قضايا مصيرية في حياة الأمة الإسلامية - القضية الثانية - وَحــدَة ُ الأمَّـةِ وَوَحــدَة ُ الدَّولـَـةِ الإسلاميــَّـةِ - الأستاذ أبي إبراهيم
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمدُ للهِ حَمْدَ الشاكِرينْ, وَالعَاقبَة ُ للمُـتقينْ, وَلا عُدوانَ إلا َّ عَلى الظـَّالِمينْ, وَالصَّلاة ُ وَالسَّلامُ عَلى المَبعُوثِ رَحْمَة ً لِلعَالمِينْ, وَعَلى آلهِ وَصَحْبـِهِ الطـَّيبينَ الطـَّاهِـرينْ, وَمَن ِ اهـْـتـَدَى بـِهَديـِهِ, وَاستنَّ بسُنـَّـتِهِ, وَسَارَ عَلى دَرْبـِهِ, وَدَعَا بـِدَعْوَتـِهِ إلى يَوم ِ الدِّينْ , وَاجعَلنـَا مَعَهُم, وَاحشُرنـَا في زُمرَتـِهمْ, بـِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمينْ. أمَّا بَعدُ:
إخوة َ الإيمان ِ والإسلام:
تـَبرُزُ قـَضِيَّة ُ وَحدَةِ الأمَّةِ, وَوَحدَةِ الدَّولةِ الإسلامِيَّةِ في طـَليعَةِ القـَضَايَا المَصِيريَّةِ هَذِهِ بـِصِفتِهَا فـَرضَا ً أوجَبَهُ اللهُ عَلى المُسلِمِينَ مِن خِلال ِ النـُّصوص ِ القـُرآنِيةِ, وَنـُصُوص ِ السُّنةِ النـَّبويةِ, وَمِنْ هَذِهِ النـُّصُوص ِالقرآنيةِ:
قــَولـُهُ تـَعَالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ }آل عمران103
وَقولـُهُ تعَالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92
وَقولـُهُ تعَالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ }المؤمنون52
وَقولـُهُ تعَالى: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ }الأنفال46
هَذا في النـُّصُوص ِ القـُرآنِيَّةِ. أمَّا نـُصوصُ السُّـنـَةِ النـَّبـَويَّة, فـَنـَذكر مِنهَا: قـَولَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم:» المُؤمِنـُونَ تـَتـَكافأ دِمَاؤهُم, وَيَسعَى بـِذمَّتِهـِم أدناهُم, وَهُم يَــدٌ عَلى مَنْ سِوَاهُـم«. وَمِنهَا نـَصُّ المِيثاق ِالذي كـَتـَبـَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأهل ِ المَدِينةِ بَعدَ أنْ أرْسَى قـَواعِدَ دَولتِهِ فِيهَا. نـَذكـُرُ مِنهُ مَا نـَصُّهُ: «أنَّ المُسلِمِينَ أمَّـة ٌ وَاحِـدَة ٌ مِنْ دُون ِ النـَّاس ِ«.
إخوة َ الإيمان ِ والإسلام:
إنَّ وَحدَة َ الأمَّةِ الإسلامِيَّةِ لا تـَتـَحقـَّقُ إلا بـِالعَودَةِ إلى الإسلام ِ نِظامَ حُـكم ٍ, وَمِنهَاجَ حَياةٍ, فـَالتـَّـقيُّدُ بـِأحكـَامِهِ يُـلزِمُ المُسلِمِينَ أنْ يـَكونـُوا دَولة ً وَاحـِدَة ً, كـَمَا هُم أمَّة ٌ وَاحِدَة ٌ. وَالأصلُ في الأمَّة أنْ تـَكونَ أمَّة ً وَاحِدَة ً, فرَبُّها وَاحِدٌ, وَنـَبيُّهَا وَاحِدٌ, وَدِينـُهَا وَاحِدٌ, وَقـُرآنـُها وَاحِدٌ, وَقِبلتـُهَا وَاحِدَة ٌ, وَيَنبَغي أنْ يَكونَ لهَا خـَليفة ٌ أو إمامٌ وَاحدٌ, يَحكـُمُهَا بالإسلام, يُطبـِّـقهُ عَلى نفسِهِ وَعَليهَا, وَيَحمِلـُهُ إلى العَالم ِ جَمِيعا ً بالجهَادِ في سَبيل ِاللهِ.
لقولـِهِ تعَالى:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92.
وَلقولِهِ: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ }آل عمران103.
فالمُسلمُونَ جَميعا ً إخوَة ٌعلى الرَّغم ِ مِنَ الحُدُودِ وَالسُّدُودِ المُصطنَعَةِ التي رَسَمَهَا الكافرُ المُستعمِرُ, وَقدَّسَتهَا الدُّولُ وَالحُكـُومَاتُ, وَهكذا يَنبغِي أنْ يكـُونـُوا إخْوَة ً مُتحَابـِّينَ في اللهِ, يَحنـُو كبيرُهُم عَلى صَغيرهِم, وَيُعينُ قـَويُّهُم ضَعيفـَّهُم, وَيعطِفُ غنيـُّهُم عَلى فقيرهِم, وَيَكـُونُوا كالجَسَدِ الوَاحِدِ كمَا وَصَـفهُم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقـَولِهِ: »المُسلِمُ أخُو المُسلِم ِلا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ«. وَبقـَولِهِ: »مَثـلُ المُؤمِنينَ في تـَوَادِّهِمْ وَترَاحُمِهـِمْ وَتـَعَاطـُفِهـِمْ كمَثـل ِالجَسَدِ الوَاحِدِ إذا اشتكـَى مِنهُ عُضْوٌ تدَاعَى لـَهُ سَائرُ الجَسَدِ بالسَّهَر ِ وَالحُمَّى«. وَحينـَئِذ ٍ يَرْهَبُ العَدوُّ جَانبَهُم, وَيَخشَى سَطوَتـَهُم, وَلا يَجرُؤ أنْ يَعتدِي عَليهم, فاللهُ سُبحَانـَهُ وَتعَالى قد فرَضَ عَليهمْ أنْ يَكونـُوا أمَّة ً وَاحِدَة ً, يَنصُرُ بَعضُهُم بَعضا ً, وَيَكونُوا يَدا ً وَاحِدَة ً عَلى عَدُوِّهِمْ, وَبدُون ِهذِهِِ الوَحدَةِ تبقـَى الأمَّة ُ لاعِـزَّة َ لهَا, وَلا قـُوَّة َ وَلا مَنـَعَة.
إخوة َ الإيمان ِ والإسلام:
إنَّ وَحدَة َ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ لا تـَـتِمُّ إلا بـِرَفـْع ِ الحُدُودِ بَينَ أقطارهَا, تلكَ الحُدُودِ التى رَسَمَهَا الكافـِـُراللـَّعِينُ؛ ليُـفرِّقَ الأمَّة َ الوَاحِدَة َ, وَلِيَحُولَ دُونَ رُجُوعِهَا أمَّة ً وَاحِدَة ً. رَسَمُوا تلكَ الحُدُودِ, وَسَجَّلوهَا في دَفاتِرِهِِمُ الاستعمَاريَّةِ, كهيئةِ الأمَم ِ المُتـَّحِدَةِ, وَمَجْـلِس ِ الأمْن ِ؛ لِكي يُبقـُوهَا مُقسَّمَة ً مُجَزأة ً ضَعيفة ً, يَضربُونَ كـُـلَّ مَنْ يُحَاولُ تـَوحِيدَهَا وَإعَادَتـَهَا إلى مَا كانـَتْ عَـليهِ؛ ليَضمَنـُوا لأنفـُسِهم دَوَامَ الهَيمَنةِ, وَالسَّيطرَةِ عَلى بلادِ المُسلمِينَ.
هذِهِ البلادِ التي حَبَاهَا اللهُ عزَّ وَجَـلَّ بكـُـلَّ أسبَابِ القوَّة ِ وَالمَنـَعَةِ, حَبَاهَا أوَّلا ً بأقوَى القـُوَى عَلى وَجْـهِ الأرض ِ, وَهِيَ العقيدة ُ الإسلامية ُ, التي إنْ تمَكـََّـنتْ في النـَّـفـُوس ِ, فإنـَّها تصنـَعُ الأعَاجيبَ, وَمَا يُشبـِهُ المُعجزاتِ.
ثـُمَّ حَبَاهَا بالبُعدِ الجَغرَافي, فهيَ بـِفـََضل ِ مَوقِعِهَا المُتوسِط ِفي العَالم ِ, تـَحْـتلُّ أهَمَّ المَوَاقع ِ الاستراتيجيةِ, وَتـُسيطِرُ عَلى أهَمِّ المَوانئ البَحريَّةِ, وَالمَمَرَّاتِ وَالمَضيقاتِ المَائيةِ.
وَحَبَاهَا كذلكَ بالبُعدِ الاقتصَاديِّ, وَالبُعدِ البَشَريِّ, فهيَ تمتلكُ أغنـَى ثرَوَاتِ العَالم الاقتصاديَّة مِنْ بترُول ٍ وَغاز ٍ وَغيرهِمَا مِنَ المَوَادِّ وَالمَعَادِن ِ الثــَّمينةِ, وَتمتلكُ قوَّة ً بَشَريَّة ً لا يُستهَانُ بهَا.
حَبَا اللهُ ــ جَلـَّتْ قـُدرَتـُهُ ــ الأمَّة َ الإسلاميَّة َ بـِكـُـلَّ ذلكَ. وَغَيرُهُ كثيرٌ كي تبنيَ لِنفسِهَا قـُوَّة ً تـُرهِبُ بهَا عَدُوَّ الله ِ وَعَدُوَّهَا, وَلتأخذ َ مَكانـَهَا اللائقَ بهَا بَينَ الشُّعوبِ وَالأمَم.
فمُنذ ُ أنْ تفرَّقتْ أمَّة ُ الإسلام ِ بَعدَ هَدم ِ دَولةِ الخِلافةِ عَام ألفٍ وَتسعِمَائةٍ وَأربَعَةٍ وَعِشرينَ مِيلاديَّة ًإلى قوميَّاتٍ مُتعدِّدَة ٍ, وَشعُوبٍ مُتباعِدَةٍ , وَوَطنياتٍ مُتباغِضَةٍ, وَغَدَتْ دُوَيلاتٍ ضعيفة ً هزيلة ً, لا ترُدُّ لنفسِهَا حَقا ً, وَلا ترفعُ ضَيما ً, وَلا تكيدُ عَدُوَّا ً, بلْ تتزلـَّفُ لأعدَائِهَا, وَتـُعينُهُم عَلى إخوَانِهَا, وَأحيَانا ً تـَستعِينُ بـِهمْ عَلى إذلال ِ أشقـَّائِها. نـَعُوذ ُ باللهِ مِنْ ذلكَ!
إخوة َ الإيمان ِ والإسلام ِ:
إنَّ سَـلفنـَا الصَّالِحَ مُنذ ُ بـِعثـَةِ الرَّسُول ِ صلى الله عليه وسلم وَحَتى زَوَال ِ دَولةِ الخِلافةِ لمْ يَخُوضُوا حَرْبا ً وَطنية ً, وَلمْ يَرفـَعُوا شِعَارا ً وَطـَنيَّا ً, تلكَ الوَطنيَّة ُ البَغيضَة ُ التي تـُفـَرِّق بَينَ المُسلمِينَ, فتجْعَلَ الأردُنيَّ أجنبيَّا ً في مِصرَ, وَالمِصريَّ أجنبيَّا ً في السُّودَان ِ, وَهكذا, وَتمنـَعَ الوَاحِدَ مِنهُمْ أنْ يُناصِرَ أخـَاهُ في دِين ِ اللهِ تعَالى. وَإنَّ سَـلفنـَا الصَّالحَ أيضا ً لمْ يَخُوضُوا حَرْبا ً قـَومِيَّة ً, تـَجْعَلُ المُسلِمَ البَاكستانيَّ أجنبيا ً في البلادِ العَرَبيَّةِ, وَتجعَلُ المُسلمَ العَرَبيَّ أجنبيا ً في تـُركيَّا. وَإنَّ سَـلفنـَا الصَّالحَ لمْ يـَقـُومُوا يَوما ً بالمُظاهَرَاتِ, وَلا بالاحتجَاجَاتِ ضِدَّ عَدُوِّهِمْ, وَلمْ يُحَاربُوا عَدُوَّهُمْ عَنْ طريق ِ المُنظـَّمَاتِ وَالعِصَابَاتِ, وَتبقـَى دُوَلـُهُمْ مُتـَفـَرِّجَة ً مُتـَخَاذِلـة!
وَالأصلُ في الأمةِ أنْ تكونَ أمة ً واحدة ً, فرَبُّها واحدٌ, ونبيُها واحدٌ, ودينُها واحدٌ, وقرآنُها واحدٌ, وقبلتـُها واحدة ٌ, وَينبغي أنْ يكونَ لهَا خليفة ٌ أو إمامٌ واحدٌ, يَحكـُمُها بالإسلام, يُطبقه على نفسِهِ وعليها, وَيحمِلـُهُ إلى العالم جَميعا ً بالجهادَ في سبيل ِ اللهِ.
لقولِهِ تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92.
ولقولِهِ: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} آل عمران103.
فالمُسلمُونَ جميعا ً إخوة ٌعلى الرَّغم مِنَ الحُدُودِ المُصطنعةِ التي رَسَمَََها الكافرُ المُستعمِرُ, وقدَّسَتها الدولُ والحُكوماتُ, وهكذا ينبغي أنْ يكونُوا إخوَة ً مُتحَابِّينَ في اللهِ, يَحنـُو كبيرُهُم على صغيرِهِم, ويعينُ قويهُم ضعيفـَهُم, وَيعطِفُ غنيُهُم على فقيرِهِم, ويكونُونَ كالجسدِ الواحدِ كمَا وَصَفهُم رَسُولُ الله ِ صلى الله عليه وسلم
بقولِهِ: »المُسلِمُ أخُو المُسلِم لا يَظلمُهُ ولا يُسلمُهُ«.
وبقولِهِ: » مثـلُ المُؤمنينَ في توادِّهِم وتراحُمِهـِم وتعاطفِهـِم كمثـل ِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى مِنهُ عُضوٌ تدَاعَى لـَهُ سَائرُ الجَسَدِ بالسَّهر ِ والحُمَّى«.
وختاماً إخوة الإيمان نسأل الله عز وجل اللهُمَّ أن يجعلْ دُولَ المُسلمينَ كلــَّها دَولة ً وَاحدَة ًهيَ دَولة ُ قرآنكَ, وَأن يجعلْ رَاياتِ المُسلمينَ كلــَّها رَايةً وَاحدَة ً هِيَ رَاية ُ الخلافة, وأن يجعل جُـيُـوشَ المُسلمينَ كلــَّها جَيشا ً وَاحِدا ً هوُ جَيشُ الجهَادِ في سَبيلكَ, وأن يجعل حُـكـَّامَ المُسلمينَ كلـَّهم وَاحدا ً هُوَ مَنْ يُرضيكَ بتطبيق ِ شريعَتكَ وَتحكيم ِ كتابكَ وَسُنةِ نبيكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم, فترضَى عنهُ وَتمُنُّ عليهِ بنصركَ وَتأييدكَ، إنك على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَة ُ اللهِ وَبَرَكاتهُ.