الفكر السياسي قيم و ممارسات
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان بالعقل الذي جعله مناط تكليفه وتشريفه، فحرم عليه كل ما من شأنه أن يذهب العقل أو أن يؤثر على أدائه، وجعل على من لا يستخدم عقله الإثم و العقوبة . واصفا من لا يستخدم عقله والخاصية التي أودعها الله تعالى به أبشع الأوصاف قال تعالى:{ أفلا يعقلون } وقال تعالى: { أفلا يسمعون } وقال تعالى: { أفلا يبصرون } وقال تعالى:{... والذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم }
ولذلك عني الإسلام عناية كبيرة بالعقل وبين له الطريقة المثلى للوصول للحقائق، إذ وجه الإنسان لطريقة التفكير للوصول إلى الحقائق الكبرى على أساسه، كالوصول إلى وجوب وجود الله تعالى، فبين له ذلك بالنظر إلى ما خلق وأبدع قال تعالى: { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت..} وقال تعالى: { وفي أنفسكم أفلا تبصرون }
والفكر هو الحكم على الواقع، ولا يستطيع المجنون أو من لا يملك أدواة العقل والإدراك من ممارسة هذه العملية العقلية التي تسمى بالتفكير.
وأما الفكر السياسي فهو الفكر الذي يبحث في كيفية رعاية شؤون العامة أو الخاصة من خلال وجهة نظر منبثقة عن عقيدة كلية عن الكون الحياة والإنسان، وتحدد هذه العقيدة مفهومي الصواب والخطأ، أو الحلال والحرام .
ويعد التفكير السياسي من أعقد أنواع التفكير، وذلك لأنه يتعلق برعاية شؤون الأمة، وهي أمور متجددة وتحتاج إلى عناية فائقة وإنعام نظر بمعرفة الواقع أو الحادثة معرفة دقيقة لتحقيق مناطها و بالرجوع إلى الحكم الشرعي المناسب لها، وليس ذلك فحسب بل عدم الحياد عن المبدأ أو الفكرة التي يعتنقها، فالسياسي، ولا يكتفي بمعرفة الفكرة بل يجب عليه الوعي عليها بحيث لا يفتنه الواقع بضغطه فيحيد عنها فيقع في دائرة مخالفة الفكرة فيقع بالإثم لذلك.
إن الفكر السياسي المبني على العقيدة الإسلامية هو فكر سياسي بامتياز، إذ أن العقيدة الإسلامية عقيدة عقلية ، وكذلك هي عقيدة عقلية سياسية، إذ أنها قائمة على رعاية الفرد ورعاية المجتمع وتنظم علاقة الدولة بالفرد وتنظم علاقة المسلمين بغيرهم داخل الدولة وتنظم علاقة دولة المسلمين مع غيرها من الدول الأخرى، وتربط الإنسان حين توجد له الحلول لمشاكله تربطه بالآخرة بالثواب والعقاب، وكذلك تبدي له المحاسبة من قبل الدولة على ما قصر به من واجبات تتعلق بوجوده كأحد رعايا الدولة وفرد من أفراد المجتمع، وكذلك مراقبة الله تعالى له، وكذلك تمكنه من محاسبة الدولة إن قصرت أو أخطأت كفرد أو جماعة.
إن القرآن والسنة وإجماع الصحابة والقياس هم مصادر القوانين وأساس الأفكار الكلية والخاصة في النظام الإسلامي، وعليه يجب على كل من آمن بالإسلام أن يتخذها أساس لفكره ومقياسا لأعماله. قال تعالى: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً إن يكون لهم الخيرة من أمرهم }، فالأحكام الشرعية المستنبطة من المصادر الشرعية هي عبارة عن أحكام تنظم حركة الدولة وعلاقتها في داخل الدولة على رعاياها إذا كانت مما تبناه الخليفة، وكذلك تنظم حركة المجتمع إذا ما كانت مستنبطة من قبل علماء المسلمين وكانت مما لم يتبناه الخليفة ، وكذلك تنظم علاقة الفرد بنفسه أو تنظم علاقته مع الله تعالى من خلال العبادات مما استنبطه علماء المسلمين ومما لم تتبناه الدولة على شكل قوانين ونظم رسمية.
ومن ضروريات الفكر السياسي بحيث أنه لا ينفصل عنه ولا بجزئية من أجزائه ولا بحركة من حركاته الوعي السياسي، فالوعي السياسي، لا يعني الوعي على الأوضاع السياسية، أو على الموقف الدولي، أو على الحوادث السياسية، أو تتبع السياسة الدولية، والأعمال السياسية فقط، وإن كان ذلك من مستلزمات كماله. وإنما هو النظرة إلى العالم من زاوية خاصة، وهي بالنسبة لنا من زاوية العقيدة الإسلامية، زاوية: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فالنظرة إلى العالم من غير زاوية خاصة تعتبر سطحية، وليست وعياً سياسياً. والنظرة إلى المجال المحلي أو المجال الإقليمي تفاهة، وليست وعياً سياسياً، ولا يتم الوعي
السياسي إلا إذا توفر له عنصران:
أولا- أن تكون النظرة إلى العالم كله
ثانيا - وأن تنطلق هذه النظرة من زاوية خاصة محددة معينة : هي العقيدة الإسلامية. هذا هو الوعي السياسي.
وبما أن هذا هو واقع الوعي السياسي، فإنه يحتم طبيعياً على السياسي أن يخوض النضال في سبيل إيجاد مفهومه عن الحياة لدى الإنسان، من حيث هو إنسان، في كل مكان. وتكوين هذا المفهوم هو المسؤولية الأولى التي ألقيت على كاهل الواعي سياسياً، والذي لا ينال الراحة إلا ببذل المشقة في تحملها وأدائها، والواعي سياسياً يتحتم عليه أن يخوض النضال ضد جميع الاتجاهات التي تناقض اتجاهه، وضد جميع المفاهيم التي تناقض مفاهيمه، في الوقت الذي يخوض فيه النضال لتركيز مفاهيمه عن الحياة، وغرس اتجاهه. فهو يسير في اتجاهين في آن واحد، لا ينفصل أحدهما عن الأخر في النضال قيد شعرة؛ لأنهما شيء واحد، يهدم ويبني، يبدد الظلام ويشعل النور، وهو كما قيل: "نار تحرق الفساد، ونور يضيء طريق الهدى". وكما يدخل في تركيز المفاهيم و تنـزيل الأفكار على الوقائع، وعليه البعد عن التجريد والمنطق، و يقف ضد مفاهيم الأعماق التي جاءت من العصور الهابطة، وضد التأثير التضليلي الذي يبثه الأعداء عن الأفكار والأشياء، وضد اختصار الغايات السامية، والأهداف البعيدة، بغايات جزئية ضيقة وأهداف آنية هزيلة. فهو يناضل في جبهتين: داخلية وخارجية، ويناضل في اتجاهين: اتجاه الهدم، واتجاه البناء، ويعمل على صعيدين: صعيد السياسة وصعيد الفكر، وبالجملة فهو يخوض معترك الحياة في أسمى ميادينها وأعلاها؛ ولذلك كان اصطدام الواعين بالقضايا، في احتكاكهم بالواقع، والناس، ومشاكل الحياة، أمراً حتمياً، لا فرق في ذلك بين الصعيد المحلي الداخلي، والصعيد الدولي العالمي، وفي هذا الاصطدام الذي تقوده دول ومنظمات دولية، تبرز المقدرة على جعل الرسالة التي يحملها، والزاوية الخاصة التي ينظر إلى العالم منها، حسب المفهوم الذي يتبناه، هي الأساس، وهي الحَـكَم، وهي الغاية التي يسعى إليها، والهدف الذي يجهد لتحقيقه، وبالمقابل لا يلين للطامعين أو الضاغطين أو المفاوضين . قال تعالى: { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً } (النساء:139)
إلا أنه نظراً لالتزامه زاوية خاصة، ولوجود ذوق معين له، وميول معينة لديه، طبيعية كانت أو مبدئية، فإنه يخشى إن لم يع على نفسه أن يلون الحقائق باللون الذي يهواه، وأن يؤوّل الأفكار على الوجه الذي يريده، وأن يفهم الأخبار بحسب النتيجة التي يريد أن يصل إليها، ولذلك يجب أن يحذر من تسلط ميوله على الآراء والأنباء. فرغبات النفس لشيء ذاتي، أو حزبي، أو مبدئي، أو مصلحة يخشى فواتها أو خوفا على نفسه، كل ذلك ربما يجعله يفسر الرأي أنه صدق وهو كذب، أو يخيل إليه أنه كذب وهو صدق، ولذلك لا بد من أن يتبين الواعي الكلام الذي يقال، والعمل الذي يعمل. فبالنسبة للوقائع، أشياء كانت أو حوادث، يجب أن يدركها إدراكاً حسياً، وأن يحس بها حساً منطقياً، ولكن كما هي، لا كما يحب ويرغب أن تكون.
قال تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }.
أما الطريقة لإيجاد الوعي السياسي في الأفراد، وإيجاده في الأمة، فإنها هي التثقيف السياسي بالمعنى السياسي، سواء أكان تثقيفاً بأفكار الإسلام وأحكامه، أم كان تتبعاً للأحداث السياسية، فيتثقف بأفكار الإسلام وأحكامه، لا باعتبارها نظريات مجردة، بل بتنـزيلها على الوقائع، ويتتبع الأحداث السياسية، لا كتتبع الصحفي ليعرف الأخبار، ولا كتتبع المعلم ليكتسب معلومات، بل بالنظرة إليها من الزاوية الخاصة لإعطائها الحكم الذي يراه، أو ليربطها بغيرها من الأحداث والأفكار، أو يربطها بالواقع الذي يجري أمامه من الأعمال السياسية. فهذا التثقيف السياسي، بالمبدأ وبالسياسة، هو طريقة إيجاد هذا الوعي السياسي في الأمة وفي الأفراد، وهو الذي يجعل الأمة الإسلامية تضطلع بمهمتها الأساسية، ووظيفتها الأصلية، ألا وهي حمل الدعوة إلى العالم، ونشر الهدى بين الناس؛ ولذلك كان التثقيف السياسي هو الطريقة لإيجاد الوعي السياسي، عند الأمة وعند الأفراد. ومن هنا كان لا بد من التثقيف السياسي في الأمة الإسلامية على أوسـع نطاق، فإنه هو الذي يوجد في الأمة الوعي السياسي، ويجعلها تنبت حشداً من السياسيين البارعين.
إن السياسة في دعوتنا وحزبنا بمعناها الدقيق - رعاية شؤون الأمة - وهي الغاية بحد ذاتها .
فالكشف والتبني السياسي يكون غايتنا عندما يكون هو الرعاية.
وبيان الحكم الشرعي في الأحداث هو غايتنا لأنه هو الرعاية.
والتعبئة العقائدية والجهادية والمعنوية تكون هي غايتنا عندما تكون هي الرعاية.
والقاعدة عندنا في ذلك كله هي القاعدة الذهبية العملية، وهي: صيرورة الحس إلى فكر والفكر إلى عمل والعمل إلى غاية.
ولا يخفى عليكم أن التزام هذه القاعدة العملية يعتبر أهم ركائز طريقة التفكير المنتجة ، والتي لا بد لها دائما من فهم أي حدث وإصدار أي تعليق بعد فهم وبلورة
الإجابة عن الأسئلة الأساسية:
لماذا ؟ كيف ؟ أين ؟ ومتى ؟ يكون الكشف والتبني.
إن التفكير السياسي هو أرقى أنواع التفكير وأصعبها ، لأنه ليس حكما على واقع جامد ، بل هو حكم على واقع شديد التعقيد يموج بالمتغيرات ، لأنه متعلق إما برعاية شؤون الأمة ، أو متعلق بالحركة السياسية الدولية، وكلاهما متحرك ومتغير.
وعلى هذا الأساس ، وبهذا الفهم لقد عمل حزب التحرير في الأمة منذ ما يقرب الستين عاما وهو يوجه أنظار الأمة تجاه قضيتها المصيرية إقامة دولة الخلافة، واتخذ من طريقة النبي صلى الله عليه وسلم طريقة له للوصول إلى الحكم ، فها هي الأحزاب التي عابت على حزب التحرير سلوكه طريقة الصراع الفكري والكفاح السياسي الوصول إلى تحييد بل واخذ السلطة ممن بيده السلطة أي الجيوش، فهاهم اليوم يسيرون في نفس الطريق مرغمين نتيجة تحرك الأمة بحركة لم يمكنهم سوى ركوب موجاتها المتلاحقة.
وكذلك الذين عابوا على الحزب عدم استخدامه الأعمال المادية فهم اليوم يزايدون على الأمة بحركتها بالدعوة السلمية و المسيرات والإعتصامات لإسقاط الأنظمة.
وهاهم اليوم هم أنفسهم الذين كانوا يسخرون من الحزب عندما يذكر النصرة وأخذها ممن بيده القوة والمنعة، فهاهم اليوم أنفسهم يطلبون ود الجيوش ويحملون لها الزهور والأطفال لكي يدللوا على أن الجيش هو سندهم وأن الجيش يستمد شرعيته من عدم سفك دمائهم.
إن حزب التحرير هو تاريخ الأمة المعاصر ومستقبلها المشرق بما عنده من وضوح وبلورة ونقاء وصفاء للفكرة التي يحملها ، وبما عنده من تصور واضح وجلي للطريقة القطعية التي من شأنها أن توصله لإقامة وإيجاد دولة الخلافة الراشدة، وهي طريقة شرعية لا يحيد عنها قيد أنملة، وكما أنه وبحمد الله تعالى عنده من الشباب والمفكرين والسياسيين البارعين الذين عاهدوا الله تعالى على السير على الطريق والطريقة حتى لو طال الزمان وزادت العوائق قسوة والظروف شدة والأنظمة القمعية بطشا، فكل ذلك عند الحزب وشبابه قربات لله تعالى، وبما عنده من إرادة وعزيمته للوصول للغاية التي حددها، وبطريقة الربط على أساس رابطة الفكرة، رابطة العقيدة الإسلامية، رابطة العمل لنيل رضوان الله تعالى فقط ، فليست رابطته مصلحية مادية، ولا روحية جوفاء، بل رابطة فكرية تربط ما بين شبابه فيتعذبون العذاب للوصول لغايتهم، في الدنيا إقامة الخلافة الإسلامية ، وفي الآخرة لنيل رضوان الله تعالى.
قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله }
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم مالا يقضون لكم، إن عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم،- قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟- قال عليه الصلاة والسلام، كما صنع أصحاب عيسى بن مريم، نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله". أخرجه الطبراني في الكبير.
إبراهيم محمد حجات
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته