مع الحديث الشريف الاعتزال والفتن
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ
جاء في فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله ( يَفِرّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَن ) الْخَبَر دَالّ عَلَى فَضِيلَة الْعُزْلَة لِمَنْ خَافَ عَلَى دِينه , وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي أَصْل الْعُزْلَة فَقَالَ الْجُمْهُور الِاخْتِلَاط أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ اِكْتِسَاب الْفَوَائِد الدِّينِيَّة لِلْقِيَامِ بِشَعَائِر الْإِسْلَام وَتَكْثِير سَوَاد الْمُسْلِمِينَ وَإِيصَال أَنْوَاع الْخَيْر إِلَيْهِمْ مِنْ إِعَانَة وَإِغَاثَة وَعِيَادَة وَغَيْر ذَلِكَ . وَقَالَ قَوْم الْعُزْلَة أَوْلَى لِتَحَقُّقِ السَّلَامَة بِشَرْطِ مَعْرِفَة مَا يَتَعَيَّن , وَقَالَ النَّوَوِيّ الْمُخْتَار تَفْضِيل الْمُخَالَطَة لِمَنْ لَا يَغْلِب عَلَى ظَنّه أَنَّهُ يَقَع فِي مَعْصِيَة , فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْر فَالْعُزْلَة أَوْلَى . وَقَالَ غَيْره : يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاص , فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَتَّم عَلَيْهِ أَحَد الْأَمْرَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَجَّح لَيْسَ الْكَلَام فِيهِ بَلْ إِذَا تَسَاوَيَا فَيَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَال فَإِنْ تَعَارَضَا اِخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَات , فَمَنْ يَتَحَتَّم عَلَيْهِ الْمُخَالَطَة مَنْ كَانَتْ لَهُ قُدْرَة عَلَى إِزَالَة الْمُنْكَر فَيَجِب عَلَيْهِ إِمَّا عَيْنًا وَإِمَّا كِفَايَة بِحَسَبِ الْحَال وَالْإِمْكَان , وَمِمَّنْ يَتَرَجَّح مَنْ يَغْلِب عَلَى ظَنّه أَنَّهُ يَسْلَم فِي نَفْسه إِذَا قَامَ فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , وَمِمَّنْ يَسْتَوِي مَنْ يَأْمَن عَلَى نَفْسه وَلَكِنَّهُ يَتَحَقَّق أَنَّهُ لَا يُطَاع , وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُون هُنَاكَ فِتْنَة عَامَّة فَإِنْ وَقَعَتْ الْفِتْنَة تَرَجَّحَتْ الْعُزْلَة لِمَا يَنْشَأ فِيهَا غَالِبًا مِنْ الْوُقُوع فِي الْمَحْذُور , وَقَدْ تَقَع الْعُقُوبَة بِأَصْحَابِ الْفِتْنَة فَتَعُمّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلهَا كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ( وَاتَّقُوا فِتْنَة لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) وَيُؤَيِّد التَّفْصِيل الْمَذْكُور حَدِيث أَبِي سَعِيد أَيْضًا " خَيْر النَّاس رَجُل جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَاله , وَرَجُل فِي شِعْب مِنْ الشِّعَاب يَعْبُد رَبّه وَيَدَع النَّاس مِنْ شَرّه " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب الْعُزْلَة " مِنْ كِتَاب الرِّقَاق حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ آنِفًا فَإِنَّ أَوَّله عِنْدَ مُسْلِم " خَيْر مُعَاشِر النَّاس رَجُل مُمْسِك بِعِنَانِ فَرَسه فِي سَبِيل اللَّه " الْحَدِيث وَفِيهِ " وَرَجُل فِي غَنِيمَة " الْحَدِيث وَكَأَنَّهُ وَرَدَ فِي أَيّ الْكَسْب أَطْيَب , فَإِنْ أُخِذَ عَلَى عُمُومه دَلَّ عَلَى فَضِيلَة الْعُزْلَة لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه إِلَّا أَنْ يَكُون قُيِّدَ بِزَمَانِ وُقُوع الْفِتَن وَاَللَّه أَعْلَم .
في ضوء هذا الحديث الشريف وشرحه يتبن أن هذا الحديث لا يعني اعتزال جماعة المسلمين والقعود عن القيام بأحكام الدين وعن إقامة خليفة للمسلمين حين تخلو الأرض من الخلافة، بل كل ما فيه هو بيان خير مال المسلم في أيام الفتن وخير ما فيه للهروب من الفتن وليس هو للحث على البعد عن المسلمين واعتزال الناس.