الأحد، 22 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح36 الأمر بالصبر والمصابرة والمرابطة ج1

بسم الله الرحمن الرحيم


(يا أيها الذين آمنوا اصبر‌وا وصابر‌وا ور‌ابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). (آل عمران 200)


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نصغي وإياكم إلى نداء من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, ومع النداء الثامن عشر نتناول فيه الآية الكريمة المائتين من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبر‌وا وصابر‌وا ور‌ابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). نقول وبالله التوفيق:


يقول صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: "ثم تجيء الآية الخاتمة تلخص التوجيهات الإلهية للجماعة المسلمة، وتمثل خصائصها المطلوبة، وتكاليفها المحددة، والتي بها يكون الفلاح، وهو ختام يناسب محور السورة الأصيل، وموضوعاتها الرئيسة، ويتسق معها كل الاتساق. ثم يجيء الإيقاع الأخير، في نداء الله للذين آمنوا، وتلخيص أعباء المنهج وشرط الطريق، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبر‌وا وصابر‌وا ور‌ابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).


أيها المؤمنون:


إنه النداء العلوي للذين آمنوا، نداؤهم بالصفة التي تربطهم بمصدر النداء. والتي تلقي عليهم هذه الأعباء، والتي تؤهلهم للنداء, وتؤهلهم للأعباء، وتكرمهم في الأرض, كما تكرمهم في السماء: (يا أيها الذين آمنوا). النداء لهم للصبر والمصابرة، والمرابطة، والتقوى .. وسياق السورة حافل بذكر الصبر وبذكر التقوى، يذكران مفردين، ويذكران مجتمعين، وسياق السورة حافل كذلك بالدعوة إلى الاحتمال والمجاهدة ودفع الكيد وعدم الاستماع لدعاة الهزيمة والبلبلة، ومن ثم تختم السورة بالدعوة إلى الصبر والمصابرة، وإلى المرابطة والتقوى، فيكون هذا أنسب ختام.


والصبر هو زاد الطريق في هذه الدعوة. إنه طريق طويل شاق، حافل بالعقبات والأشواك، مفروش بالدماء والأشلاء، وبالإيذاء والابتلاء، الصبر على أشياء كثيرة: الصبر على شهوات النفس ورغائبها، وأطماعها ومطامحها، وضعفها ونقصها، وعجلتها وملالها من قريب! والصبر على شهوات الناس ونقصهم وضعفهم وجهلهم وسوء تصورهم، وانحراف طباعهم، وأثرتهم، وغرورهم، والتوائهم، واستعجالهم للثمار! والصبر على تنفج الباطل - يقصد افتخاره بما ليس عنده- والصبر على وقاحة الطغيان، وانتفاش الشر، وغلبة الشهوة، وتصعير الغرور والخيلاء! - يقصد الغطرسة واستحقار الآخرين- والصبر على قلة الناصر، وضعف المعين، وطول الطريق، ووساوس الشيطان في ساعات الكرب والضيق! والصبر على مرارة الجهاد .. لهذا كله، وما تثيره في النفس من انفعالات متنوعة، من الألم والغيظ، والحنق - وهو السخط وشدة الغيظ والغضب- والصبر على الضيق، وضعف الثقة أحيانا في الخير، وقلة الرجاء أحيانا في الفطرة البشرية والملل والسأم واليأس أحيانا والقنوط! والصبر بعد ذلك كله على ضبط النفس في ساعة القدرة والانتصار والغلبة، واستقبال الرخاء في تواضع وشكر، وبدون خيلاء وبدون اندفاع إلى الانتقام، وتجاوز القصاص الحق إلى الاعتداء! والبقاء في السراء والضراء على صلة بالله، واستسلام لقدره، ورد الأمر إليه كله في طمأنينة وثقة وخشوع.


أيها المؤمنون:


والصبر على هذا كله - وعلى مثله - مما يصادف السالك في هذا الطريق الطويل، لا تصوره حقيقة الكلمات. فالكلمات لا تنقل المدلول الحقيقي لهذه المعاناة، إنما يدرك هذا المدلول من عانى مشقات الطريق وتذوقها، انفعالات وتجارب ومرارات! والذين آمنوا كانوا قد ذاقوا جوانب كثيرة من ذلك المدلول الحقيقي فكانوا أعرف بمذاق هذا النداء. كانوا يعرفون معنى الصبر الذي يطلب الله إليهم أن يزاولوه، والمصابرة - وهي مفاعلة من الصبر - مصابرة هذه المشاعر كلها، ومصابرة الأعداء الذين يحاولون جاهدين أن يفلوا من صبر المؤمنين .. مصابرتها ومصابرتهم، فلا ينفد صبر المؤمنين على طول المجاهدة، بل يظلون أصبر من أعدائهم وأقوى: أعدائهم من كوامن الصدور، وأعدائهم من شرار الناس سواء، فكأنما هو رهان وسباق بينهم وبين أعدائهم، يدعون فيه إلى مقابلة الصبر بالصبر، والدفع بالدفع، والجهد بالجهد، والإصرار بالإصرار، ثم تكون لهم عاقبة الشوط بأن يكونوا أثبت وأصبر من الأعداء. وإذا كان الباطل يصر ويصبر ويمضي في الطريق، فما أجدر الحق أن يكون أشد إصرارا, وأعظم صبرا على المضي في الطريق!. (لم ينته الاقتباس)


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ‏العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا ‏وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


محمد احمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع