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. (آل عمران160)
وهو سُبحانَهُ قريبٌ من عَبدِه إذا دَعاه، مُجيبٌ له إذا استجابَ لَه، قال الله تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }. (البقرة 186) وهو سُبحانَهُ القاهرُ فوقَ عِبادِه, وهو اللطيف بهم, وهو الحكيمُ الخبيرُ, والقويُّ العزيز. قَالَ تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }. (الأنعام 18). وقال جلَّ من قائل: { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ }. (الشورى 19) فلتسارعوا أيها الإخوة الأعزاء إلى رضوان الله، إلى مغفرته، إلى جنته، إلى نصره، إلى الفوز في الدارين. قال تعالى: { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }. (المطففين 26)
أيها المسلمون:
وأما الحديث الثاني: رَوَى الإمامُ أحمدُ في مُسندِهِ عَن حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ.
ففي هذا الحديث بشرى بأن الخلافة عائدة بإذن الله, ولكنها عائدة مثلَ الخلافةِ الأولى، خلافةِ الراشدين، أصحابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فمن كانَ حريصاً على عودتها، مُشتاقاً لرؤيتها، فليسعَ لها سَعيها وهو مؤمن ليكونَ مِثلَ أصحابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أو نحوَهم.
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, عَلَى أنْ نُكمِلَ تأمُّلاتنا في الحَلْقاتِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعالى, فإلى ذَلكَ الحِينِ وَإلى أنْ نَلقاكُم, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ. وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.