وقفة تأمل مع الفرحين لفوز الدكتور مرسي برئاسة مصر
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
اللهم نسألك الثبات في الدنيا والآخرة ، وأن لا نقول إلا الحق ..
أما بعد ، إنني والله حزين ، وآسف ، ومهموم في وقت فرح فيه الملايين ، واستاء فيه ملايين آخرون ، ولكن بعض المخلصين يشاركوني هذا الهم ، وهذا الحزن.
فرح الملايين بانتخاب الدكتور محمد مرسي الذي قضى سنوات من عمره في سجن الطغاة ينافح عن دين الله ، ويدعو لحكم الإسلام ، ويرفع شعارا بارقا ينادي بالإسلام هو الحل ، واستاء ملايين آخرون رأو أن وصول الإسلاميين للحكم نذير خطر في بلد أثنى رسول الله على أهله فقال أنهم خير أجناد الله في أرض الكنانة .. وكأني بهم أدركوا أن الإسلام قادم لا محالة فدقوا نواقيس الخطر في أرجاء أوروبا وأمريكا محذرين ومنذرين .. ومتآمرين على هذا الإسلام الذي يتمناه الملايين من أهل مصر وغير مصر من بلاد المسلمين في مشرقها ومغربها.
إن سألتم فيم أنا حزين ولماذا لم تشارك الملايين فرحتهم بوصول الإسلاميين إلى الحكم في أجدر بلد لحمل الإسلام ، وفيها الأزهر الشريف .. خادم الإسلام على مر العصور الزاهرة.
أجيب بما حفظت من كتاب الله ، وسيرة رسوله الأعظم سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الله في كتابه الكريم ، (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)
ويقول رسول الله عليه الصلاة والسلام ، "إن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه"
لنقف أمام هذا النجاح الذي حققه الدكتور مرسي وقفة تأمل ، وأظن أن من حق كل مسلم أن يقف ويسأل ، ومن كان الحق له لا يخشى أن يسأل أو يحاسب ، وقد كان الدكتور مرسي قد قال في خطابه الرئاسي الأول ، مقولة سيدنا أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عندما تولوا الخلافة على المسلمين ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم .. وطاعة الله تكون باتباع شرعه والاهتداء بهديه وتطبيق أحكامه ، وإن من حفظ القرآن عن ظهر غيب أجدر بمعرفة أحكامه ومعرفة المحكم منه والمتشابه ، ومن تولى هذا المنصب أقدر على حشد المستشارين المؤتمنين والفقهاء الربانيين ليبينوا له الحق فيتبعه ويقود الأمة به.
أما وأنه ثبت في كتاب الله الكريم أنه من لم يحكم بما أنزل الله .. فهو واحد من ثلاثة ، كافر أو فاسق أو ظالم .
وقد ثبت في كتابه الكريم أنه ( إن الحكم إلا لله أمر ) .. وأنه ( له الخلق والأمر )( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وأن ( الدين عند الله الإسلام ) وأنه ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
أما وأنه قد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه ما قبل المساومة في دين الله لمصلحة أو لمكسب آني شخصيا كان لنفسه أو لصحابته على حساب دينه ، حتى اشتهر قوله عليه الصلاة والسلام لعمه " والله يا عم لو وضعو الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه "
وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه عندما عرض نفسه على القبائل طالبا نصرتها جاءه العرض من بني عامر بن صعصعة، حيث قال له رجل منهم: (أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظفرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك)؟ فيرفض الرسول هذا العرض بكل ثقة أن الأمر لله يضعه حيث يشاء.
ثم تأتي الفرصة الأكثر إغراء...حين عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على بني شيبان، وهم من قبيلة قوية ذات منعة. وتلا عليهم القرآن فمالوا إلى نصرته حتى قال له المثنى بن حارثة:
(إنما نزلنا على عهدٍ أخذه كسرى علينا؛ ألا نحدث حدثًا، ولا نؤوي محدثًا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤيدك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا). أي أنهم استعدوا لنصرته على العرب لكن ليس على الفرس. فهل قبل رسول الله على أمل أن يقنعهم بالتخلي عن هذا الشرط لاحقاً؟ لا بل رفض اشتراطهم وكان مما قاله لهم: ((إن دين الله لن ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه)).
وبعد أيها السادة الفرحون ، على ماذا تفرحون وأنتم ترون كيف يلبس عليكم إسلامكم بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان ، وبشروط ليست من كتاب الله ، وبعقد باطل ووكالة فاسدة على غير ما يرضي الله ..
إنكم يا أهل مصر ، كنانة الله في أرضه انتخبتم الدكتور مرسي ليس لشخصه ، فقد كان قبله خيرت الشاطر ، وكان معه عبد المنعم أبو الفتوح وكلهم من رحم الإخوان المسلمين ، وكان ظاهرا على حملاتهم الانتخابية إرادة ترجيح كفة الإسلام في مصر ، ولكنهم ألبسو هذا الإسلام ثوبا غير ثوب رسول الله عليه الصلاة والسلام ، واستغفلوا البسطاء من الناس بوعود لا يمكنهم تحقيق شيئ منها ، في الوقت الذي يصرحون فيه جميعا بما يخالف شرع الله صراحا .
يمكن لمن أراد البحث عن مبررات لأي فعل مشين أن يجدها ويمكن أن تنطلي على البعض بعض المبررات لبعض الوقت ، ولكن هل يمكن أن تنطلي هذه المبررات على الجميع ، وهل يمكن أن يتسمر هذا الخداع مدى الدهر ، ؟ بالتأكيد لا ، وسيأتي اليوم الذي يستوعب الناس فيه الدرس كما استوعبوه قبيل الثورات المباركة ، حين أدركوا أن هؤلاء الحكام لم يكونوا منهم وأنهم خدعوهم وامتصوا دماءهم ونهبوا خيراتهم ، وقد يأتي الآن من يوفر لهم بعضا من العيش الهنيء أو يكون نزيها في إدارته فيحارب الفساد وينظف الدوائر الحكومية من المفسدين ، وغير ذلك من الوعود المنتظرة ، ولكنه بالتأكيد لن يوفر لهم السعادة والطمأنينة ، لأنها لا تكون إلا برضوان الله ، وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من ضنك العيش إن نحن أعرضنا عن ذكره ، فقال ، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًاوَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)،، فكيف يكون الحكم بغير ما أنزل الله مخرجا لهذه الأمة من هذا الضنك التي هي فيه الآن ، وفي هذا صريح مخالفة لسنة الله سبحانه وتعالى. وقد أوهمونا بتصريحاتهم أن الحكم بما أنزل الله الآن ليس في مصلحة مصر ، وكانوا قد وثقوا الوعود للغرب من قبل أنهم معتدلون في إسلامهم ، ليرضى عنهم الغرب وأعوانه.
يقولون أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فليكن الحكم بيننا وبينكم كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وليس غير ذلك ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) . ونرجو أن يكونوا في هذه عند حسن الظن به ، ولا يخلفوها ويتبرأوا منها عندما يشتد بهم الوطيس في المحاسبة على تنازلاتهم وتهاونهم في دين الله وتعاونهم مع الكفار أو قبولهم بالكفر الصراح في الدستور أو الحكم.
لا أريد هنا تحليل خطابه يوم الأربعاء 14/06/2012 ، والذي لم يذكر الإسلام فيه إلا عابرا في مقابل النصرانية وأكد على عروبة مصر ولم يذكر إسلاميتها ، وجاء على الوطن العربي ولم يجرؤ على ذكر العالم الإسلامي، ولا حتى بصفة الجوار ..
ولا أريد تحليل خطابه الرئاسي الأول الذي جاء في مجمله لطمأنة العلمانيين في الخارج وفي داخل البلد الإسلامي أن لهم مرتعا ومقاما أمينا، وأن مشكلته مع الفلول الذين كدروا عيش المسالمين وكأنه لم يدرك أن هؤلاء العلمانيين هم رأس الفلول وقمته ..
يكفينا أن نسمع منه ما قاله أنه جاء لبناء دولة مصر الوطنية الديمقراطية الحديثة ، عائدا بنا إلى ما نهى عنه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام ، وما وصفه بالمنتن ، دعوة الوطنية الجاهلية ، وكأني بالمحتفلين بفوزه قد فاتهم أن يسمعوا قوله : سنحافظ على المعاهدات والمواثيق الدولية ، لقد جئنا للعالم برسالة سلام ،، ويكرر هذا مرات ومرات ، وقد كان سبقها أقوال أخرى يندى لها الجبين ، وعلى رأسها أنه اعتبر فوزه عيدا للديمقراطية ، وافتتح الخطاب بآيه أقر بها الفرحة بعيد الديمقراطية ، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
حتى عند الحديث عن الشهداء مسخ تضحياتهم لتكون ثمنا للحرية ومن أجل مصر ، وليس لإعلاء كلمة الله ، وهو يعلم أن الشهيد هو من مات لتكون كلمة الله هي العليا ، ولكن الله أعلم منه بنيات الشهداء الذين قضوا من أجل أن يصل إلى الحكم مسلم يحكم بما أنزل الله ، وليس ديمقراطيا متحررا من كتاب الله ، ويعيد التأكيد على ديمقراطية مصر ووطنيتها في قوله ، في قوله إننا كمصريين ، مسلمين ومسيحيين ، ويتعهد بأن يحافظ على حدود الدولة المصرية ، وعدم التدخل في شؤون أي دولة أخرى .
أحب هنا أن أقرأ على مسامعكم كلمات كتبها أخي الدكتور إياد قنيبي في حديث مستنير في موضوع "الآن فاز مرسي فما رأيكم " حيث قال في ختام مقاله وأتمنى على القارئ الكريم أن يتجرد من التعصب الذي يعمي ويصم. فنحن لسنا في مقام الشماتة ولا التعصب ولا الانتصار لجماعة بحق أو باطل...نحن الآن أمام خطر كبير، خدر شعورَنا به هذا "الانتصار" الموهوم...وليس المجلس العسكري، ومن ورائه قوى الغرب إلا أداة الله في هذه الخطر. أما الخطر ذاته فهو خذلان الله لنا. خَذَلْنا شريعته، فخذلنا. فلا أرى إلا أن تكاليف ضخمة ستُدفع من قِبل من رفضوا أن يؤدي ضريبة الكرامة. رئاسة مرسي لن تدفع هذا الخطر. بل المسألة تحتاج توبة...وتوبة من المشايخ والـ"إسلاميين" بالمقام الأول...نعم، توبة...لم تكن المسألة اجتهادا خاطئا يؤجرون عليه وانتهت المسألة. بل رأينا خليطا من الوهن وخوف التضحية وقلة التوكل على الله والتعلق بالأسباب وإرضاء الناس بسخط الله. ولا أريد هنا أن أَسمع كلاما عن هيبة المشايخ ومكانة العلماء والطبطبة على "الإسلاميين". فقضيتنا الآن هي فهم سنن الله تعالى والتوقي من الخطر القادم وإحسان الظن بالله عند وقوع هذه العقوبة، وأن ندرك يومها، يوم نقول: ((أنى هذا))...ندرك أنها ((من عند أنفسكم)).
نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل
اللهم رد المسلمين إلى دينك ردا جميلا، واستعملهم ولا تستبدلهم، ودبر لهم فإنهم لا يحسنون التدبير.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير
أبو فراس