خبر وتعليق إلى أين سائرون
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
أكد وزير الاقتصاد والمالية في حكومة مهدي جمعة "حكيم بن حمودة" في أول ظهور إعلامي له يوم الأربعاء تراجع الاستثمار إلى حوالي 25 بالمائة مقارنة بسنة 2010 إضافة إلى تسجيل ضعف في الإنتاجية وكذلك عجز في الميزان التجاري.
وبين خلال ندوة صحفية عقدها في مقر الوزارة ارتفاع مصاريف الدولة والأجور كذلك بنسبة 27 بالمائة إضافة إلى بلوغ المديونية نسبة 50 بالمائة، معبّرا عن خوفه من تضاعف قيمة المديونية الفترة القادمة.
وعن عملية الاكتتاب الوطني، دعا بن حمودة إلى المساهمة في هذه العملية بهدف دعم الاقتصاد الوطني، مضيفا: "الاكتتاب الوطني مديونية ولكننا نخير المديونية الداخلية على تلك الخارجية..".
التعليق:
لا زال القائمون على السلطة في تونس يؤكدون المرة تلو المرة عجزهم وعدم أهليتهم لرعاية شؤون الناس الرعاية الحقّة؛ بل لا زالوا يؤكدون النهج الخياني الذي يسيرون فيه خلفا لمن سبقهم برهن البلاد والعباد؛ نهج خياني يقتضي غلق ملف الثروات إغلاقا محكما ومنع الخوض فيه وجعل الأبصار تتجه إلى التداين والتداين والتداين لأن لا ملجأ غيره عند هؤلاء حسب قولهم.
وإن كان موضوع زيادة المديونية اليوم حسّاسًا بمكان كما عبر عن ذلك الوزير نفسه بقوله "أنها مسألة هامة ودقيقة وخطيرة خاصة عندما تتجاوز الـ60 بالمائة وعندما تتوجه للاستهلاك عوض استغلالها في الاستثمار"، غير أننا نجد موقف الحكومة فعلا مخزيًا في هذا الصدد؛ لأنه كان حريّا بها دق ناقوس الخطر وإيلاء المسألة الأهمية المطلوبة ببحثها البحث الصحيح سعيا لإيجاد الحلول المتاحة للخروج من عنق الزجاجة التي حشرت نفسها فيه، ولكن قد أسمعت لو ناديت حيّا ولكن لا حياة لمن تنادي.
ولسائل أن يسأل حقا: إلى أين سائرون؟؟ والسؤال يلّح بشدة ينتظر جوابا ونحن نتذكر الماضي الذي أدى بنا إلى عيش فترة الاستعمار الشنيعة؛ فما احتلت فرنسا تونس بالأمس البعيد إلا عن طريق الديون كما هو معلوم. إذ بعد توجه الباي للاستدانة من أوروبا وفي أقل من سبع سنوات بلغ الدين مائة وخمسين مليون فرنك فاتخذت الدول الأوروبية ذلك حجة للتدخل في الشأن الداخلي؛ فكانت بداية إحكام السيطرة والتنفذ بتشكيل لجنة مالية سنة 1870 متكونة من فرنسيين وإنجليز وإيطاليين يرأسها موظف تونسي جعلت مهمتها توحيد الدين وتحديد الفوائد وإدارة المرافق التي خصصت لهذا الدين؛ وعبر هذا الطريق وصل الفرنسيون لاستعمار تونس لأن سرطان الديون كان قد استفحل عن طريق جدولتها لأن عدم القدرة على السداد هي نتيجة طبيعية تلي أزمة المديونية.
إنّ المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين؛ ولكن المشكل اليوم أنّ من يقوم على الحكومة قد وضع إيمانه على جنب غير مكترث بعواقب إدخال يديه في جحر الغرب الكافر المستعمر مجددا؛ متناسيا ما أصابنا سابقا من مصاب جلل حين فعل أجدادنا ذلك. وللأسف الحكومة المؤقتة ماضية قدما دون عودة في طريق الاستدانة مع أن قضية المديونيات صارت واضحة المعالم، وأنها تمثل مشكلة عويصة وليست متنفسا ولا مخرجا، بل هي معبر واسع لأزمات مخيفة لأن سـنوات طويلة من عمر المديونية لم تحقق لتونس ولو شيئاً من التنمية، ولا هي أصبحت قادرة على سـداد ديونها؛ فالعجز تلاه العجز، وسداد الدين القديم أصبح يتطلب ديناً جديداً؛ وصارت الأرقام تسلط الضوء على حقيقة الهدر المخيف لموارد الأمة وثرواتها ليصحو الناس تحت وطأة دين لم يكونوا طرفاً في أخذه أو إنفاقه؛ وإن كان يقتطع من أقواتهم سداده ويتسبب فيما وصلت إليه حالهم؛ حياة ضنكا زادها تدخل الغرب السافر والمفضوح في الشأن الداخلي تنغيصا وتنغيصا، فالتبعية والارتهان والعجز والذلّ صارت تخنق الجميع وتجعلهم يعيشون وطأة استعمار تعلو وجهه هذه المرة أرطال من مساحيق التجميل.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم أنس - تونس