فقرة المرأة المسلمة- قصص وعبر- التهجد في الليل
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيّدنا محمدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين
وبعد ..
نرحّبُّ بكم من إذاعةِ المكتبِ الإعلاميِّ لحزبِ التحريرِ، ونلتقي وإياكم في هذه الإذاعةِ الطيبةِ والحلقة الثانية من قصص السلف الصالح في رمضان، لنأخذ مواقف ونعتبر منها.
ولقاؤُنا لهذا كيف كان السلفِ وتهجدهم لله تعالى في رمضان.
السلفُ والتهجدُ للهِ سبحانَه وتعالى في رمضانَ
التهجدُ أو قيامُ الليلِ دأبُ الصالحين ، حيثُ وصفَهم اللهُ سبحانَه وتعالى بقولِه : " والذينَ يبيتونَ لربهمْ سجداً وقياماً " وقالَ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ وهوَ يصفُ عبدَ اللهِ بنَ عمرِ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما : "إنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ".
والتهجدُ هو سمةُ الذاكرين لقولِ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ : " إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ ".
والتهجد أيضاً هو العلامةُ التي يُعرَفُ بها المتقون ، كما قالَ اللهُ سبحانَه وتعالى وهو يثني عليهمْ : " إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" .
ولذلك كان السلفُ الصالحُ حريصين على أداءِ تلكَ العبادةِ ( عبادةُ قيامِ الليل ) فهذا عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ كان إذا هدأتْ العيونُ قامَ فيُسَمعُ له دويٌ كدويِ النحلِ حتى يصبحَ، وكان طاووسُ رحمه اللهُ إذا اضطجعَ على فراشِهِ يتقلبُ عليه كما تتقلبُ الحبةُ على المقلاةِ ثمَّ يثبُ ويصلي إلى الصباحِ ، ثمَّ يقولُ: طيّرَ ذكرُ جهنمُ نومَ العابدين.
وكان الحسنُ رحمَهُ اللهُ يقولُ : ما نعلمُ عملاً أشدُ منْ مكابدةِ الليلِ ونفقةِ هذا المالِ ، فقيلَ له: ما بالُ المتهجدين مِن أحسنِ الناسِ وجوهاً؟ قال: لأنهم خلوْا بالرحمنِ فألبسهُمْ نوراً من نورِه. (نسأل الله سبحانه وتعالى أن نلقاهه ونحن من أحسن الناس).
وكان الفضيلُ بنُ عياضٍ يقولُ : إني لأستقبلُ الليلَ من أولِهِ فيُهولَني طولُه فأفتتحُ القرآنَ فأصبحُ وما قضيتُ نهمتي(8) .
هذا كانُ حالُهم في سائرِ الأيامِ فإذا ما جاءهمْ رمضانُ أكثروا من القيامِ ، وبالغوا في التهجدِ من الليلِ حتى كان بعضُهم يقضي جُلَّ الليلِ في التبتلِ إلى اللهِ أسوةً برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ، فقدْ روى مالكٌ في الموطأِ عنْ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ رضيَ اللهُ عنه أنه قالَ : سمعتُ أبي يقولُ:" كنّا ننصرفُ في رمضانَ من القيامِ فيستعجلُ أحدُنا الخدمَ بالطعامِ مخافةَ الفجرِ ".
وهذا عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما كانَ إذا فرغَ الناسُ من الصلاةِ بالمسجدِ أخذَ إداوةً ( إناءٌ يصنعُ من الجلدِ ) من ماءٍ ثمََّ عادَ إليه ، فلا يخرجُ منه حتى يصليَ فيه الصبحَ .
وصارَ منَ السلفِ منْ يختمُ القرآنَ في تهجدِه كلَّ عشرةِ أيامٍ ، ومنهمْ مَنْ يختمُه في تهجدِّه كلََّ سبعِ ليالٍ.
وحتى من تقدمَ بهمُ السنُّ قدْ حرصوا على أخذِ قسطِهم من هذا الزاد ، حكى الوليدُ بنُ عليٍ عن أبيه أنَّ سويدَ بنَ غفلةٍ كان يؤمُّنا في شهرِ رمضانَ في القيامِ ، وقدْ أتى عليه عشرون ومائةُ سنةٍ ..
وبعضُهم كان يتقاسمُ ليلَه مع أهلِه وأولادِه ، قالَ أبو عثمانَ النهدي: تضيّفتُ أبا هريرةٍ رضيَ اللهُ عنه سبعاً ( أي نزلتُ عليهِ ضيفا ) فكان هو وامرأتُه وخادمُه يقسمون الليل ثلاثاً ، يصلي هذا ثمَّ يوقظُ هذا...
ولمْ ينتشرْ ذلكَ بين الصفوةِ فقط ، وإنما كان أمراً مألوفاً لدى عامةِ الناسِ ، يقولُ نافعٌ مولى ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما : سمعتُ ابنَ أبي ملكيةٍ يقولُ: كنتُ أقومُ بالناسِ في شهرِ رمضانَ فأقرأُ في الركعةِ الحمدُ للهِ فاطر ونحوها، وما يبلُغُني أنّ أحداً يستثقلُ ذلك .
وقالَ يزيدُ بنُ خصفةِ عنِ السائبِ بن ِيزيد : كانوا يقومونَ على عهدِ عمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه في شهرِ رمضانَ بعشرين ركعةً ، وكانوا يقرءون بالمائتيْن ، وكانوا يتوكئون على عصيِّهم في عهدِ عثمانَ بنِ عفانَ رضيَ اللهُ عنه من شدةِ القيامِ ..
هل نعجزُ عن أن نكونَ مثلَ هؤلاء ؟! كلا ! وإنما نحتاجُ فقط إلى قليلٍ من العزمِ مع التفكرِ فيما ينتظرُ من يفعلْ مثلُ ذلك من النعيمِ الدائم ِفي جناتٍ عرضُها كعرضِ السمواتِ والأرضِ ..
ولا يفوتنا أن نذكرَ أنَّ هؤلاءِ السلفَ كانوا يحرصونَ على التدبرِ فيما يقرءون ويسمعون ، ولم يكن همُّ أحدَهم فقط كم قرأَ في كلِ ركعةٍ ، فهذا سعيدُ بنُ جبيرٍ كان يصلي بالناسِ في رمضان َ، ويرجّعُ القراءةَ ، فربما أعاد َالآيةَ مرتين ..
وكذلك حرصوا على القراءةِ في الصلاةِ من ذاكرتِهم دون مصحفٍ ، وكانوا يكرهونَ القراءةَ للصلاةِ في المصحفِ ، وإنْ وردتْ عن البعضِ فيها إباحة ، فقدْ جاءَ في تاريخِ بغدادَ عن سويدٍ بنِ حنظلةٍ البكري أنه مرَّ بقومٍ يؤمُهم رجلٌ في المصحفِ في رمضانَ فكرهَ ذلكَ ، ونحّى المصحفَ .
ونذكرُ أيضاً أنََّ المقرئينَ الذين كانوا يؤمون الناسَ في الصلاةِ كانوا يحرصون على أنْ يجعلوا صلاتهَم بالناسِ دونَ مقابلٍ إلا مَن كان إماماً راتباً من قبلِ الدولةِ ؛ طمعاً في ثوابِ اللهِ في الآخرةِ ، فقدْ أخرجَ ابنُ أبي شيبةٍ من طريقِ معاويةِ بنِ قرةٍ أنه قالَ : كنتُ نازلاً على عمرو بنِ النعمانَ بنِ مقرن ، فلمّا حضرَ رمضانَ أتاه رجلٌ بكيسِ دراهمَ فقالَ : إنَّ الأميرَ مصعبَ بنَ الزبيرِ يقرئُك السلامَ ، ويقولُ : لمْ يُدْعَ قارئاً إلا وقدْ وصلَ إليهِ منا معروفٌ ، فاستعنْ بهذا ، فقالَ : قلْ له واللهِ ما قرأنا القرآنَ نريدُ به الدنيا ، وردهُ عليه..
ولم يرضَ القراءُ بجعلِ قراءتِهم ابتغاءَ ثوابِ الآخرةِ فقط ، بل حرصوا بصفتِهم أهلُ القرآنِ على أنْ يتفوقوا على غيرهم في الاجتهادِ في رمضانَ ، فهذا رجلٌ يسمى ابنُ اللبانِ كان يصلي بالناسِ صلاةَ التراويحِ في جميعِ الشهرِ، وكانَ إذا فَرِغَ مِنْ صلاتِه بالناسِ في كلِّ ليلةٍ لا يزالُ قائماً في المسجدِ يصلى حتى يطلعَ الفجرَ ، فإذا صلى الفجرَ دارسَ أصحابَه ، وقدْ وصفَهُ الخطيبُ البغداديُ في تاريخِ بغدادَ بقولِه : وكان وِرْدُه كلُ ليلةٍ فيما يصلي لنفسِه سبعاً من القرآنِ ، يقرأُه بترتيلٍ وتمهلٍ ، ولمْ أرَ أجودَ ولا أحسنَ قراءةً منه ..
وهذا البخاريُ كان يجتمعُ إليهِ أصحابُه فيصلي بهم ، فإذا جاءَه السَحَرُ أقبلَ يقرأُ ما بينَ النصفِ إلى الثلثِ من القرآنِ ..
وأخيراً أقولُ : إنَّه كان من سنةِ السلفِ في رمضانَ أنْ يأتوا بالأشربةِ في المساجدِ أوقاتَ القيامِ والتهجدِ ، فيشربُ منها الفقراءُ وغيرُ الفقراءِ ، كما كانوا يقومونَ بتطييبِ المساجدِ في رمضان َوالجُمعِ كيْ لا تتغيرُ رائحتُها بسببِ طولِ المكثِ فيها فيملها الناسُ ، وقدْ وردَ في تاريخِ دمشقَ أنَّ مولى لعمرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ كانَ يأخذُ المجمرَ قدّامَه إذا خرجَ إلى الصلاةِ في شهرِ رمضانَ.
فما أجملَها منْ خلالٍ !! وما أحسنَها من فضائلٍ..
اللهم اجعنا ممن يقولون القولَ فيتبعون أحسنَه
اللهم أعنّا على تلاوةِ القرآنِ واجعلْه ربيعَ قلوبِنا، وأعنّا على قيامِ الليلِ المضاعفِ في هذا الشهرِ الفضيلِ
اللهم ارحمنّا واغفرْ لنا واجعنا من عتقاءِ رمضانَ
اللهم آمين
فتاة الإسلام