السبت، 30 ربيع الثاني 1446هـ| 2024/11/02م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

متى تنتصر الثورة في سوريا ج2

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وهنا يمكننا الجزم بأن خفوت صوت هذا الفريق الثاني رغم الدعم الدولي الكبير الذي يتلقاه عبر أموال وإعلام ودعم سياسي هو شرط لتمكين الثورة من السير بطريقها الطبيعي. لكن الأهم هو أن تسير القوى الرئيسية في الثورة في طريقها الطبيعي الشرعي أي طلب النصرة ورفض إنهاء الثورة بالحوار أو مشاركة النظام حكومة انتقالية أو غير ذلك مما يحاك، دون الالتفات إلى الفريق الثاني الذي لا يكل الإعلام الرخيص عن تقديمه ممثلاً للثورة، أي يسير الفريق الأول بثبات رغم نباح الفريق الثاني المأجور.


وإبصار الطريق المؤدي إلى النصر والقناعة الراسخة للسير به شرط آخر لتحقيق النصر. وهنا مسألة عظيمة الأهمية، إذ ليس من شروط النصر أن تبصره خلف الجبل، وذلك إن النصر من الغيبيات ولا يمكن إبصاره على الإطلاق، إنما يمكن الثقة المطلقة بالوصول إليه عن طريق السير على طريقه.


ولتوضيح ذلك، نضرب بعض الأمثلة من تاريخ الإسلام وتاريخ أمم أخرى. فالرسول الكريم محمد عليه السلام لم يبصر النصر بعقله البشري ولم يكن الله قد أطلعه على موعد النصر، فكان عند عودته غير المظفرة من طلب النصرة في الطائف لا يرى أي قوى ذات بال يمكن أن تقيم الإسلام في جزيرة العرب، وقد ظهر في حالة استيئاس في دعائه المشهور " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربي ورب المستضعفين ، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك" رواه الطبراني.


وهذا الحديث مؤشر أن الرسول الكريم لم يكن يبصر مخرجاً، فأرسل الله له بعد ذلك وفد يثرب لتبدأ عملية تشكيل الأنصار الذين بايعوا الرسول الكريم على نصرة الإسلام، وهكذا ودون مؤشرات تحققت للرسول عليه السلام النصرة وبنيت بعد فترة وجيزة الدولة الإسلامية الأولى وسادت الأرض.


وفي روسيا قام لينين بثورة فاشلة في أيار سنة 1917، ويروِ تاريخ الحزب الشيوعي السوفييتي أن لينين كان يقدر إمكانية الثورة القادمة على قيصر روسيا بعد 3 سنوات، فإذا برئيس وزراء القيصر يتصل به وينسق معه وأعطاه سراً مفاتيح كثيرة للدولة القيصرية فكانت ثورة الحزب الشيوعي الروسي ظافرة في تشرين ثاني من نفس العام، وبنيت دولة الاتحاد السوفييتي العتيدة. وفي الصين حاربت دولة الصين الوطنية الحزب الشيوعي الصيني حرباً ضروساً وبقيت تطارده مسيرة الألف ميل، وخلال تلك المسيرة الدموية فقد تناقص عدد الحزب الشيوعي من مليون عضو مقاتل إلى عشرة آلاف، وحينها دب اليأس في نفوس أتباع ماوتسي تونغ الذين سألوه عن المستقبل، فأجابهم بأن الحزب سيستعيد قواه ويتهيأ للثورة مجدداً بعد 5 سنوات، ولم يكن ماوتسي تونغ ولا حزبه يدرك ما يدور في أروقة السياسة الأمريكية، فقد كانت أمريكا تبحث عن سياسات استراتيجية لضرب روسيا الشيوعية، وأخيراً استقر الرأي في أمريكا على دعم بناء الصين دولة شيوعية لتقف على قدميها وتناهض روسيا، وفعلاً أخذت المساعدات الأمريكية تتدفق سراً على الحزب الشيوعي الصيني لدرجة أثارت حكومة الصين الوطنية التي صرحت بأن أمريكا لا تفهم ما تقوم به، فهي تناهض الشيوعية وتدعم الحزب الشيوعي الصيني، فكيف ذلك؟ وهكذا أضعفت السياسة الأمريكية المندفعة وقتها حكومة الصين وعملت على تقوية الحزب الشيوعي ليستطيع ماوتسي تونغ القيام بالثورة في فترة لم تتعد العام ويسيطر على مقاليد الحكم في بكين ويصبح عدواً لدوداً لروسيا وشيوعيتها الماركسية وكذلك للرأسمالية وأمريكا، ومن الجدير التنويه إليه بأن أمريكا لم تدعمه ليكون عميلاً لها، فهذا غير ممكن وهي تعرف ذلك، وإنما اكتفت من الأهداف بوضعه داخل المعسكر الاشتراكي زعيماً قوياً معادياً لروسيا.


هذه أمثلة كبرى على حصول النصر دون توقعه أو رؤية إرهاصاته وقد تغيرت مع هذه الأمثلة حياة أمم وشعوب عبر قرون، ناهيك عن الكثير من الأمثلة اليومية على تحقق النصر في معارك محدودة دون توفر عوامله لخلل لم يكن في الحسبان عند الطرف القوي. وكل هذه القراءات للأمثلة عبر التاريخ تؤكد بأن هناك قوة غير مرئية هي التي تمنح النصر وتحجبه، وإذا كنا لا نرى هذه القوة فإننا كمسلمين نجزم بأنها هي قوة الله تعالى لأنه قد أخبرنا بذلك "وما النصر إلا من عند الله".
وإذا كنا غير معنيين بالتفكير كثيراً بفلسفة النصر عند الأمم الكافرة وكيفية حدوثه، فإننا نعلم يقيناً بأن الكثير من مفكري الغرب وقادته عبر التاريخ يؤمنون بقوة غير مرئية تحقق النصر وقد كان الشيوعيون يسمونها "قوى مادية داخلية تدفع بالمجتمع إلى وضع حتمي جديد"، إلا أننا كمسلمين معنيين وبقوة بمعرفة ذلك من ديننا. فربنا يقول "إن تنصروا الله ينصركم" وهذا هو الشرط الخاص بنا، وهو متحقق قطعاً بغض النظر عن تسليح أمريكا للثورة أو عدمه، فهو شرط وإخبار من رب العزة القوي الجبار بأن النصر بيده، وما علينا إلا أن ننصره حتى ينصرنا.


وإذا كنا نجزم بتحقق النصر، فلنعلم بأن من شروطه الثبات. وإذا كان الله قد حقق لنبيه محمد عليه السلام النصر بعد الثبات وكان تعالى قادراً على تحقيقه لنبيه قبل الثبات ولم يحصل، فإنه من باب أولى أنه لا نصر لنا إلا بعد الثبات، فالثبات هو حالة الفريق الذي يتحقق النصر على يديه. وإذا كنا قادرين على هز أركان الحكم الجبري وهذا حاصل وبقوة الآن، فإن انجاز النصر قريب حتى ولو لم نكن نبصره، ولسنا نعلم أي الثغرات تتجهز الآن لتفتح لننفذ منها ويتحقق النصر، ولسنا نعلم الآن أي القيادات المعادية لا تعرف النوم من الأرق، وهي تبحث عن سبيل الهروب، وعندما تهرب تحصل الثغرة الكبرى التي ننفذ منها ويتحقق النصر، بل ولسنا نعلم الآن أي القيادات التي نعدها معادية قد أخذ يدب فيها إيمان بالله وخوف من لقائه وهي ربما في وضع البحث عنا لتمكيننا من تحقيق النصر.


لكن الذي نجزم به، أن بشارة محمد عليه السلام بتحقيق الخلافة على منهاج النبوة هذا وقتها بعد الحكم الجبري وبعد أن أخذ يهتز وبقوة لدخول المرحلة التالية والتي هي مرحلة الخلافة على منهاج النبوة، ومن مجمل أحاديث المصطفى عليه السلام الخاصة بفضائل الشام نرى بأن الخلافة على منهاج النبوة ستكون الشام موطنها، ونسأل الله أن نكون أهلاً لهذا النصر العظيم الذي سيقلب العالم رأساً على عقب.


بقيت مسألتان: الأولى أن السلاح والذي هو مظنة تحقيق النصر ليس بالضرورة سبباً أكيدا للنصر، فلا نلهث وراء وعود كثيرها كاذب بأن السلاح سيتدفق على الثورة من أمريكا وأوروبا وقطر والسعودية وتركيا، هذا فخ للثورة ومن لم يعط السلاح طوال 30 شهراً لن يعطيه الآن، بل إن أوباما وفي معرض تبريره لعدم الوفاء بوعود التسليح قال:" إن بعضاً من أكثر المقاتلين أو الجماعات المقاتلة نجاعةً على الأرض في سوريا تكن عداءً شديداً للولايات المتحدة" العربية 26/6/2013، وبعد ذلك بيوم حسمت فرنسا موقفها أمام اللاهثين "بأن فرنسا لن تقدم أي سلاح للثورة السورية" بسبب كثافة المتطرفين في الثورة على حد زعمها. ولو كان السلاح سبباً للنصر فهل كان بإمكان المقاومة العراقية وهي تتسلح بالقنابل والأسلحة الخفيفة أن تمرغ عظمة أمريكا في تراب العراق، ولولا دهاء أمريكا باستخدام المال وإيجاد الصحوات لكانت هزيمة أمريكا كبرى ومدويةً في العراق، على الرغم من امتلاك الجيش الأمريكي لأكثر أنواع الأسلحة تقدماً في العالم، فكانت أمريكا ومنذ 2003 وحتى 2008 تصيح على أمل أن تجد لنفسها مخرجاً من العراق.


وأما المسألة الثانية فهي الأخذ بالأسباب، فإن مسألة توكيل النصر لله تعالى وهذا حقيقة وعقيدة، لا يعني أبداً عدم الأخذ بالأسباب، فإن المسلم عامل نشط على تحقيق أسباب النصر الدنيوية ولا يألو جهداً إلا ويقوم به من أجل تحقيق النصر، فإن نصر الله لا يأتي للنائمين وإنما يأتي للواقفين الصامدين المتواجدين بثبات في ساحات العمل لتحقيق النصر، بل لا ينظر أحد في الدنيا للنائمين أو المتواكلين وإنما يوكل الناس قيادتهم للواقفين بصلابة العاملين بأسباب النصر وينتظرون نصر الله مع العمل، وهذه هي فلسفة الثبات، فالثبات ليس الإتكال إلى الراحة وانتظار الأقدار تتحكم بمصائر الناس، بل الثبات هو السير على الطريق وعدم الابتعاد عنه لا لراحة ولا لفخ قد نصب، وإنما التفتيش عن أهل القوة والاتصال بهم ودعوتهم لنصرة الدين والضعفاء واتخاذ كل ما يلزم للوصول إلى ذلك.


على هؤلاء الثابتين ينزل نصر الله الذي نسأله تعالى أن يجعله قريباً وأن ينقي ما في نفوسنا حتى يجعلنا أهلاً له إن شاء الله، حينها تعلو راية العقاب ولواء رسول الله فوق دمشق وحلب وغيرها من مدن الشام، ويبدأ المسلمون في سوريا وخارج سوريا عصر جديد، عصر الخلافة الإسلامية الثانية.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


محمد عايد

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع