معالم الإيمان المستنير م2 العقل المستنير يهدي للإيمان بالله
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المسلمون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:
أيها المؤمنون:
لفت الله تعالى نظر الإنسان إلى السماوات والأرض، وإلى نفسه الإنسانية، ليتفكر فيها ويصل للإيمان بالله تعالى. قال تعالى:[وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون]. (الجاثية 13) وقال تعالى: [وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون]. (الذاريات20-21)
وما قول الأعرابي في جزيرة العرب عن الاستدلال بوجود الخالق سبحانه إلا بعد نظر وتفكير في ملكوت الله. سئل أعرابي عن وجود الله، وكيف نستدل عليه؟ فقال بتفكيره المستنير: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج, ألا تدل على الحكيم الخبير؟! فما أحسنه من استدلال! وما أعجبه من منطق وبيان!
ويكفي العقول أن تستدل على وجود الله بآثاره من نظام وإتقان وإحكام في هذا العالم. وتستدل على أنه واحد أحد لا شريك له. ولا يطلب من العقل أن يدرك ذات الله؛ لأن ذلك مما لا يقع تحت حس الإنسان. ومن مأثور كلام أهل العلم في ذلك قولهم: " كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، وعجزك عن إدراك الإدراك إدراك، والبحث في كنه ذات الله إشراك ". ويقول الله تعالى: [ليس كمثله شيء وهو السميع البصير]. (الشورى 11)
ومن البدهيات عند الإنسان أن لكل موجود موجد، ولكل مصنوع صانع. فمثلا الكرسي الذي نجلس عليه مصنوع. من الذي صنعه؟ لا شك في أن النجار هو الذي صنعه. والكون وما فيه مصنوع، أي مخلوق. فمن الذي صنعه أو خلقه؟ لا شك في أن الله تعالى هو الذي خلقه. إذن لكل مخلوق خالق خلقه وهو الله تعالى. هذا برهان عقلي على وجود الله الخالق سبحانه وتعالى.
وإدراك العقل لوجود الله جاء نتيجة إدراكه للآثار المحسوسة الدالة على وجوده، وهذه الآثار هي الكون والإنسان والحياة، وهذه أشياء تقع تحت الحس، فيستطيع العقل البشري أن يدركها، لهذا كان إدراك وجود الله في حدود العقل. كمن يسمع صوت طائرة وهو جالس في البيت فيدرك من سماعه لصوتها أنها موجودة في السماء، ولكنه لا يدرك ذاتها؛ لأن جسم الطائرة لم يقع تحت لمسه وبصره. إذن لا يقال هنا: كيف آمن الإنسان بالله عقلا مع أن عقله عاجز عن إدراك ذات الله؟ والجواب: لأن الإيمان إنما هو إيمان بوجود الله، ووجوده مدرك من وجود مخلوقاته، وهي الكون والإنسان والحياة. وهذه المخلوقات داخلة في حدود ما يدركه العقل، فأدركها وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها، وهو الله تعالى. ولذلك كان الإيمان بوجود الله عقليا وفي حدود العقل، بخلاف إدراك ذات الله فإنه مستحيل؛ لأن ذاته وراء الكون والإنسان والحياة أي وراء العقل. والعقل لا يمكن أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الإدراك.
وكل ذي عقل سليم يستطيع أن يستدل على وجود الله بعقله إذا تفكر في الكون والإنسان والحياة. فهذا مثلا "قس بن ساعدة الإيادي" في الجزيرة العربية من كبار خطباء الجاهلية قبل الإسلام ومن قبيلة إياد. كان يركب ناقته، ويسير إلى سوق عكاظ فيخاطب الناس بكلمات يدعوهم فيها للتفكر والتأمل: "أيها الناس اسمعوا وعوا، وإذا وعيتم فانتفعوا, إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت. ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، أفلا يدل ذلك على الله الواحد القدير؟!". ومعنى نجوم تزهر: أي تتلألأ. وبحار تزخر: أي ملآنة. وليل داج: أي مظلم. ونهار ساج: أي ذاهب وآت رويدا. ويقول: إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا. ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟ أرضوا فأقاموا أم تركوا فناموا. يا معشر إياد، أين الآباء والأجداد؟ وأين الفراعنة الشداد؟ ألم يكونوا أكثر منكم مالا؟ وأطول آجالا؟ طحنهم الدهر بكلكله، ومزقهم بتطاوله, ومعنى بكلكله: أي بصدره. فتلك عظامهم بالية, وبيوتهم خاوية, عمرتها الذئاب العاوية, كلا بل هو الله الواحد المعبود, ليس له والد ولا مولود .ثم أنشأ يقول:
في الذاهبين الأولين مـــــــــن القــــــرون لنــــا بصائـــــر ورأيت قومي نحوها تمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجـــــــــع الماضي إلي ولا مـــــن البــــــــاقين غابــــــر أيقنـــــــت أني لا محالــــــة حيث صـــــار القوم صائر
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.