مقالة ثورات ومطارات
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قد يكون لسقوط مطار منغ اليوم لما له من أهمية استراتيجية كبيرة ولحجمه الضخم وللتوقيت الذي سقط فيه مغزى سياسي أكثر منه عسكري مع أهميته عسكرياً، ذلك أن النظام استمات في الحفاظ عليه، وقد راقبت أكثر من مرة بأم عيني محاولات قوات السفاح بشار إنزال المؤن والغذاء لقواته المحاصرة في داخله، وقد كانت محاولات يائسة عندما تابعتها آنذاك قبل حوالي الثلاثة أشهر، لأن الثوار استنفروا إمكاناتهم لمنع الطائرات العمودية من الاقتراب من المطار مما دفعها للتحليق عالياً ثم قذف حمولتها من ارتفاع شاهق، فسقطت الحمولة خارج المطار. وقد توقع الناس آنذاك أن يسقط بعد أيام، إلا أن العارفين أكدوا أن المؤن التي في الداخل تكفي قوات الأسد بضعة أسابيع. رغم ذلك فإن سقوطه اليوم أعاد للأذهان أهمية المطارات التي تصب الحمم وقذائف الموت على المدنيين في كل مكان حولها. وذكرتنا بما هو أهم من مطار منغ في الشمال وهو مطار حلب الدولي الذي ما زال النظام يسرح ويمرح فيه. وفي الجنوب مطار دمشق الدولي الذي رغم جهود الثوار للاستيلاء عليه إلا أن النظام يستميت في الدفاع عنه. ولا ننسى مطار اللاذقية غرباً الذي هو مطار العصابة الحاكمة!
قلنا منذ أشهر أن سقوط النظام المجرم المعادي للثورة وللشعب الثائر والمزمع على أن تكون معركته معها هي معركة حياة أو موت، سيتم بعد سقوط هذه المطارات وأهمها على الإطلاق "مطار المزة". فالمطارات هي عصب حياة لهذا النظام الذي يستمد قوته ووجوده من الخارج، فلو أغلقت عليه المنافذ التي هي شرايين حياته لتوقف قلبه الخبيث ولانتهى كما انتهى قدوته شارون.
لهذا فإن وقفة مع سقوط هذا المطار الهام، تدفعنا للتفكير والسؤال، كيف سقط هذا المطار الضخم؟ وكيف لنظام "قوي" كما زعم رأسه العفن قبل أيام في ترهاته الإعلامية والتي أكثر فيها من الكذب على أتباعه في الداخل والخارج ليوهمهم بأن نظامه المنخور ما زال قوياُ، كيف لم يستطع الحفاظ عليه؟ ولو أمعنا النظر في الثوار المقاتلين الذين دأبوا على استمرارية المعارك حوله دون كلل ولا ملل، وقد زرناهم وجلسنا بينهم، لوجدنا أن صفاتهم الساطعة والمبشرة بالنصر هي صبغتهم الإسلامية، فالتوكل على الله وحده وانتظارهم النصر منه باتت سجايا عندهم. وقد كانت الغنائم التي أنعم الله بها عليهم من ميسرات النصر هذا.
إنها صفعة ليست فقط في وجه النظام الأفّاك هذا بل هي صفعة في وجه كل من زعم أن الثورة ليست إسلامية، وصفعة في وجه رأس الكفر والنفاق أمريكا التي تسهر ليل نهار من أجل قولبة الثورة بقالبها الإجرامي حيث تمسك بميزان ذهب تزن به مساعدات تريد منها الإمساك بالثورة وأهلها وتسيرهم كما تتمنى، على خطى مصر وغيرها. ولكن خاب فألهم وطاش سهمهم، فالله تعالى الذي اعتنى بثورة الشام منذ المهد هو الذي وعد أمريكا وأذنابها بالخزي والبوار حيث قال: [إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ. لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ].
وهنا على أرض الشام، حيث تختلط الكثير من الأوراق وتختلف الأمزجة وتتنافح الأهواء، تبقى ثورة الشام شامخة عالية، كأنها تتطلع من أعلى لتقول للناس: "هاأنذا ثابتة سائرة بفضل الله إلى مستقرٍ لي رغم أنف كل من راهن عليّ". ولكن من يراهن على ثورة اتخذت من عقر دار الإسلام مكاناً لها؟ ثورة أصبح الحديث اليومي فيها هو أن النظام المجرم انتهى ولا عودة إلى الوراء وأن أمريكا عدوة للمسلمين وأن القدس هي وجهتنا القادمة وأن لا حل إلا ما يرضي الله ولن نكل ولن نمل حتى نقيم دولة الخلافة على أرض الشام رغم أنف أعداء الله أعداء الثورة.
وبالمناسبة، أروي لكم قصة قصيرة حدثت معي منذ أيام، ربما تعطيكم عبرة ما في هذا السياق، دخل عليّ إلى مركز المكتب الإعلامي ولد صغير عمره تسع سنوات، تقدم إلي، فسلم علي بكل ثقة بالنفس، ثم قال لي بمنتهى الأدب: "أريد منك أن ترسلني إلى الجبهة كي أقاتل النظام الذي يقتلنا"، صمت وأنا أنظر إليه وأتأمله وكأني فوجئت بكلماته، وكأنه استوعب أني أنتظر منه المزيد من الشرح، فتابع: "أنا أعلم أن هذا النظام مجرم وأنه يذبح الأطفال ويعتدي على النساء..
وأنا أريد أن أعمل شيئا يرضى به ربي عني" قلت له: ولكنك صغير يا بني! قال:" إني أتمنى من الله أن يكرمني بأن أقاتل في سبيله وأن أنال الشهادة وأدخل الجنة". قلت له: ألا تتعلم الإسلام قبل أن تطلب الشهادة؟ قال: إني أحفظ سوراً كثيرة من القرآن، وسرد علي أسماء سور كثيرة.. قلت له: يا بني أين أهلك: قال: إن أمي توفيت في أحداث الثورة وإن أبي معاق، وجدتي تعتني بي، وهي وعدتني أن تسجلني في جامع أتعلم فيه الدين، ولكني أريد الخروج للجبهة وأحمل السلاح أدافع به عن المسلمين وأسقط هذا المجرم بشار.
أذهلني هذا الطفل، فكلما أتيت له بحجة كي أثنيه عما أراد رد علي بكلمات كلها الثقة بالله والثبات والتضحية. وحتى انتهى حديثنا وخرج وهو حزينٌ أني لم ألبِّ طلبه، جالت في ذهني خاطرة تقول: أين الذين يراهنون على ثورة الشام؟ أين ملالي إيران وحاخامات حزب إيران في لبنان؟ أين أسيادهم في الغرب والشرق؟ هل يظنون أن أمة أنجبت مثل هذا الصبي، ستنحني أمام طواغيت من جديد!
بالأمس كان هذا الصبي المبشر بالخير، واليوم مطار منغ.. وغداً.. غداً نصر مؤزر من جديد، والله وحده نسأل الثبات والخلاص والنجاة. وكل عام وأنتم بخير.
م. هشام البابا
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في سوريا