على صخرة فلسطين والقدس تتحطم الآمال وتتكشف الحقائق
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم المهندس باهر صالح عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
وكما في كل مرة تحتاج فيها الأمة حكامها لتحصيل حقوقها، وحماية حياضها، ونصرة مستضعفيها، تلمس فيه الأمة تخاذل حكامها، وكأنهم عدم لا وجود، سكون ولا حراك، صمت ولا كلام.
احتلت فلسطين وجنوب لبنان والجولان ولم يحرك حكام المسلمين ساكنا، واحتلت العراق وأفغانستان والشيشان وكشمير ولم يغير ذلك من صمت الحكام في شيء، وقصفت غزة بالحمم وأمطرت بالنيران ولم نر من الحكام شيئا، فلم ينكأوا عدوا أو يردوا صاعا، وجل ما سمعناه جعجعة (قرقعة) ولم نر طحينا.
وكأن الحكام مصرون على خذلان أمتهم في كل حادثة، ومصرون على أن يبرهنوا للأمة عند كل نازلة على أنها في واد وهم في واد آخر بل في قيعان أخرى.
قصفت غزة فقامت جموع المسلمين ولم تقعد، وثارت الأمة من أقصاها إلى أقصاها عبر المحيطات والبحار والقارات دون أن يهتز لذلك رمش حاكم، اللهم إلا من خاف من سقوط عرشه، ولم يشاطر الحكام شعوبهم عشر معشار رغباتهم أو طموحاتهم أو تطلعاتهم أو تحركاتهم، ولما خاف الحكام على عروشهم الآيلة للسقوط من الانهيار المفاجئ تحركوا لمناشدة العالم وأمريكا للضغط على "إسرائيل" لوقف الحرب ولم تستجب لهم "إسرائيل" بالطبع إلا بعد أن أشفت غليلها من أطفال المسلمين ونسائهم وشيوخهم وبيوتهم وديارهم، وبعد أن أدركت أنها في طريقها إلى الفشل فوجدت في تلك الأصوات ضالتها ومخرجا لها من ورطتها بشيء من ماء الوجه.
وهكذا يستمر الحكام في خذلان شعوبهم وأمتهم حتى عند أبسط الاحتياجات، فها نحن لم نر حاكما ينبس ببنت شفة تنفع في نصرة الأقصى المبارك من حفنة من شذاذ الآفاق.
وقد اعتادت الأمة أن تسمع الشجب والاستنكار والإدانة من الحكام شأنهم في ذلك شأن العزل والضعفاء والنساء والشعوب، حتى وصل استهتارهم بشعوبهم إلى أن يشاركوهم مظاهراتهم ومسيراتهم!.
فبدل أن يحرك الحكام جيوش الأمة لنصرة فلسطين ولتطهير المسجد الأقصى يصمتون صمت الأموات في القبور، ويسكنون سكون الليل.
ولكن الغريب والمفارقة الكبرى في سلوك الحكام تظهر حينما يتعلق الأمر بأمن "إسرائيل"، فها هو مبارك يستأسد في ملاحقة عناصر حزب الله لتهديدهم أمن "إسرائيل" ويعتبر أية محاولة لإيذاء يهود من أراضي مصر مساسا بالأمن القومي المصري!، بينما لم يعتبر مبارك قصف معبر رفح من الجهة المصرية وهرب حرس الحدود في فبراير2009 وتحليق مقاتلتين "إسرائيليتين" من طراز "F16" في المجال الجوي المصري في يناير 2009 مساسا بأي شيء!!.
وكذلك الأمر حينما سقطت صواريخ كاتيوشا من جنوب لبنان على "إسرائيل" في فبراير 2009، حيث سارع الكل إلى نفي علاقته بالأمر، وتقاطر المستنكرون والمتبرئون من العمل، وسارع الجيش اللبناني بتعزيز قواته في المنطقة والبحث عن مصدر الإطلاق، وكل ذلك لأن الأمر يتعلق بأمن"إسرائيل".
ولا يغيب عنا كيف تؤمن الأردن وسوريا جهتيهما مع "إسرائيل" فلا تسمحان لطير أن يتجاوز الحدود ليضر بأمن "إسرائيل"، ولا ننسى الدقامسة الجندي البطل الذي حكم عليه النظام الأردني بالسجن مدى الحياة لقتله سبع سائحات "إسرائيليات" عام 1997 على الحدود بين الأردن و"إسرائيل"، وكيف أدان الملك حسين الهجوم وزار "إسرائيل" لتقديم العزاء لعائلات الضحايا "الإسرائيليات" ودفع كذلك تعويضات لعائلات الضحايا!.
فحقا إنها مفارقة كبرى في مواقف حكام المسلمين، تراهم أسودا حينما يتعلق الأمر بأمن "إسرائيل"، ولا تسمع لهم صوتا حينما يتعلق الأمر بالفلسطينيين!!.
ومع أن الأمر محزن مثير للاشمئزاز حينما تولي وجهك جهة الحكام، ولكنه مفرح، مبشر، واعد حينما تزيحه إلى جهة الأمة لترى بسالتها وبطولاتها في كل الميادين، فها هي تمرغ أنف أمريكا في التراب في العراق وأفغانستان، وتعجز روسيا في الشيشان ردحا من الزمان، وتدحر "إسرائيل" من جنوب لبنان بالخفيف من العتاد، وتهزم "إسرائيل" في غزة دون أن تملك مقومات القتال سوى الإيمان بالله، وتواجه قطعان المستوطنين وآلاف الجنود بصدور أبنائها في الأقصى الشريف. وبينما ترى الحكام في فرقة دائمة وسجال مستمر، يعقدون قمة تلو قمة ليتصالحوا وما هم بفاعلين، لكنك ترى الأمة تتحرك عن بكرة أبيها منادية إلى نصرة فلسطين وغزة دون أن تفرقها دساتير أو تفصل بينها حدود، فالأمة بوعيها سبقت الحكام وكثير من الأحزاب والحركات!!.
ولكن يبقى أن نؤكد على حقيقة لا مفر منها وهي أن الأقصى بحاجة إلى تحرير وليس فقط إلى حماية من قطعان المستوطنين، فالقدس المباركة وكل فلسطين المباركة ترزح تحت الاحتلال منذ عشرات السنين، وأنين المسجد الأقصى كل تلك السنوات الأصل أن يكون كافيا لإيقاظ الهمم والعزائم، وإثارة النخوة والشهامة، فتتحرك الجيوش الرابضة في ثكناتها بسلاحها المتكدس في مخازنه طيلة العقود الماضية لتلبي نداء الواجب واستغاثة فلسطين، فتبرأ بذلك ذمتها أمام الله وأمام إخوانهم المستضعفين في فلسطين.
فصحيح أن المصلين العزل الذي تنادوا من كل زاوية وحي ممن استطاعوا وصول المسجد الأقصى بعد أن حولته قوات الاحتلال إلى ثكنة من ثكناتها، وبعد أن جعلت دخول القدس ومنذ زمن طويل محصورا بسكانها وسكان الخط الأخضر، وتلبية النساء لذلك النداء رغم ضعفهن، والشيوخ رغم كهولتهم، فاستطاعوا بصدورهم العارية وسواعدهم الضعيفة أن يحولوا بين المتطرفين اليهود وبين اقتحامهم لباحات المسجد الأقصى، ولكن ذلك لا يعني أنهم قادرون على ذلك كل مرة، فاليوم قدروا ولكن أول أمس جاب المتطرفون ساحات المسجد الأقصى، ولا يعني ذلك أن المسجد الأقصى أصبح في مأمن من التدنيس، فهو يتعرض له ليل نهار من قبل المتطرفين والقوات المحتلة المرابطة فيه، ولا يعني ذلك أصلا أن هذا ما يحتاجه المسجد الأقصى، فالمسجد الأقصى يحتاج إلى تحرير وتطهير من احتلاله الغاشم وهذه مهمة الجيوش ولا شك.
فلتكثف الجهود، ولتتوجه الأبصار، ولتعلو الأصوات، ولتبح الحناجر في مناداة الجيوش لتؤدي واجبها الذي لا مفر منه.