مقالة هل بالتنازلِ، تظنونَ أنكم تنتصرون؟
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تغيرت منصة رابعة العدوية، تجددت أصواتها وتحولت شعاراتها، نزُع عنها غطاء «الشريعة» الذي اقترن عند القائمين عليها دائماً بـ(الشرعية)، وحلت محله شعارات ثورية، ليتحول «بانر» المنصة من (ثورة إسلامية ضد الانقلاب) إلى (مع الديمقراطية ضد الانقلاب)، وبعد أن كنا نسمع أدعية وأناشيد إسلامية، بدأت المنصة تبث أغاني وطنية لشادية وعبد الحليم، وبدأنا نسمع من المتصدرين للكلام على المنصة تبريرات متهافتة لهذا التغيير من مثل قول أحدهم (لازم الفكر يتغير ويعلم الجميع أن الثورة مصرية وتحمل جميع الأطياف والألوان، ما ينفعش واحدة مسيحية تطلع تتكلم وفي خلفيتها شعار الثورة الإسلامية، هو ده اللي بيخلي الناس تفتكرنا مدعين، ويتهمونا إننا بنجيب الناس ونأجرهم)، وقول آخر (الحل الوحيد للخروج من المأزق ده هو تصدير ثورة شعبية وليست إسلامية). إلى هذا الحد وصل التنازل والانبطاح، وكأنهم يظنون أنهم بهذا التنازل ينتصرون، وكأنهم لا يتعلمون أبدا، قال تعالى:( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة126]. فبتلك الديمقراطية لم يستطع الدكتور مرسي أن يتصرف كحاكم حقيقي، فبها لم يستطع أن يقيل نائبا عاما، كان من أركان نظام فاسد ثار الناس عليه، وبها لم يستطع أن يزيل الفاسدين والمفسدين في الدولة العميقة ولا أن ينفذ شيئاً واحداً من وعوده الكثيرة، ولا حتى أن يضع إعلانا دستوريا نافذا فعالاً يطبق كما هو، ثم انقلب عليه دعاة الديمقراطية والعلمانية الذين راهن عليهم طوال حكمه وأطاحوا به في خطة مبيتة، وداسوا على ما يتشدقون به من ديمقراطية بالنعال!
فإن أردتم أيها المعتصمون في رابعة العدوية تطبيق الإسلام حقاً فلن تجديكم الديمقراطية نفعا! والله الذي لا إله إلا هو إنها لمفارقات عجيبة:
1- فلقد بلغ التنازل بالقائمين على المنصة مبلغا عظيما، فبرغم إدراكهم أن الديمقراطية التي عادوا ليرفعوا لواءها قد سقطت مرارا وتكرارا في امتحانات عدة، في الجزائر وفي غزة، ومصر. فطالما كانت نتيجتها وصول من يرفع شعارات إسلامية إلى الحكم، فهي غير مقبولة، هذه هي الديمقراطية، إلا أنهم ما زالوا يتشبثون بها، لعل الغرب يرضى عنهم، ويعيدهم إلى مركزهم الذي فقدوه، حراسا أمناء لديمقراطية الغرب الزائفة.
2- لقد بلغت الحيرة بأصحاب تيار الإسلام المعتدل مبلغا عظيما، فأصبحوا على قناعة بأن تأشيرة وصولهم إلى الحكم هي أن يكونوا "ملكيين أكثر من الملك"، أقصد ديمقراطيين أكثر من الديمقراطية. لقد تجاوز الغرب تلك الديمقراطية بعد فشلها في بلاده، وبدأ يفتش عما بعد الديمقراطية، لعله يستطيع أن يعيش أياما أو شهورا أو سنين قبل أن يفلس إفلاساً تاماً، فيسقط صريعا لا حول له ولا قوة.
لقد أصبح هؤلاء ممن يسمون بالإسلاميين المعتدلين لا يرون إمكانية وصول الإسلام إلى الحكم من خلال رفع قيمه وأفكاره وأحكامه وشعاراته عالية دون خوف أو حياء، فجعلوها في الأعماق، في مكان سحيق لا يستطيع أحد الوصول إليه، ورفعوا بديلا عنها شعار الديمقراطية، فكانوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، قال تعالى:( وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [النحل 92]، فبعد أن كاد الناس أن يلتفوا حولهم نصرة للشريعة كما قالوا، نكصوا على أعقابهم فرفعوا لواء الديمقراطية، قال مجاهد في تفسير هذه الآية، أي تحلفون للناس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنوا إليكم، فإذا أمكنكم الغدر بهم غدرتم، فنهى اللّه عن ذلك لينبه بالأدنى على الأعلى، قال ابن عباس: أن تكون أمة هي أربى من أمة أي أكثر، وقال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز فنهوا عن ذلك.
3- لقد رأيتم وسمعتم ما قاله أصحاب تلك الديمقراطية التي يتبجحون بأنهم يحترمونها، لقد قالوا أن ما حدث في 30-6 ليس انقلابا عسكريا، وبرغم ذلك ما زلتم تراهنون عليهم، لقد رأيتم البغضاء في أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، ولكنكم ما زلتم تطلبون رضاهم، أهذا ما تعلمتموه من هذه التجربة؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين"، فأين أنتم من إسلامكم العظيم؟ ألا تصدقون أنكم الأعلون وقد قالها ربكم في محكم التنزيل، (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران139].
4- الحق سبحانه وتعالى يقول:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)" [البقرة208-209]. وهي دعوة للمؤمنين باسم الإيمان. بهذا الوصف المحبب إليهم، والذي يميزهم ويفردهم، ويصلهم بالله الذي يدعوهم...، هي دعوة للذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة، أي في الإسلام بكل أحكامه وشرائعه، وألا يتخلوا عن شيء منه، ولكن للأسف الشديد فإن لسان حالكم يقول، (ادخلوا في الديمقراطية كافة، ولا تتبعوا آيات الرحمن)، أيستقيم هذا الكلام وأنتم قائمون كل يوم بين يدي الرحمن تصلون الصلوات الخمس، وتزيدون عليها صلاة القيام والتهجد؟ تسمعون تلك الآيات فتفيض أعينكم من الدمع! أليس هذا منتهى التناقض الذي نربأ بكم أن تقعوا فيه؟! فلتتوبوا إلى الله ولتتبرؤوا من تلك الديمقراطية المخالفة لشرع الله، فهي من أوصلتنا إلى هذا المنحدر الفظيع، الذي لن يخرجنا منه إلا الإسلام العظيم الذي يجب أن نعض عليه بالنواجذ.
5- يقول الحق سبحانه وتعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد 7] ونصرنا لله يكون باتباع شرعه في كل كبيرة وصغيرة، وفي العمل الجاد المخلص لوضع شريعته سبحانه وتعالى موضع التطبيق في ظل خلافة على منهاج النبوة، لنحمل بعد ذلك رسالة الإسلام دعوة للعالم نخرجهم بها من ظلمات الرأسمالية وعفن الديمقراطية إلى نور الإسلام. وليس بالخجل من مجرد رفع شعار على بانر يقول "ثورة إسلامية ضد الانقلاب". هل تظنون أنكم بهذا قد أرضيتم عدوكم؟ لا والله! لن يرضى بهذا عدوكم! فهو لا يرضى بأقل من أن نتبع ملتهم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب دخلناه وراءهم، فلا تنشغلوا بإرضاء أعدائكم، واعملوا على إرضاء ربنا وربكم، فهو مولانا الذي لا مولى لنا غيره، فنعم المولى ونعم النصير! قال تعالى:( بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران150].
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية مصر