خبر وتعليق قانون حماية البقرة المقدسة!!!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
تناقلت وسائل الإعلام العالمية خبر قانون يحظر بيع لحوم الأبقار في الهند، ووفق ما ذكرته السكاي نيوز في 2015/3/4 قررت ولاية ماهاراشترا الهندية فرض عقوبات على حيازة لحوم الأبقار وبيعها، تصل إلى خمس سنوات سجن ويقضي القانون بصيغته الحالية، الذي بُدئ العمل به الاثنين، بتغريم المخالفين نحو 10 آلاف روبيه (160 دولار تقريبا). ويأتي إقرار الحظر من قبل الولاية الواقعة غربي الهند التي تضم مدينة مومباي، العاصمة الاقتصادية للبلاد، كتعديل على قانون يعود لعام 1972 يمنع ذبح الأبقار، اتسع نطاقه تدريجيا ليشمل الثيران والعجول الصغيرة "نيويورك تايمز". تعطل إصدار القانون لسنين طويلة ولكن وصول النظام الحالي الموالي للهندوس للحكم ذلل جميع العقبات.
التعليق:
أتى هذا القانون اللافت للنظر في بلد يفتخر بتراث تشريعي ودستور يحث على الحريات والمساواة وحقوق المواطنين والذي يعود إلى عام 1949، وقد اعتمدته الجمعية التأسيسية في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1949، وبدأ تطبيقه كليا في 26 كانون الثاني/يناير 1950. ويعد دستور الهند أطول دستور لدولة لها سيادتها في العالم، وقد أحدث في هذا الدستور 94 تعديلا إلى يومنا هذا. تُعدّ الهند أكبر ديمقراطية في العالم ويعتبرها مريدو العلمانية والليبرالية تجربة فريدة وقوية في ترسيخ مبادئ العلمانية وتوظيفها للرقي بالإنسان، ويتم إبرازها كنموذج للنجاح في القارة الآسيوية. وبالرغم من كثرة ترديد هذه المكتسبات إلا أن الهند تعاني من التمييز العنصري والطائفي في أبشع صورهما ولا زالت التركيبة الاجتماعية تستند إلى نظام التمييز الطبقي.
كشف وصول الرئيس الهندي ناندرامودي لسدة الحكم هشاشة هذه المكتسبات الليبرالية العلمانية في الهند وسلط الأضواء على العلاقة بين الدين والدولة والسياسة ومدى تشبث الحكومة الحالية بنظام هندوسي متطرف وتطويع النصوص الدستورية الوضعية لخدمة أجندة الهيمنة الهندوسية والإضرار بمصالح المسلمين. هذا القانون المعيب لن يؤدي فقط للإضرار بحق المسلمين في ذبح الأبقار وأكل لحومها بل سيضر بحق تجار لحوم الأبقار الذين تبددت تجارتهم بين ليلة وضحاها ولحقت بها خسائر مادية كبيرة. والعجيب أن تصادق الحكومة على هكذا قانون بينما يستمر السياسيون في إلقاء الخطابات الرنانة للتأكيد على علمانية الدولة وحيادها وعملها على تثبيت المساواة الكاملة. كما تصرّ الحكومة في خطاباتها على أن ترسيخ أسس العلمانية سيعلي من شأن كافة الطوائف في البلاد ولكنها تسعى فعليا لترسيخ أقدام الهندوسية وإضعاف المسلمين مادياً وسياسياً ومعنويا.
إن نموذج الهند يعد مثالا بارزا لفشل الدولة المدنية القائمة على شعارات النظام الليبرالي الديمقراطي في معالجة الطائفية. ولم ينتج من هذا النظام سوى ترسيخ للطائفية ونشر للفرقة والشتات، فعمّت خطابات الكراهية وتم تهميش الأقليات وضُيّعت حقوقهم. أصبحت الهند مثالاً لإقصاء المستضعفين والتمييز ضد كل ضعيف فعمّت الكراهية ضدّ المرأة وانتشرت عمليات وأد الفتيات وهنّ في بطون أمهاتهن وحرق الزوجات من أجل الخلاف على المهر، واستغلال العمالة بشكل يعيد استنساخ نظم الرقّ في صور حديثة، وخرج مارد الطائفية لينشر الخوف في أرجاء البلاد. وهذا نتاج طبيعي لتحكيم البشر والاحتكام للإنسان القاصر المحدود: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ﴾.
انتشر الفساد وعمّ البلاء ولكنّ الدولة الهندية لا زالت متشبثة بحماية البقرة المقدسة. إن هذه البقرة المقدسة في الهند تجسّد كل نظام ودين من هوى البشر فشل أصحابه في إقناع الناس به فسنّوا القانون والعقوبات لكي يفرضوا هيبته. هذا حال البقرة المقدسة في الهند ولكنها ليست بدعة ولا حالة شاذة ولن تكون الحالة الأخيرة لأننا نرى مقاربات في أماكن أخرى، وبتنا نعيش في زمن حماية البقر المقدس بسلطة قوانين علمانية!
وصل المسملون في أصقاع الأرض للحظة فاصلة بين الشعارات والأوهام وبين الحقيقة الجلية التي تُظهر تهاوي الأنظمة والأديان الوضعية ولجوئها للقمع والإكراه لفرض رؤاها المخالفة للعقل والفطرة.
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّـهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد - أم يحيى