نقطة الارتكاز لبناء دولة الإسلام - الأستاذ أبو أيمن
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القوي المتين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث هدى ورحمة للعالمين، وعلى أصحابه الغر الميامين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، ومن سار على نهجهم في حمل الإسلام دعوة لتحكيم شرع مالك يوم الدين وبعد.
أيها المسلمون، حديثنا اليوم بعنوان نقطة الارتكاز لبناء دولة الإسلام، بعيد بيعة الحرب، بيعة العقبة الثانية.
أيها المسلمون ، بعد بيعة العقبة الأولى، وقد عاد من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامهم في يثرب وأرسل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير سفيراً له مع القوم العائدين إلى يثرب بعد بيعة العقبة الأولى يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ويفقهم في الأحكام حاملاً إليهم دعوة الإسلام إلى من يسكن يثرب وما حولها.
نزل مصعب على أسعد بن زرارة وكان أول من التقى بمصعب بن عمير في المدينة سعد بن معاذ، ابن خالة أسعد بن زرارة وكان مع سعد بن معاذ رجل آخر هو أسيد بن حضير اللذان استمعا إلى مصعب، وما تحدث من مقال في الإسلام، وتلا قرآنا عليهما، وما كاد مصعب يتم حديثاً حتى أسلم أسيد بن حضير، وأسلم معه سعد بن معاذ وكان لإسلامهما شأن عظيم ونصر كبير، وقوة حاضرة فاعلة.
أيها المسلمون سعد بن معاذ كان رجلاً رائداً في قومه، والأفضل فيهم رأياً، ونقيبة وعقلاً دعا قومه، وأقسم عليهم أن يسلموا فأسلموا رجالاً وشباباً ونساءً.
ثم ذهب مصعب وابن معاذ إلى بيت أسعد بن زرارة ودعوه فأسلم وبإسلامه لم يبق بيت في المدينة من بيوت أوسها وخزرجها إلا وقد أسلم.
أيها المسلمون استجاب الناس في المدينة إلى دعوة الإسلام، بعكس مجتمع مكة الذي تحجر على رسول الله وانغلق ولم يستجب إضافة إلى موقف عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كذبوه وأخرجوه وآذوه وقاتلوه وقهروه حتى قال فيهم صلى الله عليه وسلم بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم.
أيها المسلمون في العام الثاني لموسم الحج بعيد بيعة العقبة الأولى حيث خرحت الوقود من يثرب لتحج وقد واعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق حين وفق الله عز وجل من أراد له الهداية والنصرة والموقف العزيز الذي به أذل الله الشرك وأتباعه.
أيها المسلمون حجت الوفود وفرغوا من المناسك كلها والتقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في الموعد والمكان وقد اجتمعوا وكان عددهم سبعين رجلاً وامرأتين هما نسيبة بنت كعب أم عمارة، وأسماء بنت عمرو أم منيع.
كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس وكان يومئذ على دين قومه مشركاً وقد أحب أن يطمئن على ابن أخيه ويتوثق له، فقام العباس وتكلم فقال: ((يا معشر الخزرج (ويعني الأوس والخزرج) تعلمون بأن محمداً منا وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا وهو في عز من قومه منعة من بلده وإنه قد أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له مما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم، فمن الآن دعوه فإنه في عز ومنعة من قومه.
هذا موقف العباس، رجل من عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الشرك، يمكن لابن أخيه، ويوثق له حدبا عليه وحرصا عليه، موقف صادق وأمين، موقف واضح، فيه وعيد وتهديد إن خذلوه، يشترط عليهم قبل الانقطاع إليهم إلا يخونوا ولا يغدروا ولا يخذلوا.....
فكيف لو كان العباس مسلماً يوم ذاك لأختلف الأمر، للازمه وبقي معه يحرمه ويمنعه ويحميه.
ذاك موقف العباس، فما بال مسلمي هذا العصر أداروا ظهورهم لدينهم فلم ينصروه، ولم يحملوه ولم يدافعوا عنه من أعدائه المشركين والعلمانيين والديمقراطيين الذين أساءوا إلى الإسلام وإلى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصلوا دينهم دين الإسلام عن حياتهم، وهدموا دولتهم دولة الخلافة ووقفوا موقف الهوان والتخاذل التقصير. وهم المسئولون أمام الله عن حماية دينهم، وتطبيق شريعته، وإعزازه، ليكون موئل أمن وحصن واستقرار، وملاذ عيش كريم وحياة آمنة مستقرة.
أيها المسلمون سمع الوفد ما قال العباس وطلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ لنفسه ودينه، فتلا عليهم صلى الله عليه وسلم القرآن ودعا إلى الله ورغب في الإسلام ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم وأولادكم»
أيها المسلمون يدرك الأوس والخزرج خطورة الموقف ودقة الموقف، إنه موقف الحرب على كل من يقف في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه صلى الله عليه وسلم عندهم بأعز من أبنائهم ونسائهم وأموالهم، ولهذا كانت البيعة بيعة حرب لانطلاقة دولة الإسلام في المدينة المنورة رغم أنف يهود والمشركين والمنافقين، وكل من يحمل عداء لهذا الدين.
أيها المسلمون قام البراء بن معروف وأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب وأهل الحلقة ورثناها كابراً عن كابر.
هذا الموقف من البراء الذي تكلم باسم أوسها وخزرجها موقف خطر يحارب من أجله الأبيض والأسود، يحارب كل من يعاند أو يكابر أو يتآمر أو يتخاذل أو يضمر سوءا وشراً لمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعوته أو يؤذيه أو يؤلب عليه، موقف نصرة بحق، وموقف بطولة فيه المنعة والقوة والتحدي، فيه التضحيات الجسام في وجه يهود والمشركين من عرب الجزيرة كلهم.
موقف صدق والتزام موقف أمن وحماية مهما كثر الأعداء وتكالبوا وتآمروا وتجسسوا موقف عظيم من رجال عظماء باعوا أنفسهم في سبيل الله وارخصوا الغالي في سبيل الله، موقف فيه درس وعظة وأنموذج للرجال الأقوياء، للرجال الصادقين المخلصين القادرين على نصرة هذا الدين وحمايته.
موقف تعليم للقاعدين والمرجفين والخائنين والمتعذرين والمبررين لصمتهم وسكوتهم وقعودهم وركونهم إلى الظالمين.
أيها المسلمون الأكارم ، قام أبو الهيثم بن النبهان وعقب على قول البراء بمن معرور فقال يا رسول الله إن بيننا وبين الناس ويعني يهود حبالاً وإنا قاطعوها فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا.
إبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «بل الدم الدم والهدم الهدم، أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم».
أيها المسلمون مكة موطن رسول الله الأول وبعثه الله فيها وهي أحب أرض الله إلى الله وأحب أرض الله إلى رسول الله، قد هانت على رسول الله في سبيل الله.
غادرها بعد البيعة مهاجراً إلى المدينة ليقيم دولة الإسلام، ويحكم بشرع الله وينشر دين الله يرسل الوفود إلى الروم والفرس وإلى قبائل العرب وإلى من يجاور جزيرة العرب يدعوهم إلى الإسلام محطماً الحواجز العقبات، ومذللاً الصعوبات ليصل الإسلام إلى الناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة الطواغيت إلى عبادة الله.
لم يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يطلب مركزاً ولا مالاً ولا جاهاً ولا زعامةً ولا استثماراً.
هاجر تحقيقا لأمر الله، ولغاية من أسمى الغايات هي رضوان الله عز وجل ونشر دين الله، وتطبيق شريعة الله وبذلك يكون قد أدى الأمانة والرسالة ونصح الأمة وحقق الهدف والغاية وترك المسلمين على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
أيها المسلمون هذه بيعة العقبة الثانية بيعة حرب للأحمر والأسود ولكل من يقف في وجه هذه الدعوة بيعة ترخص فيها الأموال والأنفس وتعظم التضحيات وتتميز فيها المواقف ويتصف فيها الرجال.
بيعة حرب قد يقتل فيها الزعماء والأشراف وتهدم البيوت وتحترق المؤسسات.
كل ذلك من أجل ثمن غال وعظيم جنة يدخلها رجال أيما رجال، مؤمنون قانتون مخلصون.
أيها المسلمون يقول صلى الله عليه وسلم: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
فيا أهل القوة والمنعة، يا أهل النصرة والحلقة، يا من فيه القدرة على إعطاء النصرة لمبايعة خليفة المسلمين المرتقب ليتم على يديه تحقيق العزة والمجد، والحياة الكريمة بإقامة حدود الله في الأرض والاحتكام إلى شرع الله يستأصل المحرمات والمنكرات والفواحش ويقود المسلمين إلى تحرير ما أغتصب من البلاد وإلى الجهاد في سبيل الله لنشر الإسلام وتغيير هذا الواقع المرير الغاص بالذل والهوان والضياع.
((ولينصرن الله من ينصره إن الله قوي عزيز))
وما النصر إلا من عند الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو أيمن