مع القرآن الكريم بين التوكل على الله وربط الأسباب بالمسببات
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [الطلاق:2-3].
وقال تعالى على لسان رسوله نوح عليه السلام: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } [نوح:10-12].
وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ } [الملك:15].
وقال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ } [الأنفال:60].
الآيات المذكورة أعلاه من سورة الطلاق وسورة نوح تفيد أن كثيراً من النتائج تنتج من أسباب لا يستطيع الإنسان رؤية الرابط فيها بين السبب والنتيجة. فهي ليست من نوع الأسباب المادية التي تُنتج عادة مثل هذه النتائج المادية. فالرابط بين هذه الأسباب ونتائجها رابط غيبي، أعلمنا اللهُ به. ولذلك فإن الذي لا يؤمن بالله وآياته لا يؤمن بهذا النوع من الأسباب لهذه النتائج. إذ كيف يتصوّر الملحد أن تقوى الله تحل المشاكل وتفرج الكروب وتجلب الرزق؟! وكيف يصدّق الملحد أن الاستغفار ينـزل المطر، ويأتي بالأموال والأولاد والبساتين؟ وهو لا يرى علاقة مادية بين الاستغفار وبين هذه الأشياء.
أما المؤمن الذي يوقن أن الله هو خالق كل شيء ومسيّر كل شيء، فإنه يعلم أنْ لا حركة ولا سكون إلا بأمر الله، ويعلم أن الله حين يعطي لا يحتاج إلى أسباب مادية. والطفل الصغير حين يصرخ تسرع إليه أمه لترى ما حاجته. فالصرخة من حيث هي لا تنقذ الطفل، بل عطف أمه هو الذي يساعده. ولذلك فالطفل يتكل على عطف أمه ومساعدتها. والإنسان المؤمن العاقل يتكل على رحمة ربه وعونه وتوفيقه.
والآيتان المذكورتان أعلاه من سورة الملك وسورة الأنفال تفيدان أن الإنسان مأمور من الله أن يربط النتائج المادية بأسبابها المادية أيضاً، وليس أن يكتفي بربط النتائج بأسبابها الغيبية فقط. فالآية تقول: { فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ } فالمؤمن رغم معرفته أن الله هو مقسّم الأرزاق، يرى أن مقسّم الأرزاق يأمره أن يسعى لكسب الرزق، وأن التوكل على الله ليس معناه إهمال الأسباب المادية، وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خِماصاً وتروح بطاناً ) [رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة] فأثبت له رواحاً وغُدُوّاً لطلب الرزق.
والآية الأخرى تقول: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } والمسلم يعرف أن النصر من الله. ومع ذلك فإن الله الذي تكفّل للمؤمنين بالنصر أمرهم أن يُعِدّوا كل ما يستطيعون من قوّة. ولم يَقْبل الله من المسلمين أن يكتفوا بالتقوى والتوكل على الله ويهملوا الأسباب المادية. فكان الرسول r يجهّز الجيش، وكان يأمر بالتدريب كالرماية والسباحة وركوب الخيل. وكان يناور في الحرب، ويسمح بالكذب على العدو، ويحرض المؤمنين على القتال، ويحفر الخندق، ويأمر من يتجسس على العدو، ويعقد الصلح مع عدو ليتفرغ لعدو كما فعل في صلح الحديبية مع قريش ليستفرد بخيبر.
ولذلك فالأسباب في نظر المسلم نوعان: الأول هو تقوى الله. والثاني هو الأسباب المادية التي من شأنها عادة أن تنتج النتيجة المطلوبة. ولا يجوز للمسلم أن يكتفي بأحد هذين السببين متى كان يستطيعهما .