تلخيص كتاب الأجهزة 4
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الخلافة هي رئاسة المسلمين جميعا في الدنيا، وهي لتطبيق أحكام الإسلام، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، فهي لتطبيق أحكام الإسلام على البشر ولنشره بين البشر. يبايع فيها المسلمون من يشاءون، ويقيمون عليهم من يريدون خليفة لهم، وهي منصب بشري، وهي غير النبوة مطلقا، فالنبوة منصب إلهي يعطيها الله لمن يريد ليتلقى شريعته بواسطة الوحي، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم كان حاكما يطبق الشريعة التي جاء بها، فكان يتولى الحكم والنبوة، وقد أمره الله بالحكم كما أمره بتبليغ الرسالة، فقال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتولى منصبان هما النبوة ورئاسة المسلمين جميعا في الدنيا. وأما الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يتولونها بشر، وهم ليسوا أنبياء، فيجوز عليهم ما يجوز على البشر من الخطأ، وقد أخبرنا بذلك رسول الله في قوله: "إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ، وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ"، فهذا الحديث يدل على أنه يجوز على الإمام الخطأ والنسيان والمعصية، والناس ملزمون بطاعته ما دام يحكم بالإسلام، ولم يحصل منه كفر بواح، وما لم يأمر بمعصية.
ليست هناك مدة محدّدة لرئاسة الخليفة، فما دام محافظا على الشرع، قادرا على القيام بشئون الدولة يبقى خليفة، إذ أن الأحاديث التي ذكرت البيعة ذكرتها على إطلاقها ولم تقيدها بمدة معينة، كما أن خلافة الصحابة استمرت حتى وفاتهم، فكان ذلك إجماعا من الصحابة. أما إذا حصل وطرأ على الخليفة ما يستوجب عزله أو يجعله معزولا فإن مدة خلافته تنتهي، وذلك ليس تحديداً لمدة البيعة، بل بسبب حدوث خلل في شروطها؛ لأن البيعة محددة بقيام الخليفة بما بويع عليه، وهو العمل بالكتاب والسنة.
إذا فقد الخليفة أيّ شرط من شروط الانعقاد السبعة فإنه لا يجوز له شرعاً الاستمرار في الخلافة، ويكون مستحق العزل، والذي يملك قرار عزله هو محكمة المظالم، فهي تقرر إن كان الخليفة قد فقد أي شرط من شروط الانعقاد، ذلك أن حصول ما يستوجب عزل الخليفة هو مظلمة بحاجة إلى إزالة، ومن الأمور التي بحاجة إلى إثبات، فلا بدّ من إثباتها أمام قاضي، والذي يحكم بإزالة المظالم هو محكمة المظالم، وقاضيها هو صاحب الصلاحية في إثبات المظلمة والحكم بها، فإذا حصل وتنازع المسلمون وأولو الأمر فيجب ردّ أمرهم إلى الله ورسوله أي ردّه إلى القضاء، هذا إن حصل ورأى المسلمون أنه يجب أن يعزل لفقدانه إحدى شروط الانعقاد ولكن هو نازعهم في ذلك، أما إن خلع نفسه بنفسه فقد انتهى الأمر.
يجب الاشتغال بنصب الخليفة منذ اللحظة الأولى لخلو منصب الخلافة، كما حدث عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث اشتغل المسلمون عقب وفاته في نصب خليفة له، وأقصى مدة لنصب خليفة هي ثلاثة أيام، والدليل هو أن عمر بن الخطاب عندما حدد ستة من أهل الشورى لمنصب الخلافة حدّد لهم ثلاثة أيام، وحدد خمسون شخصاً لقتل المخالف منهم إذا لم يتفقوا على خليفة في تلك المدة، مع أنهم من أهل الشورى، ومن كبار الصحابة، ولم يعارضه أحد من الصحابة، فكان ذلك إجماعا. فيجب على المسلمين الانشغال بنصب خليفة بعد شغور مركز الخلافة، ولا بد من نصبه خلال ثلاثة أيام، أما إن حصل وقضي على الخلافة وقعدوا عن ذلك، فإنهم آثمون، إلا من تلبس بالعمل الجادّ من أجل إقامتها مع جماعة مخلصة، فإنه ينجو من الإثم، وهو إثم عظيم كما بينّه عليه الصلاة والسلام "ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".
المعاونون هم الوزراء الذين يعينهم الخليفة ليعاونوه في تحمل أعباء الخلافة، ولا يصحّ تسميتهم وزراء دون تقييد، حتى لا يلتبس مدلول الوزير في الإسلام مع مدلول الوزير في الأنظمة الديمقراطية العلمانية. ووزير التفويض يفوّض إليه الخليفة تدبير الأمور برأيه وإمضائها حسب اجتهاده وفق أحكام الشرع.
للخليفة أن يقلد معاون التفويض في النيابة عنه في كل أرجاء الدولة مع عموم النظر في كل الأعمال، وله أن يكلّفه بعمل معين، أو لمكان معين، مثلا لولايات المشرق أو المغرب، وحيث أن الخليفة سيحتاج لأكثر من وزير خاصة مع اتساع حجم الدولة، فإن هذا سيوجد مشاكل في قيام الوزراء بعملهم لاحتمال التداخل ما دام لكل منهم عموم النظر والنيابة، لذلك فنحن نتبنّى ما يلي: من حيث التقليد يقلد المعاون عموم النظر والنيابة في كافّة أرجاء الدولة، ومن حيث العمل يكلّف المعاون بعمل في جزء من الدولة، أي أن الولايات تقسم بين المعاونين، وأما من حيث النقل فينقل المعاون من مكان إلى آخر ومن عمل إلى آخر دون الحاجة إلى تقليد جديد؛ لأن أصل تقليده معاونا يشمل كل عمل، وهو بذلك يختلف عن الوالي، لأن الوالي مقلدٌ لعموم النظر في مكان ما، فلا يُنقل إلى غيره، بل يحتاج إلى تقليد جديد، لأن المكان الجديد ليس داخلا في التقليد الأول، أما المعاون فإنه يُقلد عموم النظر والنيابة، فيجوز نقله من مكان إلى آخر دون الحاجة إلى تقليد جديد. ويُشترط في معاون التفويض ما يشترط في الخليفة، وهو أن يكون رجلا مسلما حرا بالغا عاقلا عدلا وقادرا من أهل الكفاية.
يجب على معاون التفويض أن يرفع ما يعتزمه من تدبير إلى الخليفة، ثم مطالعته لما أمضاه من تدبير، وينفذ هذه المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن ذلك، وذلك ليس أخذاً للإذن، فمطالعته تعني أن يذاكره في الأمر، وتكون هذه المطالعة كافية لأن يقوم بكل ما ورد فيها من تفصيلات من غير حاجة إلى صدور الإذن بالعمل، ويجب على الخليفة تصفح أعمال المعاون؛ لأنه هو المسئول عن الرعية ولاستدراك ما قد يقع خطأ من المعاون. إذا طالع المعاون الخليفة في أمر فأقرّه ثم بعد تنفيذه عارضه الخليفة فإنه ينظر، فإن كان مما يجوز للخليفة أن يستدركه من فعل نفسه جاز أن يستدركه من فعل نائبه، كوضع خطة عسكرية؛ لأنه وإن كان يقوم بكافّة صلاحيات الخليفة إلا أنه لا يقوم بها على وجه الاستقلال بل على وجه النيابة، وإذا كان الفعل مما لا يجوز للخليفة أن يستدركه من فعل نفسه فلا يجوز أن يستدركه من فعل نائبه، كوضع مال في حقه، أو حكم نفّذه على وجهه. إن معاون التفويض لا يخصص بالجهاز الإداري؛ لأن الذين يباشرون الجهاز الإداري هم أجراء وليسوا حكاما، ولكن هذا لا يعني أنه ممنوع من القيام بأي عمل إداري، ولكن معناه أنه لا يختص بأعمال الإدارة بل له عموم النظر.
إن الذي يعين معاوني التفويض ويعزلهم هو الخليفة، وولايتهم تنتهي عند وفاته، ولا تستمر إلا طيلة فترة الأمير المؤقت، ولا يحتاجون قراراً بالعزل عندها.