نداءات القرآن الكريم للذين آمنوا ح37 النداء الثامن عشر الأمر بالصبر والمصابرة والمرابطة الجزء الثاني
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). (آل عمران 200)
الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: في هذه الحلقة نتابع النداء الثامن عشر نتناول فيه الآية الكريمة المائتين من سورة آل عمران التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون). نقول وبالله التوفيق:
يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "والمرابطة: الإقامة في مواقع الجهاد، وفي الثغور المعرضة لهجوم الأعداء، وقد كانت الجماعة المسلمة لا تغفل عيونها أبدا، ولا تستسلم للرقاد! فما هادنها أعداؤها قط، منذ أن نوديت لحمل أعباء الدعوة، والتعرض بها للناس. وما يهادنها أعداؤها قط في أي زمان أو في أي مكان وما تستغني عن المرابطة للجهاد، حيثما كانت إلى آخر الزمان!
أيها المؤمنون:
إن هذه الدعوة تواجه الناس بمنهج حياة واقعي. منهج يتحكم في ضمائرهم، كما يتحكم في أموالهم، كما يتحكم في نظام حياتهم ومعايشهم. منهج خير عادل مستقيم. ولكن الشر لا يستريح للمنهج الخير العادل المستقيم، والباطل لا يحب الخير والعدل والاستقامة، والطغيان لا يسلم للعدل والمساواة والكرامة .. ومن ثم ينهد -أي يبرز- لهذه الدعوة أعداء من أصحاب الشر والباطل والطغيان، ينهد لحربها المستنفعون المستغلون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الاستنفاع والاستغلال، وينهد لحربها الطغاة المستكبرون الذين لا يريدون أن يتخلوا عن الطغيان والاستكبار، وينهد لحربها المستهترون المنحلون؛ لأنهم لا يريدون أن يتخلوا عن الانحلال والشهوات .. ولا بد من مجاهدتهم جميعا ولا بد من الصبر والمصابرة، ولا بد من المرابطة والحراسة، كي لا تؤخذ الأمة المسلمة على غرة من أعدائها الطبيعيين الدائمين في كل أرض وفي كل جيل.. هذه طبيعة هذه الدعوة، وهذا طريقها، إنها لا تريد أن تعتدي، ولكن تريد أن تقيم في الأرض منهجها القويم ونظامها السليم .. وهي واجدة أبدا من يكره ذلك المنهج وهذا النظام، ومن يقف في طريقها بالقوة والكيد، ومن يتربص بها الدوائر، ومن يحاربها باليد والقلب واللسان .. ولا بد لها أن تقبل المعركة بكل تكاليفها، ولا بد لها أن ترابط وتحرس ولا تغفل لحظة ولا تنام!! والتقوى .. التقوى تصاحب هذا كله. فهي الحارس اليقظ في الضمير يحرسه أن يغفل، ويحرسه أن يضعف، ويحرسه أن يعتدي، ويحرسه أن يحيد عن الطريق من هنا ومن هناك.
أيها المؤمنون:
ولا يدرك الحاجة إلى هذا الحارس اليقظ، إلا من يعاني مشاق هذا الطريق، ويعالج الانفعالات المتناقضة المتكاثرة المتواكبة في شتى الحالات وشتى اللحظات، إنه الإيقاع الأخير في السورة التي حوت ذلك الحشد من الإيقاعات، وهو جماعها كلها، وجماع التكاليف التي تفرضها هذه الدعوة في عمومها .. ومن ثم يعلق الله بها عاقبة الشوط الطويل، وينوط بها الفلاح في هذا المضمار قال تعالى: (لعلكم تفلحون). وصدق الله العظيم. (انتهى الاقتباس).
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا همومنا وغمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا وعلمنا منه ما جهلنا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا واجعله حجة لنا لا علينا اللهم آمين آمين يا رب العالمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد احمد النادي