قراءة في كتاب: الأزمات الاقتصادية؛ واقعها ومعالجاتها من وجهة نظر الإسلام
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ،
ها نحن ذا نعود لنلقاكم في جولة جديدة ضمن برنامجنا قراءة في كتاب ، وكتاب هذه الجولة عنوانه " الأزمات الإقتصادية واقعها ومعالجاتها من وجهة نظر الإسلام " ومؤلف هذا الكتاب أمير حزب التحرير الشيخ (أبو ياسين) عطاء خليل أبو الرشته.
وبالرغم من أن هذا الكتيب ليس بالجديد، إلا ان موضوعه متجدد، وهو موضوع بحاجة إلى معالجة جادة وحاسمة، وفي أيامنا هذه يصطلي العالم من سوء معالجات هذا الموضوع وهو الإقتصاد. وهنا لابد من إعطاء نظرتين حول أسلوب الكاتب:
أولاهما: أن الكاتب، بالرغم من صغر حجم الكتيب، استطاع أن يعطي خلفية مفيدة جدا لأسباب الأزمات وبعض النواحي السياسية والتاريخية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الكاتب إنما نظر للموضوع من وجهة النظر الإسلامية وعلى أساسها وضع الحلول لها، أي معالجات هذه الأزمات.
ثانيهما: أن الكاتب كان يكتب وإحساسنا أنه يكتب ليعالج وضعا هو مقدم على السيطرة عليه، أي أنه يكتب بقلم الممسك بزمام الأمور، وبيده مقاليد الحكم، خاصة عندما يتكلم عما يجب أن يضع الحاكم من سياسات، مع أنه لم يطلعنا على اي من هذه السياسات بأي نوع من التفصيل، ويكفينا قوله:"والدولة التي تسير على مبدأ صحيح ووجهة نظر سليمة لا يمكن أن يحدث عندها خلل بسيط ثم تسكت عن علاجه في الوقت المناسب حتى يتراكم ويصبح خللا مركبا ينقلب إلى أزمة، ولكن تعالجه في بدايته".
بدأ المؤلف بتعريف كلمة أزمة من أنها تعني الشدة لغةً، وفي موضوع البحث تعني " الشدة التي يستعصي حلها إلا ببذل جهد وإفراغ وسع"، وكذلك تطرق لمعنى إقتصاد، حيث أن الكتيب يُعنى بالأزمات الإقتصادية، فقال أن الإقتصاد لغة من القصد ، وكذلك تعني التوفير وضد الإفراط . أما الكلمة، وخاصة أن المصطلح الدارج حاليا أتانا من الغرب، أي كلمة إقتصاد باللغة الإنجليزية (ECONOMICS) فاصلها مشتق من اللغة الإغريقية ويعني تدبير أمور البيت. وبعد هذ التعاريف، لخص لنا الكاتب معنى الأزمة الإقتصادية بقوله:
"وبذلك فإن الأزمة الإقتصادية تعني الإضطراب الشديد في تدبير أمور الدولة المالية الذي يحتاج لبذل جهد وإفراغ وسع لإزالته وإعادة الوضع إلى الإستقامة والإعتدال ".
وبدأ المؤلف ببحث أهم مصادر الأزمات المالية، ولخصهما بعاملين هما: النقد وميزان المدفوعات. أما النقد، فأعطانا الكاتب خلفية رائعة تفسر الكثير مما يحدث الآن من أزمة إقتصادية، وكيف هيمن الدولار الأمريكي على الإقتصاد العالمي. وذلك أن الناس كانت تتخذ الذهب والفضة اساسا للنقد، وحتى حين أصدرت بعض الدول أوراقا نائبة عن الذهب كان بالإمكان استبدال هذه الأوراق بالذهب في أي وقت، وسمي هذا بقاعدة الذهب، وفي منتصف الأربعينات من القرن الفائت، وتحديدا في الثاني والعشرين من تموز لعام اربعة وأربعين وتسعمائة وألف، عُقد مؤتمر بريتون وودز في أمريكا ليخرج بقرارات جديدة بخصوص التعامل النقدي بالذهب، وكان من ابرز قرارات هذا المؤتمر:
أولا: على جميع الدول أن تحدد نسبة ذهب معينة لتغطية عملتها، وأن لا يتم التبادل بين الورق النائب بالذهب لأي فرد أو هيئة، إلا الدولار الأمريكي فيمكن استبداله بالنسبة للأرصدة الخارجية.
ثانيا: اشترط على الدول الأعضاء أن تقوم بتثبيت سعر الصرف لنقدها، بسياسات معينة تضعها الدول متناسبة مع غطاء من الذهب والدولارات القابلة للتحويل إلى ذهب، وسمح المؤتمر بتقلبات لهذا السعر في حدود 1% (واحد بالمائة ) وإلا تدخلت الدول لإعادته. "وأفرز هذا المؤتمر المشؤوم منظمتين شيطانيتين وضِعتا للسيطرة والهيمنة على العالم إقتصاديا وسياسيا، هما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكلتا المنظمتين أُسِسَتا بحيث تكون لأمريكا الهيمنة عليهما، بأن كان لأمريكا أكبر الحصص فيهما، فكان، وما زالت، قراراتهما أمريكية. واستمرت قرارات هذا المؤتمر سارية مع بعض التجاوزات، حتى تم إلغاؤه نهائيا بقرار أمريكي على يد الرئيس نيكسون في الخامس عشر من آب لعام واحد وسبعين وتسعمائة وألف. ويخبرنا المؤلف عن هذه المرحلة بقوله: " وبعد ذلك أصبح النقد يستعمل على اساس الزاوية الاسمية وصار تعريفه ( أية مادة كانت، بصرف النظر عن شكلها ونوعها، تصبح بفضل القانون وسيطة عامة للتبادل المالي ). وبالتالي أصبحت الأوراق النقدية الإلزامية هي المستعملة، وتأخذ قيمتها بقانون الدولة، وترتفع وتنخفض بحسب اقتصاديات الدولة وسياساتها وإجراءاتها المتبعة في ذلك كإدارة ميزانها التجاري وميزان مدفوعاتها وغير ذلك مما له علاقة" انتهى كلام المؤلف.
وعندما لا تكون العملة مدعومة بالذهب أو الفضة، فإن ذلك يؤدي إلى فقدان الإستقرار في صرف العملة مما يؤدي إلى عدم الإستقرار داخليا وخارجيا. صحيح أن نظام الصرف بالذهب له مشكلاته، لكن هذه المشاكل غالبا ناتجة عن عدم تنظيم الواردات بالنسبة للصادرات أو عدم وجود ذهب كاف لتغطية الورق النقدي في السوق، وهذا ناتج عن عدم السيطرة على طبع العملة بالنسبة للمخزون الذهبي، مع أنه مما يمكن السيطرة عليه في حال وجود دولة مبدئية قائمة على إحقاق الحق، وليس كدولة مثل أمريكا قائمة على السيطرة بغض النظر عن الكيف، أداها جشعها وطمعها لأن تطبع دولارات ليس لها غطاء ذهبي مما أدى إلى أزمةِ مابين الثامن والخمسين وتسعمائة وألف والثامن والستين وتسعمائة وألف. ولهذا فالمطلوب للإستقرار هو العمل بنظام القاعدة الذهبية والتي تجعل العملة مغطاة بالذهب في التعامل الداخلي والخارجي، وليس نظام الصرف بالذهب الذي يقتصر على التغطية بالذهب في التعاملات الخارجية مع وجود الوعي والإخلاص والسعي لإحقاق الحق في التعامل.
أما الأزمات التي يوجدها نظام العملات الورقية الإسمية، فإنها كبيرة ومتعددة ومهلكة للإقتصادات لعدم وجود إستقرار في الأسواق المحلية والعالمية. فهذه العملات توجد التضخم في العملة، وتشكل عبئا ثقيلا على كاهل الدول للمحافظة على نوع من الإستقرار لقيمة عملتها، وتجعل عملة الدولة تحت سيطرة او تلاعب ومضاربات دول أخرى قد تودي باقتصاد الأولى إلى الهاوية. يقول المؤلف:" ومع كل هذه الأزمات لا زال العالم يتعامل بالورق الإلزامي وسبب ذلك هو وقوف بعض الدول المنتفعة من هذا النظام على حساب معظم الدول المتضررة، ليبقى نفوذها السياسي والإقتصادي متحكما في الآخرين نظرا لأن نقدها موجود في المصارف المركزية لباقي الدول مما جعل أوضاعها السياسية والإقتصادية متأثرا بنفوذ تلك الدول".
أما المصدر الثاني للأزمات الإقتصادية فهو ميزان المدفوعات وعرفه المؤلف وفصله بقوله: "هو الحساب الشامل لجملة المدفوعات التي تمت خلال فترة معينة بين دولة ما ودول العالم الأخرى بغض النظر عن طبيعة الأعمال. ويتكون الميزان من جانبين: الجانب الأول (الدائن) - الإيرادات - ويتكون (حسب النظم الإقتصادية الحالية من:
واحد - الصادرات المنظورة ((أي) جميع السلع المصدرة للعالم الخارجي).
إثنان - الصادرات غير المنظورة ((أي) السلع المباعة والخدمات المقدمة إلى الأجانب المقيمين أو للسائحين، ما تشتريه الهيئات الدبلوماسية الأجنبية في البلد، نفقات سفر الركاب أو نقل البضائع لصالح الأجانب المستحقة لشركات مركزها الدولة، عوائد أفلام، برق، هاتف، مكافآت إدارية ... فنية، أقساط تأمين لرعايا أجانب لشركات محلية، وتعويضات للرعايا من شركات أجنبية، ونفقات الطلاب الأجانب في بلادنا وامثالها).
ثلاثة - القروض الأجنبية أي ما تقدمه البلاد الأخرى للدولة من قروض.
أربعة - الفوائد والأرباح الأجنبية أي ما تدفعه البلاد الأخرى من فوائد وارباح للدولة.
خمسة - المنح والهبات التي تحصل عليها الدولة أو رعاياها من الدول الأخرى ورعاياها.
الجانب الثاني (المدين) - المدفوعات - وأبرز مكوناته :
واحد - الواردات المنظورة (جميع السلع المستوردة من المصادر الخارجية ).
إثنان - الواردات غير المنظورة (السلع المباعة والخدمات المقدمة إلى رعايا الدولة الذين يقيمون مؤقتا في الخارج أو للسائحين من رعاياها، نفقات سفر الركاب ونقل البضائع لصالح رعايا الدولة من قبل شركات النقل الأجنبية، نفقات طلاب يدرسون في الخارج، شراء سلع أو خدمات من الأجانب بواسطة الهيئات الدبلوماسية للدولة ، عوائد أفلام سينما، برق، بريد، هاتف، مكافآت أقساط تأمين الشركات الأجنبية، تعويضات الأجانب من الشركات الوطنية وأمثالها ).
ثلاثة - القروض للخارج.
أربعة - الفوائد والأرباح للخارج.
خمسة - الهبات والمنح والمساعدات للخارج.
ويُظهر ميزان المدفوعات الحركة الحقيقية للنقود من الدولة إلى الدول الأخرى ولا يُظهر بأي حال من الأحوال القيمة الكلية لما للدولة وما عليها قِبَل العالم الخارجي". انتهى كلام الشيخ عطاء ابو الرشته .
وميزان المدفوعات يوجد فيه الخلل وتحدث الأزمات الإقتصادية جرائه حين لا يتساوى طرفيه وهما الصادرات والواردات. وأورد المؤلف مجموعة من الأسباب التي تحدث مثل هذا الإضطراب في ميزان المدفوعات. نترك لكم أيها المستمعون الكرام الإطلاع عليها بقراءتكم لهذا الكتيب القيم. ونورد هنا قول المؤلف بخصوص معالجة الأزمات الناتجة عن ميزان المدفوعات، فقال:" والعجز في البداية إن لم يتفاقم يمكن التغلب عليه إذا اختطت الدولة لنفسها سياسة إقتصادية سليمة، ولكن العجز يصبح أزمة إذا لم تكف السيولة النقدية للدولة للمعالجة المؤقتة له حتى تستعيد الدولة تنشيط صادراتها وتقليل وارداتها ورسم سياسات وإجراءات لتحسين ميزان المدفوعات" .
وبعد ذلك أورد الشيخ عطاء بن خليل ابو الرشته سببا ثالثا للأزمات الإقتصادية وهو عدم توزيع الثروة بشكل سليم على الناس.
أما بالنسبة لحل أزمة المدفوعات فقد أورد المؤلف التالي:" إن الإسلام حل هذه المشكلة بأمرين:
الأول: رسم سياسات اقتصادية سليمة في الزراعة والتجارة والصناعة وملحقاتها.
الثاني: أوجب إيجاد المشاريع الضرورية على بيت المال حال الوجود والعدم " انتهى كلام المؤلف. صحيح أن هذا الحل قد يبدوا مقتضبا ، وهو كذلك، إلا أنه لا يسعنا في عجالتنا هذه أن نستطرد فيما أورده المؤلف من طبيعة الحلول المتبعة في العالم حاليا، ولا بوسعنا ذكر أخطار الإقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين وطبيعة الفائدة المعومة التي يتبعانها، و لا يسعنا ذكر الأرقام والإحصائيات المذهلة في هذا الشأن، وكذلك ليس لنا أن نذكر الأدلة الشرعية التي أوردها المؤلف، أو الحلول من وجهة نظر الإسلام التي خطها في هذا المؤَلَف، وما يسعنا هو أن نحث المستمع الكريم على قراءة هذا الكتيب القيم بكل ما للكلمة من معنى، فالكتيب يضع بين يدي القارئ النظام الإقتصادي الرأسمالي وينقضه بالنظام الإسلامي بشكل يسير وسهل وتظهر فيه الناحية العملية. وهذا الكتيب بوابة رائعة لمن أراد أن يفهم الوضع الإقتصادي الحالي في العالم، ويدرك كيف تحدث الأزمات الإقتصادية، خاصة وان العالم اليوم في خضم أزمة إقتصادية عالمية.
وهنا نختم تصفحنا لهذا الكتيب "الأزمات الإقتصادية واقعها ومعالجاتها من وجهة نظر الإسلام " بما ختم به المؤلف، الشيخ عطاء بن خليل أبو الرشته، حيث قال: " - ودولة الخلافة القائمة قريبا - إن شاء الله - هي التي بيدها الحل الناجع لجميع المشاكل إقتصادية كانت أو غيرها لأنها دولة السيادة للشرع والسلطان للأمة ولها خليفة واحد يتبنى الأحكام الشرعية ويبايع على كتاب الله وسنة رسوله فيراقب الله في جميع أعماله هو والأمة فتنتظم الحياة كما أرادها الله سبحانه وتزدهر في جميع شؤونها.
{ ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز } "
من أراد أن يحصل على هذا الكتيب فيمكنه ذلك من خلال موقع أمير حزب التحرير وذلك بزيارتكم لموقع المكتب الإعلامي لحزب التحرير.
وإلى أن نلقاكم مع كتاب آخر، هذا أخوكم أبو عبد الله التحريري يستودعكم الله تعالى الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.