معالم الإيمان المستنير م8 ح1 الدليل العقلي على أن القرآن من عند الله
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد
القرآن: هو كلام الله تعالى، المتواتر في قراءاته، المنقول إلينا مكتوبا في الصحف بين دفتين، المعجز بطراز أسلوبه، المتعبد بتلاوته، المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين بوساطة الملك الذي ينزل بالوحي من الله تعالى وهو جبريل عليه السلام، المبدوء بسورة الفاتحة, المختوم بسورة الناس.
والقرآن هو المعجزة الكبرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم, تلك المعجزة التي قامت حجة على العرب وعلى العجم, بل على العالم أجمع، أي على الناس كافة، وهي باقية إلى يوم الدين للدلالة على صدقه صلى الله عليه وسلم.
لقد اقتضت إرادة الله أن يرسل الرسل إلى الناس؛ ليبلغوهم دينه، والناس غير ملزمين باتباع الرسل ما لم يقدموا دليلا قاطعا على نبوتهم؛ كي لا يدعي أحد أنه رسول وهو كاذب. والدليل الذي يأتي به الرسول لا بد أن يكون معجزا للناس الذين كلف بإبلاغهم رسالته، ومتحديا لهم في أعز ما يستطيعون، وأكثر شيء برعوا فيه.
وقد عرفنا في الحلقة السابقة أن من الشروط التي ينبغي توافرها في المعجزة: أن يكون الرسول صاحب المعجزة متحديا غير مسالم. وأن يكون قومه قادرين على قبول التحدي. وأن يحسوا بدافع الاستجابة للتحدي.
وقد توافرت هذه الشروط في معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهي القرآن الكريم. القرآن الكريم, ذلك الكتاب الذي يقع تحت حاستي السمع والبصر، فنسمعه يتلى في محطات الإذاعة وأجهزة التلفاز صباح مساء، ونقرأ آياته في الصلوات الخمس، ونراها بأبصارنا مكتوبة في المصاحف، فهو موجود قطعا.
وقد علمنا أن المعجزة هي أمر خارق للعادة يجريه الله على يد رسوله دليلا على صدقه. والقرآن الكريم له احتمالات ثلاثة: إما أن يكون من عند العرب، وإما أن يكون من عند العجم, وإما أن يكون من عند محمد صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن من عند هؤلاء الثلاثة, فلا شك أنه من عند الله. وبعبارة أخرى: هل يستطيع العرب - ومحمد صلى الله عليه وسلم واحد منهم- والعجم وغيرهم أن يأتوا بمثل القرآن, فإن لم يفعلوا؛ فهو حتما من عند الله تعالى.
أولا: بطلان كون القرآن من عند العرب:
القرآن كلام الله, ويستحيل أن يقوله غير العرب؛ لأنه كلام عربي مبين؛ ولأنه عربي اللغة والأسلوب في ألفاظه وجمله، قال تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين). (الشعراء 195) أما كون القرآن من عند العرب فباطل؛ لأن العرب نطقوا بكلام منه الشعر ومنه النثر، وكلامهم محفوظ في الكتب ومنقول عنهم استظهارا، نقله الخلف عن السلف ورواه بعضهم عن بعض. فالقرآن إما أن يكون من طراز كلامهم فيكون قد قاله عربي بليغ، وإما أن يكون من غير طراز كلامهم فيكون الذي قاله غير العرب. فإن قالوا مثله فقد استطاعوا أن يأتوا بمثله، فيكون كلام بشر مثلهم، وإن عجزوا عن الإتيان بمثله مع أنه كلام عربي وهم فصحاء العرب وبلغاؤهم، لم يكن كلام البشر. والناظر في القرآن وفي كلام العرب يجد أن القرآن طراز خاص من القول لم يسبق للعرب أن قالوا مثله، ولا أتوا بمثل هذا النمط من القول في شيء، لا قبل نزول القرآن ولا بعده، حتى لا تقليدا له ولا محاكاة لأسلوبه، فدل ذلك على أن العرب لم يقولوا هذا القول فهو كلام غيرهم، فقد ثبت بالتواتر الذي يفيد القطع واليقين أن العرب عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن مع تحدي القرآن لهم.
فقد تحداهم بصريح آياته أن يأتوا بمثله, فلم يستطيعوا قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا). (الإسراء88) ثم تحداهم بعشر سور مثل القرآن, فلم يستطيعوا قال تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين). (هود 13)
ثم تحداهم بسورة واحدة مثل القرآن فلم يستطيعوا قال تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين). (البقرة 23) وقال أيضا: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ). ( يونس 38)
وبالرغم من هذا التحدي الصارخ فقد عجز العرب أن يأتوا بمثل القرآن الكريم رغم محاولاتهم الفاشلة. وعجزهم هذا ثابت بطريق التواتر، ولم يعرف التاريخ ولا روى أحد أنهم أتوا بمثله. والسؤال الذي يرد الآن هو: هل قبل العرب التحدي أم لم يقبلوه؟ هل حاول العرب أن يثبتوا أن بمقدورهم أن يأتوا بقرآن مثل هذا القرآن؟ أم أنهم أقروا بالعجز للوهلة الأولى؟ هذا ما سنجيب عنه في الحلقة القادمة.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.