ذكرى هدم الخلافة - كلمة الاستاذ أبي شهاب
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على نبينا الأمين و على آله و صحبه أجمعين, و على من سار على دربه بوعي و إخلاص إلى يوم الدين.
((ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب))
أيها المسلمون: أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته, و بعد
فإني و الله لست من أرباب الخطب و لا من أصحاب الكلام رغبة في الكلام, و لكنها أمانة التذكير و التبليغ، حيث يقول رب العزة: ((فذكر إنما أنت مذكر))، و يقول: ((إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)).
تمر علينا هذه الأيام ذكرى أليمة حزينة, هي ذكرى هدم دولة الإسلام, دولة الخلافة, بعد تكالب دول الكفر عليها و قد جندوا لهذه المهمة من هم من أبناء جلدتنا, من خونة العرب و الترك فهوت صريعة لا حراك فيها, فتشفى بها أعداؤها و قالوا للمسلمين متحدين: لقد ذبحت لكم دولتكم فهل من منازع؟ فوصل المسلمون إلى الحضيض في الهبوط الروحي و التخلف المادي و التأخر الفكري و الانحطاط السياسي و دمرت العلاقات الإسلامية في المجتمع و حلت محلها العلاقات الرأسمالية و الروابط القومية, أي روابط العصبية القبلية و الوطنية, و لم يبق من أفكار الإسلام إلا أحكام العبادات, و من المشاعر الإسلامية إلا المشاعر الكهنوتية.
و هذا كله وعى عليه الكافر المستعمر أكثر من أبناء المسلمين, فشارفت الأمة على الانقراض, فمحيت سيماها المميزة و دمرت فضائلها الخاصة و انعدمت من جرائه نفسيتها الخيرة و ذابت منها شخصيتها الإسلامية فمات الشعور بمرارة الهزيمة أمام الكفار و لم يعد يحس بها إلا القليل ممن لا يؤثرون كثيرا في سير الحياة.
أما كيف تعيد الأمة مكانتها القديمة و تعود خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر؛ فإن ذلك لا يتأتى إلا برجوعها إلى النقطة الأولى التي بدأ منها الانزلاق، فيرجعوا إلى دينهم و يشمروا عن ساعد العمل المخلص و الواعي إلى أن يعودوا إلى مكان الصدارة بين الأمم.
فالمسلمون لا يزالون مسلمين, رغم كل ما هم عليه؛ فلا تزال عقيدتهم عقيدة إسلامية, و الإسلام لا يزال في أصوله: الكتاب و السنة كما كان في أيام الرسول عليه الصلاة و السلام.
و لا يزال استنباط الأحكام الشرعية ممكنا و كذلك كيفية الاستنباط. فليس هناك نقص في اعتقاد المسلمين بالإسلام و لا هناك تغير في الإسلام و إنما هناك فقط زعزعة في الثقة بالأفكار و الأحكام المنبثقة عن العقيدة الإسلامية, ترتب عليها إيجاد خلل في كيان الأمة مما جعلها على حافة الهاوية تشرف على خطر الفناء.
فالعلاج إنما يكون بعلاج الزعزعة التي حصلت في الثقة بالأفكار و الأحكام المنبثقة عن العقيدة الإسلامية.
و الغاية من العلاج هي: إنهاض الأمة و إعادة الدولة لاستئناف الحياة الإسلامية و حمل الدعوة الإسلامية رسالة هدى و نور إلى العالم. و هذا هو بيت القصيد. فلا بد أن تكون الخطوة الأولى في إعادة الثقة بالإسلام من أجل إنهاض الأمة و إقامة الدولة حتى تنطق الوقائع الملموسة و الحوادث الجارية بصحة أفكار الإسلام و أحكامه حتى يوجد البرهان العقلي و الشعوري الذي يوجد القناعة بهذه الصحة, و هذا لا يتأتى إلا بحمل الدعوة الإسلامية بالطريق السياسي, أي بالعمل لإقامة الدولة الإسلامية عن طريق الأفكار الإسلامية الملموسة في واقع الحياة.
أيها المسلمون: إننا منكوبون ببلائين: أحدهما أن حكامنا عملاء للكفار المستعمرين, و ثانيهما أننا نحكم بغير ما أنزل الله أي بأنظمة الكفر . فالفرض عليكم أن تكافحوا العملاء لكشفهم و فضح أعمالهم و كذلك مكافحة نظام الكفر لإزالته و إقامة سلطان الإسلام و حكم القرآن. و بهذا أتوجه إليكم أيها المسلمون جميعا أن ارجعوا إلى لله و قووا صلتكم به و استمدوا العون منه و توكلوا على الله حق التوكل و اجعلوا نوال رضوان الله تعالى المثل الأعلى في الحياة. فإن إنقاذ أمتكم إنما هو من أجل نشر دين الله و إعلاء كلمته و إيصال الرحمة لخلق الله, و جلب السعادة لعباد الله و هو يعني أن يشدخ نافوخ الكفر, و أن يحطم رأس الطاغوت و يسحق الضلال و الإلحاد, و هذا لا يتم إلا بكفاح مرير بسلاح الفكر المستنير و من ثم بجهاد صادق لإعلاء كلمة الله.
كما أتوجه إلى العلماء المسلمين فأقول لهم: كونوا حقا ورثة الأنبياء و سيذكركم التاريخ بالتكريم و العرفان إن كنتكم عند حسن ظن أمتكم بكم و قلتم الحق عند سلطان جائر و إلا سينساكم التاريخ و تطويكم السنون. فلا تسكتوا عن حق وجبت إذاعته ولا تكتموا حكما شرعيا في قضية أو مشكلة خاصة إذا تعلقت بتصرفات الحكام. و أذكركم بقول الله تعالى: (( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون)). كما أتوجه إلى أهل القوة من المسلمين أن هبوا لنصرة الإسلام و أبعدوا عنكم الخوف و الجبن, فهاهم حكامنا مشغولون بكراسيهم و بولاية عروشهم ويحاولون شراء ذمتكم لتكونوا عونا لهم و تحاربوا حملة الدعوة و تتجسسوا عليهم ....فالعمر قصير و الرزق محدود فكونوا أنصار الله، (( يا أيها الذين امنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل و كفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين)).
و في ختام كلمتي هذه أذكر المسلمين بأنهم مسؤولون عن حمل رسالة الإسلام و تبليغها للناس كافة و سيكونون شهداء عليهم يوم القيامة. (( و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا)).
و الأمة الوسط هي أعلى الأمم و أعدلها و أرقاها. و حتى تكون الأمة الإسلامية شاهدة على الأمم لا بد لها أن تطبق الإسلام كاملا على نفسها أولا, و هذا لا يكون إلا بوجود دولة لهم ؛ ففيها حياتهم (( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و الرسول إذا دعاكم لما يحييكم)) و يقول كذلك: (( أو من كان ميتا فأحييناه, و جعلنا له نورا يمشي به في الناس, كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها, كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون)) صدق الله العظيم.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أبو شهاب