نفحات إيمانية- خير أمة أخرجت للناس
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فتح أبواب الجنان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستن بسنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:
قال الله تعالى في محكم كتابه، وهو أصدق القائلين: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
دعا الإسلام الناس إلى كل خير، ونهاهم عن كل شر، وطلب من المسلمين أن يكونوا مؤمنين بالله، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، ليكونوا كما أرادهم الله خير أمة أخرجت للناس، قال جل من قائل: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله).
وروى الترمذي في سننه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم".
في هذا الحديث النبوي الشريف، يبين عليه الصلاة والسلام وجوب القيام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بهذه الصيغة المؤكدة التي تجعل السامع يستشعر الرهبة من الله تعالى، الذي بيده آجالنا، وأرزاقنا وكل أمورنا.
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الواجب يعم أفراد الأمة.
وقد أوجب الإسلام الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لما له من أهمية في حياة الناس، ففيه حراسة الخير والفضيلة في المجتمع، وفيه توجيه الفرد والجماعة إلى الالتزام بالحق، وفيه نجاة الأمة من عقاب الله. فإذا تركت الأمة هذا الواجب، فإنها تخسر ذلك كله، وتفسح المجال أمام الباطل وأهله، وفوق ذلك يعم الفساد، وينتشر الانحلال، وتبوء الأمة بغضب الله وسخطه، نعوذ بالله من ذلك.
وحتى ندرك الفرق بين ما كانت فيه الأمة الإسلامية وما آلت إليه بعد ذلك، نستحضر الصور المشرقة لأولئك الرجال الذين سطروا مواقفهم الخالدة بأحرف من نور، فكانوا حقا حملة دعوة، ورجال دولة في جميع المجالات.
فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، بعد أن فتحت المدائن، وهزمت جيوش فارس، أرسل رسله تحمل بشرى النصر ومعها الغنائم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي لما رأى الغنائم التي كان فيها تاج كسرى المرصع بالدرر، وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب، ووشاحه المرصع بالجواهر، وسواراه اللذان لم تر العين مثلهما قط، وما لا حصر له من النفائس الأخرى، جعل عمر يقلب هذا الكنز الثمين بقضيب كان بيده، ثم التفت إلى من حوله وقال: [إن قوما أدوا هذا لبيت المال لأمناء]. فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان حاضرا: "إنك عففت فعفت رعيتك يا أمير المؤمنين، ولو رتعت لرتعوا". وهنا دعا الفاروق سراقة بن مالك رضي الله عنه، فألبسه قميص كسرى وسرواله وقباءه وخفيه، وقلده سيفه ومنطقته، ووضع على رأسه تاجه، وألبسه سواريه.
عند ذلك لما رأى المسلمون كيف أنجز الله لنبيه وعده لسراقة، وهو مهاجر هارب مطلوب، هتف المسلمون: الله أكبر، الله أكبر، ثم التفت عمر إلى سراقة وقال: [بخ بخ أعرابي من بني مدلج على رأسه تاج كسرى، وفي يديه سواريه] ...!
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: [اللهم إنك منعت هذا المال رسولك، وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك، ومنعته أبا بكر، وكان أحب إليك مني، وأكرم عليك، وأعطيتنيه لتمكر بي]...! ثم لم يقم من مجلسه حتى قسمه بين المسلمين.
إخوة الإيمان:
وهذه صورة أخرى مشرقة لعلماء المسلمين، فقد دعا الوالي ابن هبيرة كلا من الحسن البصري سيد التابعين، والشعبي وقال لهما: [إن الخليفة يزيد بن عبد الملك، قد استخلفه الله على عباده، وأوجب طاعته على الناس، وقد ولأني يزيد على العراق، وهو يراسلني أحيانا لتنفيذ ما لا أطمئن لعدالته، فهل تجدان لي رخصة في ذلك ]...؟
فأجاب العالم الشعبي جوابا فيه ملاطفة للخليفة، ومسايرة للوالي، والحسن البصري ساكت، فالتفت إليه ابن هبيرة وقال له: ما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال: [يا ابن هبيرة، خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أن الله عز وجل يمنعك من يزيد، وأن يزيد لا يمنعك من الله.
يا ابن هبيرة، إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك هذا، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، حيث لا تجد هناك يزيد.
يا ابن هبيرة، إن تك مع الله في طاعته يكفك الله بائقة يزيد وأذاه في الدنيا والآخرة، وإن تك مع يزيد في معصيته الله، فإن الله يكلك إلى يزيد، واعلم يا ابن هبيرة أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ].
فمال ابن هبيرة عن الشعبي، وبالغ في تكريم الحسن البصري، فقال الشعبي:[والله ما قال الحسن قولا أجهله، ولكني أردت فيما قلت وجه ابن هبيرة ، وأراد الحسن وجه الله، فأقصاني الله عن ابن هبيرة، وأدناه منه].
إخوة الإيمان: لو كان هناك إحساس بأن تحاسب الأمة على كل صغيرة وكبيرة، وتقوم بواجبها الشرعي في المحاسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما تمادى الحكام الظلمة في غيهم وطغيانهم، ولكنهم وجدوا أمة لا مبالية، فطمعوا وطمعوا الأعداء، فحصل ما نراه وما نلمسه من مصائب، وهذا لن يطول إن شاء الله تعالى. ففجر الإسلام سيشرق من جديد، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا.
وختاما إخوة الإيمان: نسأل الله عز وجل، في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الفضيل، أن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة، وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين. إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الأستاذ أبو إبراهيم