شرح مواد النظام الاقتصادي في الإسلام (ح7) - المادة (132)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نص المادة 132:
(التصرف بالملكية مقيد بإذن الشارع, سواء أكان تصرفا بالإنفاق أم تصرفا بتنمية الملك, فيمنع السرف والترف والتقتير, وتمنع الشركات الرأسمالية والجمعيات التعاونية, وسائر المعاملات المخالفة للشرع ويمنع الربا والغبن الفاحش والاحتكار والقمار وما شابه ذلك).
إن دليل هذه المادة هو دليل الأنفاق, ودليل التصرفات القوليه به, مثل البيع والإجارة وغيرها, وهي أدلة تنميته, أما دليل الأنفاق هو قوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ .... }الطلاق,7 وقال تعالى في النهي عن الإسراف:{... وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأعراف31، وقال: {... وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً(26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ... }الإسراء27، وقال في النهي عن التقتير: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }الفرقان67.
وأما التصرفات القولية, فإن الشارع قد حددها بمعاملات معينة من بيع, وإجارة, وشركة ونحو ذلك, وحدد كيفيتها, وحرم ما سواها, قال عليه الصلاة والسلام : (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذا التحديد للمعاملات لكيفية مخصوصة, والنهي عن معاملات معينة نهيا صريحا, هو تقييد للتصرف بتنمية الملك بإذن الشارع.
فهناك تصرفات ورد الأمر بها على وجه مخصوص محدد, ووردت النصوص الشرعية على شروط انعقاد المعاملة, وعلى شروط صحتها بشكل جازم, فكان القيام بها فرض يجب أن يكون على الوجه الذي جاء به النص الشرعي, وأن يكون مستوفيا جميع شروط الانعقاد وجميع شروط الصحة التي جاء بها النص الشرعي, فإذا جاءت مخالفة لما جاء به النص أو غير مستوفية شروط الانعقاد وشروط الصحة فقد خالفت الشرع, فكانت أما باطلة إذا لم تستوف شروط الانعقاد, وإما فاسدة, إذا كانت لم تستوف خلافها مما جاء الشرع بالأمر به أو بالنهي عنه وفي هذا مخالفة للشرع أي مخالفة لأوامر الله ونواهيه وهو ارتكاب الإثم,فهي تعتبر مما نهى عنه الشرع, مثال ذلك, العقد الشرعي, فقد أمر الشارع فيه أن يكون بين عاقدين اثنين, قال عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا )، وقال تعالى بالحديث القدسي : (أنا ثالث الشريكين )، وأمر أن يكون العقد بإيجاب وقبول,فإذا لم يستوف العقد هذه الشروط, (عاقدين, وإيجاب وقبول)، في معاملة من المعاملات بطل العقد ولم ينعقد, وكان التصرف الحاصل في هذه المعاملة, ارتكابا لاثم وفعلا لحرام , إذ تعتبر هذه المعاملة مما نهى الشرع منه, مثال ذلك الشركات المساهمة, فإنها تتم من جانب واحد, فبمجرد توقيع الشخص على شروط الشركة يصير شريكا, وبمجرد شراء الشخص للسهم في الشركة يصير شريكا, فهي عند الرأسماليين من قبيل الاداره المنفردة كالوقف والوصية في الإسلام, وهذا مخالف لواقع الشركة التي تحتاج إلى طرف يحصل به الإيجاب وأخر يحصل به القبول , فليس في شركة المساهمة عاقدان بل متصرف واحد, والشركة شرعا لابد أن تكون بعقد إيجاب وقبول, من عاقدين مثلها مثل البيع والإجارة والنكاح وما شاكل ذلك من العقود , ولذلك لم تنعقد شركة المساهمة فكانت باطلة وكانت حراما, وفيها ترك ما أمر الله به من شروط انعقاد الشركة, والله تعالى يقول:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}النور63
وكذلك أيضا شركات التأمين والتي يجري فيها التأمين على الحياة وعلى البضاعة والممتلكات, فأنه تعهد من شركة التأمين بأن تعوض على المؤمن عين ما خسره أو ثمنه بالنسبة للبضاعة أو الممتلكات, أو مبلغا من المال بالنسبة للحياة وما هو مثلها مثل: التأمين على عضو من أعضاء الجسم , وذلك حين حصول حادث جرى حصوله في مدة اتفقا عليها , مقابل مبلغ من المال معين .
فليس في هذا التأمين مضمون عنه ,أي ضم ذمة إلى ذمة, إذ لا يوجد احد قد ضمنته الشركة, وضمت ذمتها إلى ذمته, ولا يوجد في هذا التأمين حق مالي للمؤمن عند احد قد ألتزمته شركة التأمين, إذ ليس للمؤمن حق مالي عند أحد وجاءت الشركة وضمنته, ومعنى التأمين هو ضمان, والضمان شرعا هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق, فلابد فيه من ضم ذمة إلى ذمة, ولا بد فيه من ضامن ومضمون عنه ومضمون له, ولابد أن يكون ضمانا لحق ثابت في الذمة, وهذه شروط انعقاد وشروط صحة في الضمان, وما دام عقد التأمين لم يستوف هذه الشروط الشرعية فهو باطل شرعا, وكان حراما , فكان القيام بها ارتكابا لاثم وفعلا لحرام, فكانت من المعاملات المحرمة شرعا, لأن كل معاملة باطله حرام, فهذه التصرفات مثل الشركة والضمان قد حددت بكيفية مخصوصة, وشروط مخصوصة, بنصوص شرعية فوجب التقيد بها , وهذا دليل على ان التصرف بتنمية الملك مقيد بأذن الشارع , وهناك تصرفات قد تم النهي عنها صراحة, كالغبن الفاحش , كما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم انه يخدع في البيوع , فقال: ( إذا بايعت فقل لا خلابة )، والخلابة هي الخديعة, وقال صلى الله عليه وسلم: ( بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم )، لذلك كان الغبن الفاحش حراما, وكذلك الاحتكار لقوله صلى الله عليه وسلم: ( من احتكر فهو خاطئ) وكذلك القمار لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة90، وكذلك الربا لقوله تعالى: {.... وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }البقرة275، فكان هذا النهي الصريح عن هذه التصرفات وأمثالها تقييدا للتصرف بتنمية الملك بأن لا يكون في هذه المعاملات وأمثالها وهذا أيضا دليل على أن التصرف بتنمية الملك مقيد بأذن الشارع .
والى أن نلقاكم مع مادة أخرى من مواد النظام الاقتصادي في الإسلام نستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو الصادق