الأندلس الفردوس المفقود من الفتح إلى السقوط اقتتال على الحكم ح28
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
حياكم الله أحبتنا الكرام، نكمل وإياكم حلقات الأندلس، ذلك الفردوس المفقود، والذي لن يعود إلى حضن دولة الإسلام إلا بوجود الخلافة الراشدة يقودها خليفة عادل، همه هو إرضاء الله تعالى، وليس دنيا يصيبها أو منصب يرتقيه، نسأله تعالى أن يجعل هذا اليوم قريبا، اللهم آمين
تحدثنا في الحلقة السابقة عن زمن الفتنة والاقتتال بين المهدي وبين سليمان بن الحكم، وكيف أن كليهما استعانا بالكافر مع أن الله نهى عن ذلك بقوله سبحانه: ((لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير )) ( آل عمران 28) وكيف أن المهدي انتصر على سليمان بن الحكم وعاد لتولي الأمور في قرطبة.
ولأنه زمن فتنة، فما فتئ المهدي يصل إلى الحكم في قرطبة حتى انقلب عليه الفتى واضح ثم قتله، وبدأ هو في تولي الأمور.
كان الفتى واضح أذكى من عبد الرحمن بن المنصور، هذا الذي طلب ولاية العهد من هشام بن الحكم قبل ذلك، فقد رفض أن يكون هو الخليفة؛ حيث اعتاد الناس أن يكون الخليفة أمويا وليس عامريا، ومن ثم فإذا فعل ذلك فسيضمن ألا تحدث انقلابات عليه، وأيضا يكون محل قبول لدى جميع الطوائف.
ومن هنا فقد رأى الفتى واضح أن ينصب خليفة أمويا ويحكم هو من ورائه، وبالفعل وجد أن أفضل من يقوم بهذا الدور ويكون أفضل صورة لخليفة أموي هو هشام بن الحكم الخليفة المخلوع من قبل، هذا الذي ظل ألعوبة طيلة ثلاث وثلاثين سنة في يد محمد بن أبي عامر ثم في يد عبد الملك بن المنصور، ثم في يد عبد الرحمن بن المنصور على التوالي.
ذهب الفتى واضح إلى هشام بن الحكم وعرض عليه أمر الخلافة من جديد، وأنه سيكون رجله الأول في هذه البلاد، وعلى الفور وافق هشام بن الحكم الذي كان ملقبا بالمؤيد بالله، وعاد من جديد إلى الحكم، لكن زمام الأمور كانت في يد الفتى واضح.
كان سليمان بن الحكم لم يقتل بعد وما زال في البلاد يدبر المكائد؛ يريد أن يعود إلى الحكم من جديد، لم يجد أمامه إلا أن يعود مرة أخرى إلى ملك قشتالة، فالمرة الأولى كان قد ساعده على هزيمة المهدي والوصول إلى الحكم، ويعرض عليه من جديد أن يكون معه ضد الفتى واضح وهشام بن الحكم حتى يصل إلى الحكم.
ولأن ملك قشتالة ذلك الخبيث كان يطمع فيما هو أكثر مما عند سليمان بن الحكم، فقد رد عليه بأن يمهله عدة أيام حتى يعطيه الجواب، وخلال هذه الأيام كان قد ذهب ملك قشتالة إلى هشام بن الحكم الحاكم في ذلك الوقت وأخبره بما كان من أمر سليمان بن الحكم منتظرا الجواب والمقابل في عدم مساعدته له -لسليمان- في حربه إياه، وهنا كان العجب العجاب، فما كان من هشام بن الحكم إلا أن خير ملك قشتالة بين عدة أمور، كان من بينها إعطاؤه كل الحصون الشمالية التي كانت للمسلمين في بلاد الأندلس، ذلك الخيار الذي قبله ملك قشتالة؛ فتوسعت قشتالة جدا حتى أصبحت حدودها أكبر من حدود مملكة ليون، بالرغم من أنها كانت جزءا صغيرا منفصلا عن مملكة ليون، وتوحدت بذلك البلاد النصرانية في الشمال.
وإنها لكارثة كبيرة جدا قد حلت بديار الإسلام، فقد حدثت كل هذه الأحداث من القتل والمكائد والصراعات والاستعانة بالنصارى ثم دخولهم بلاد المسلمين، كل ذلك في ثلاث سنوات فقط.
وفي سنة ثلاث وأربعمئة من الهجرة حيث هشام بن الحكم على الحكم، قام سليمان بن الحكم ومن معه من البربر بالهجوم على قرطبة وعاثوا فيها، فسادا، وقتلا، واغتصابا للنساء، ثم من جديد يتولى سليمان بن الحكم المستعين بالله الحكم في بلاد الأندلس، وطرد هشام بن الحكم من البلاد، ثم قتل بعد ذلك، وكان مقر الحكم آنذاك هو قرطبة، لكن البلاد كانت مفككة تماما، وقد فر العامريون إلى شرق الأندلس في منطقة بلنسية وما حولها.
المفاجأة الكبيرة والمثيرة حقا أن كل هذه الأحداث السابقة والمليئة بالمكائد والمؤامرات، والتي حملت الأسى والألم لكل المسلمين، كانت بين أخوين لأب واحد هو القائد المظفر الحكم بن عبد الرحمن الناصر، وكان خطؤه والذي يدركه الجميع الآن هو أنه وسد الأمر إلى غير أهله، واستخلف على الحكم من لا يملك مؤهلات الحكم، وهو هشام بن الحكم.
ظل سليمان بن الحكم يتولى الحكم، وكان غالبية جيشه من البربر، وبعد مرور أربع سنوات على حكمه، فكر البربر بتولي الحكم وكانوا قوة أساسية كبيرة في ذلك الوقت، واستعانوا بالبربر من بلاد المغرب، ثم هجموا على سليمان بن الحكم وأخرجوه من الحكم، بل وقتلوه، وتولى الحكم في بلاد الأندلس علي بن حمود الذي كان من البربر، وتسمى بالناصر بالله.
استقر الأمر لعلي بن حمود في قرطبة وقام بتعيين أخيه القاسم بن حمود على إشبيلية، وأصبح البربر هم الخلفاء والذين يتملكون الأمور في قرطبة وما حولها.
لم يرتض بهذا الوضع العامريون الذين فروا إلى شرق الأندلس، فما كان منهم إلا أن بحثوا عن أموي آخر وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، أحد أحفاد عبد الرحمن الناصر، ثم بايعوه على الخلافة، وقد تلقب بالمرتضي بالله.
جاء العامريون ومعهم المرتضي بالله إلى قرطبة لحرب علي بن حمود البربري، وبالفعل دارت حرب كبيرة بين العامريين وخليفتهم المرتضي بالله، والبربر وعلى رأسهم علي بن حمود، كان من أعجب ما نتج عن هذه الموقعة أن قتل الخليفتان علي بن حمود والمرتضي بالله، لكن البربر تمكنوا من الانتصار في نهاية المعركة، وتولى حكم الأندلس منهم القاسم بن حمود الذي كان حاكما لإشبيلية من قبل أخيه الذي قتل.
أحضر العامريون أمويا آخر من بني أمية، وقامت بعد ذلك صراعات كثيرة، واستمر الوضع على هذا الحال حتى سنة اثنتين وعشرين وأربعمئة من الهجرة.
في محاولة لحل هذه الأزمة التي تمر بها البلاد، وفي محاولة لوقف هذه الموجة من الصراعات العارمة، اجتمع العلماء وعلية القوم من أهل الأندلس، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وأربعمئة من الهجرة، ووجدوا أنه لم يعد هناك من بني أمية من يصلح لإدارة الأمور؛ فلم يعد من يأتي منهم على شاكلة من سبقوهم، فاتفقوا على عزل بني أمية تماما عن الحكم، وإقامة مجلس شورى لإدارة البلاد.
وبالفعل كونوا مجلس شورى في هذه السنة، وولوا عليه أبا الحزم بن جهور لإدارة البلاد، وكان أبو الحزم هذا من علماء القوم، كما كان يشتهر بالتقوى والورع ورجاحة العقل، وظل الحال على هذا الوضع ما يقرب من ثلاث سنوات.
لكن حقيقة الأمر أن أبا الحزم بن جهور لم يكن يسيطر هو ومجلس الشورى الذي معه إلا على قرطبة فقط من بلاد الأندلس، أما بقية البلاد والأقاليم الأخرى فقد ضاعت السيطرة عليها تماما، وبدأت الأندلس بالفعل تقسم بحسب العنصر إلى دويلات مختلفة ليبدأ ما يسمى بعهد دويلات الطوائف، أو عهد ملوك الطوائف.
نكتفي بهذا القدر، ونكمل باقي أحداث سقوط الأندلس في الحلقات القادمة، فإلى ذلك الحين، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتبته: أم سدين