السبت، 30 ربيع الثاني 1446هـ| 2024/11/02م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مقالة للخروج من الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد

بسم الله الرحمن الرحيم


قامت ثورة 25 يناير لتغيير الواقع المظلم، والحكم المتجبِّر الذي جثم على صدر الناس في مصر لعقود طويلة، وبرغم أن الثوار رفعوا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" من اللحظة الأولى لانطلاقة الثورة، لكن الذي حدث هو دحرجة رأس النظام من على كرسيه، بينما ظل نظام الحكم كما هو قائما على الأساس الفاسد الذي أسس له الاستعمار في بلادنا بعد أن قضى على الدولة الإسلامية دولة الخلافة سنة 1924م، على يد مجرم هذا العصر، مصطفى كمال الملقب بأتاتورك، فقام الغرب الكافر حينها وقبلها بقليل بتقطيع أوصال الدولة الإسلامية إلى دول ودويلات ومشيخات، وإمارات هزيلة لا حول لها ولا قوة، تستمد أمانها من أمان الكفار الذين أقاموها على عقيدة تخالف عقيدة الإسلام، على عقيدة فصل الدين عن الدولة، فأقاموا أنظمة جمهورية أو ملكية تقوم على العلمانية، فكانت دولا منفصلة عن عقيدة الأمة، العقيدة الإسلامية التي توجب مزج المادة بالروح.


لقد استطاع الغرب الكافر أن يفتت الأمة الواحدة إلى شعوب وقبائل متناحرة، بعد أن كان الإسلام قد صهرها في بوتقته فأوجد منها أمة واحدة من دون الناس، فأوجد أحزابا تقوم على فكرة القومية والوطنية مزقت الأمة شر ممزق. ولذا انشغل كل شعب من شعوب الأمة بقضيته ومشاكله، وإن تحركت مشاعر شعب من الشعوب تجاه قضية من قضايا الأمة، فما تلبث أن تخفت وتضمحل حركتهم حتى تنتهي إلى الجمود واليأس. ولكن الثورات التي هبت جوالة في بلاد العرب، بداية من تونس ومرورا بمصر وليبيا واليمن، وليس انتهاءً بسوريا، بدأت تعيد للأمة لُحمتها من جديد، فأدركت الأمة أن ما يحدث في تونس ينتقل صداه إلى مصر، وما يتفجر في مصر تنتقل شرارته إلى سوريا. والغرب الكافر عدو الأمة يرقب كل حركات وسكنات الأمة، ويتابع كل شاردة وواردة، ولا يريد للأمة أن تتحرك نحو هدف واحد يجمعها، لا يريد لها أن تلتفت إلى نظام الحكم في الإسلام -الخلافة- التي توحد كلمتها، وتجمع شملها، وتلم شعثها وتحفظ ثرواتها، وتقف في وجه أعدائها. هو يريدها أن تلهث وراء أنظمته الديمقراطية ودستوره العلماني، ونحن نقول له: ألا يشهد نظامكم الرأسمالي الديمقراطي فشلاً ذريعاً؟! أفنستنسخ تجارب الغرب الفاشلة لنعيد بلادنا إلى دوامتهم، بينما الدولة التي ارتضاها لنا رب العالمين والدستور الذي شرعه لنا بين أيدينا؟!


إننا نربأ بأهل الكنانة أن يسقطوا في مستنقع العلمانية العفنة، وأن ينجروا لما تخطط له أمريكا فيقعوا في فخ جعل الإسلام عدوا، أتقبلون يا أهل الكنانة أن توجه الإهانة لأبسط مظاهر الإسلام - اللحية والنقاب؟! أترضون بقبول الإسلام متهما؟ فيا أهلنا الطيبين، المحبين للإسلام! احذروا السقوط في فرية أن فشل فصيل معين -رفع الإسلام مجرد شعار ولم يطبق منه شيئاً- هو فشل للإسلام، فدين رب العالمين هو دين الحق الذي أنزله رب العالمين على رسوله الأمين ليكون رحمة للعالمين، فلا يمكن أن يفشل الإسلام، فقد أناط به رب العالمين أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط مستقيم، يقول تعالى: "قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ "{المائدة16}.


وإننا إزاء هذا الواقع الأليم الذي نراه اليوم، من انقسام حاد بين طرفين ليس للإسلام أي دخل فيه، بل إننا نرى الطرفين يقفان على أرضية واحدة هي أرضية الدولة الجمهورية الديمقراطية العلمانية، التي لا تحمل مشروعا نهضويا لأمة كانت بإسلامها خير أمة أخرجت للناس. طرف كان يتمسك بتلك الدولة، وهو جالس على كرسي الحكم الوثير، وطرف آخر يتمسك أيضا بتلك الدولة، وهو طامع في الوصول للجلوس على هذا الكرسي الوثير بأي طريق، ولو خالف الديمقراطية التي يؤمن بها.


إننا إزاء هذا الواقع نقول إن مشروع حزب التحرير السياسي لنظام الحكم الذي يدعو إلى تطبيقه، بدلا من تلك الدولة المهترئة التي هي سبب كل بلاء يعاني منه أهل مصر، هو المشروع الذي يجب أن يوضع موضع التطبيق، ولذلك فانطلاقا من حرصنا على أهلنا في مصر الكنانة ورغبتنا في أن تتخلص من التبعية الأمريكية الواضحة، ليس إبان حكم المخلوع وما قبله، وبل وحتى إبان حكم ما بعد الثورة، ذلك الحكم الذي كرَّس لتلك الهيمنة بشكل فج غير مقبول، ويكرس لها أكثر بعد 3-7-2013م بانقلاب الجيش على تلك الديمقراطية المزعومة التي رضي بها نظام ما بعد الثورة شبه الإسلامي. ولذا فنحن نقول:


1- إن النظام الجمهوري نظام مرفوض لأنه ليس من عند رب العالمين، وبالتالي هو نظام كفر لا يجوز الحكم من خلاله، إذ إنه يقوم على الديمقراطية التي تعطي سلطة التشريع للجمهور "الشعب"، بينما سلطة التشريع في الإسلام للشرع وحده.


2- نظام الخلافة هو النظام الذي حدده الإسلام لهذه الأمة، والذي يجب أن يكون النظام الحاكم فيها، والأدلة على ذلك مستفيضة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن إجماع الصحابة. وهذه الدولة ليست دولة كهنوتية أو دينية أو مدنية ديمقراطية.


3- هذه الدولة دولة رعاية وليست دولة جباية، وهي ترعى شئون جميع رعاياها بغض النظر عن دياناتهم وألوانهم وأعراقهم، ويقوم نظامها الاقتصادي على ضمان إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد فرداً فرداً إشباعاً كلياً. وأن يُضْمَنَ تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع.


4- وهي دولة يُضمن فيها للرعية كلها الأمن والتعليم والتطبيب وسائر الحاجات الأساسية للجماعة. ويبين دستورها أسباب تملك المال وأسباب تنميته وكيفية إنفاقه وصرفه. كما يبين أنواع الملكيات من ملكيةٍ فرديةٍ إلى ملكية دولةٍ إلى ملكيةٍ عامةٍ كالنفط ومعادن المناجم، حيث يمكّن جميع أفراد الرعية من التمتع بها.

 

ويبين أحكام الأراضي بحيث لا يبقى شبر من الأرض غير مزروع. وستجعل هذه الدولة أساس النقد فيها الذهب والفضة، فتؤمن له استقراراً في سعر صرفه ينسحب استقراراً على أسعار السلع، كما تجعل له أحكام صرفٍ تمنع وقوعها في مثل تلك الأزمات التي وقع بها النظام المالي الرأسمالي. وحددت أحكام التجارة الداخلية التي تقوم بين الأفراد ولا تحتاج إلى مباشرةٍ من الدولة، وأحكام التجارة الخارجية وجعلتها تحت إشرافها. وأجازت إنشاء الشركات بحسب الأحكام الشرعية ومنعتها من الاحتكار، وحرمت الربا وبيع الإنسان ما لا يملكه والغبن الفاحش.


5- الرابطة التي تربط أفراد الرعية في هذه الدولة هي التابعية. فجميع الذين يحملون التابعية للدولة الإسلامية (مسلمين وغير مسلمين) يتمتعون بحق الرعاية كاملاً، ولا يجوز للدولة أن تمارس أي تمييزٍ بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشئون.


6- هذه الدولة يقوم أساس التعليم فيها على العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس. وسياسة التعليم فيها هي تكوين العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية، فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه السياسة.

 

والغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية الإسلامية وتزويد الناس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة. فتجعل طرق التعـلـيم على الوجه الذي يحقق هذه الغاية وتمنع كل طريقة تؤدي لغير هذه الغاية.


7- لا يجوز في هذه الدولة لأي فرد، أو حزب، أو كتلة، أو جماعة، أن تكون لهم علاقة بأية دولة من الدول الأجنبية مطلقاً. والعلاقة بالدول محصورة بالدولة وحدها، لأن لها وحدها حق رعاية شؤون الأمة عملياً، الداخلية والخارجية منها. وعلى الأمة والتكتلات أن تحاسب الدولة على هذه العلاقة الخارجية. وحمل الدعوة الإسلامية هو المحور الذي تدور حوله السياسة الخارجية، وعلى أساسها تبنى علاقة الدولة بجميع الدول.


ونحن في حزب التحرير أخذنا على أنفسنا أن نكون الرائد الذي لا يكذب أهله، الذي يعمل بين الأمة الإسلامية ومعها في جميع أقطارها وليس في مصر الكنانة فحسب، ليقودها حتى تتبوأ مكانتها الصحيحة التي يجب أن تكون عليها والتي اختارها لها رب العالمين "خير أمة أخرجت للناس". والحزب في سعيه لتلك الغاية لا يحمل مفهوم الحزب الحاكم، بل هو إذا أقام الخلافة بالطريقة الشرعية، ومن ثم كان الخليفة منه، فإنه لا يكون خليفة للحزب، بل خليفة للمسلمين يرعى شؤونهم بالعدل، قولاً وفعلاً... ثم إذا شغر مركز الخليفة بعد ذلك، فالأمة تختار "رجلاً من المرشحين تتوفر فيه الشروط الشرعية" تبايعه على السمع والطاعة، يكون خليفةً للمسلمين لا لحزبٍ من الأحزاب، ويبقى حزب التحرير سواء بويع مرشحه للخلافة أم بويع غيره من صفوف الأمة، يراقب معها سير الحكم والدولة ناصحاً ومقترحاً وناقداً ومحاسباً. هذا هو الطريق الوحيد الذي سيخلص أهل مصر وسائر بلاد المسلمين، بل والعالم أجمع مما هو فيه من ظلم وشقاء وتقاتل وتشاحن وتباغض، فيعيش الناس جميعا في ظل دولة الخير، دولة الخلافة التي كانت بحق منارة الدنيا وزهرتها المتفتحة ونورها المشرق طوال أكثر من ثلاثة عشر قرنًا.


قال تعالى: (﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ))[القصص4]

 

 

 

شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع