تلخيص كتاب التفكير 6
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لا بدّ عند التفكير بالتغيير من النظر للأساس أولا؛ لأنه هو الذي تقوم عليه الحياة، وبه تتم ممارسة الحياة، فإن كان عقيدة عقلية تتجاوب مع فطرة الإنسان فلا حاجة للتغيير لأن التغيير يحصل عندما لا تكون الأمور صحيحة. فإذا لم يكن الأساس صحيحا فإن أي تفكير بالتغيير بعده يكون عبثاً، أما إن كان الأساس صحيحاً كان واجبا أن يحدث من عندهم الأساس الصحيح التغيير فيمن ليس عندهم أساس أو أساسهم خاطئ، وبعد أن يوجد الأساس الصحيح يكون من السهل تغيير المقاييس والمفاهيم والقناعات؛ لأن الأساس هو المقياس الأساس، وهو المفهوم الأساس والقناعة الأساسية. والتفكير بالتغيير لا يكون موجودا عند الذين يشعرون بضرورة التغيير، بل هو موجود طالما أن هناك حاجة للتغيير في الكون، فالإنسان يحاول إحداث التغيير في كل مكان يحتاج للتغيير. والتفكير بالتغيير يوجد من مجرد الشعور بالحياة وإن كانت تقاومه القوى التي ترفض التغيير، وجعل الناس يفكرون يأتي إما بالقوة أو بالإقناع بضرورة التفكير بالتغيير، وبعدها يصبح التفكير بالتغيير سهلا.
إن القراءة لا توجد التفكير، فكثير من الذين يقرؤون لا يفكرون، أو لا يصلون إلى الأفكار التي يعبر عنها الكلام، فإن كان الإنسان يحسن فهم التعبير وجدت لديه الأفكار من إحسان فهمه وليس من القراءة، والقراءة لا تنهض بالأمم، فالتفكير يأتي من الواقع والمعلومات السابقة، والقراءة ليست واقعا ولا معلومات سابقة. إن النصوص الشائعة هي الأدبية والسياسية والفكرية والتشريعية، أما الأدبية فإنه يُهتم فيها بالتراكيب والألفاظ وليس المعاني، وإنما يهتم بالمعاني من ناحية صلاحيتها للتصوير أم لا، فالمراد من النصوص الأدبية هو إثارة القارئ وليس إعطاء المعنى، فالغاية الأساسية منها ليست أداء المعاني بل إثارة القارئ، وفهم هذه النصوص يستلزم معارف سابقة عن الألفاظ والتراكيب وقراءة النصوص الأدبية، بشكل يتربى معه الذوق، فالمسألة مسألة ذوق، وهذا لا يأتي إلا بعد المران وكثرة التذوق وكثرة قراءة النصوص، ومعلوماتها السابقة هو تكون الذوق، وإذا لم يتكون هذا الذوق فقد يُدرك الفكر، ولكن يثيرك ولا يؤثر فيك ولا تهتز له، فالأديب يقوم باختيار أبرز الحقائق أو ما يمكن أن يجد فيها مظهرا من مظاهر الجمال ويقربها إلى القارئ.
وهي عكس النصوص الفكرية، والتي هي لغة العقل لا لغة العاطفة، وهي تقصد إلى تغذية العقل بالأفكار، والاهتمام فيها يكون بالمعاني أولا ثم الألفاظ والتراكيب، وتتسم ألفاظه بالدقة والتحديد، وفهمها يتطلب وجود معلومات سابقة عن النص المقروء، ويجب أن يكون واقع هذه المعلومات السابقة ومدلولها متصورا، وليس فقط فهم مدلولها، فمثلا لا يكفي في النص الذي يتحدث عن السياسة باللغة العربية معرفة اللغة العربية وما تدل عليه كل كلمة، بل لا بد أن تكون الأفكار الموجودة في النص متصورة، فيُعرف الوعي السياسي، واتجاهات النضال، وما يمكن أن يعترضك من اتجاهات معاكسة في النضال... وسواء أثرت النصوص الفكرية على المشاعر أم لا فذلك لا يؤثر على وصفها نصا فكريا، طالما أن العناية موجهة إلى الأفكار. صحيح أن هذه النصوص صالحة لكل الناس، ولكنها في عمقها ليست في متناول الجميع فهمها، بل لكل أن يأخذ منها حسب قدرته على الفهم، والذين لا توجد لديهم معلومات سابقة بمستواها لا يمكن أن يفهموها، ولا بد أن يكون فهم النص الفكري فهما صحيحا. وهكذا، فإنه لفهم النص الفكري يجب - بجانب وجود المعلومات السابقة - أن تكون المعلومات السابقة بمستواه، وأن تُدرك مدلولاته وتفهم فهما صحيحا؛ لأن النص الفكري يفهم ليؤخذ ويُعمل به. فالإسلام بما فيه من عقائد جاء منجما حسب الأحداث، وهكذا فهمه المسلمون، لأنهم تصوروا له واقعا، فانقلبوا رأسا على عقب.
والفكر إنما يُفهم ليُحدد الموقف منه، إما الأخذ أو الترك والمحاربة، وليس الأخذ مطلقا، وهذا الأمر ضروري حتى لا يقع الزلل والانحراف عن القضية الأساسية، كما حصل في الفلسفة اليونانية التي قام المسلمون في العراق بدراستها، فمنهم من فعل ذلك لاستخدامها في الرد على النصارى، وفريق انصرف إليها للذة واعتنقها حتى أصبحت رأيه مع مراعاة الإسلام، وعدد منهم انحرف وضل ضلالا بعيدا حتى كفر. وأما الذين درسوها للرد على النصارى فمنهم من جعلها أساسا وصار يحاول تأويل أحكام الإسلام بما يتفق معها، وهؤلاء هم المعتزلة، ومنهم من قام بمحاولة الرد عليها وتصحيحها، وهؤلاء هم أهل السنة. وهكذا دار الجدال بين هذين الفريقين، ووجدت بعدها العديد من الفرق، وانقسم المسلمون إلى عشرات الفرق بسبب هذه الفلسفة وعدم إدراك واقعها والتصور الصحيح لمدلولاتها، ولولا أهل السنة والجماعة لضاع الإسلام، وكذلك الحال بالنسبة للأفكار الرأسمالية والاشتراكية وما أحدثته في عقول المسلمين. نعم، إن الشرع قد أباح الدراسة الفكرية، ولكنه جعل الإسلام وحده أساس قبولها، وحتى يُعرف هل سيتم قبول هذا الفكر أم لا يجب إدراك واقعه ومدلوله إدراكا صحيحاً، وأن توجد معلومات سابقة بمستوى الفكر.