نفحات إيمانية- الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي فتح أبواب الجنان لعباده الصائمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، المبعوث رحمة للعالمين، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعه وسار على دربه، واهتدى بهديه واستن بسنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:
قال الله تعالى في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنس نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض ، إن الله لا يحب المفسدين). وقال تعالى: (ومن أراد الآخرة ، وسعى لها سعيها وهو مؤمن، فأولئك كان سعيهم مشكورا ).
وقال عز من قائل: (فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا * فإن الجحيم هي المأوى * وأما من خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى). وقال جل وعلا: (بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى) وقال عز من قائل: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها، نوف إليهم أعمالهم فيها، وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار، وحبط ما صنعوا فيها، وباطل ما كانوا يعملون).
وقال جل وعلى: (تريدون عرض الدنيا، والله يريد الآخرة ، والله عزيز حكيم). وقال سبحانه: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل).
وروى البخاري في صحيحه : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة عامر بن الجراح إلى البحرين ليأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة ، فوافت صلاة الصبح مع النبي، فلما صلى بهم الفجر، انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم وقال: أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء، قالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم".
وروى البخاري أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعس عبد الدينار ، وعبد الدرهم ، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش". ومعنى قوله {وإذا شيك فلا انتقش} أي إذا أصابته شوكة، فلا خرجت منه، وإذا وقع في مصيبة فلا رده الله، وهي دعاء من الرسول على كل من يتهالك على الدنيا، ويكون عبدا لها.
وروى الترمذي عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني".
إخوة الإيمان : تلونا على أسماعكم في بداية هذا اللقاء آيات عطرة من القرآن الكريم، وأتبعناها بأحاديث شريفة، من هدي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وكلها تدعو إلى الاهتمام بالدار الآخرة، وتحذر من الانشغال بدار الدنيا عن الآخرة، فالدنيا دار ممر، والآخرة دار مقر، والدنيا دار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له، والعاقل من تزود من ممره لمقره، وأصلح آخرته على حساب دنياه، فالدنيا دار عمل ولا حساب، والآخرة دار حساب ولا عمل. ورحم الله الشاعر حيث يقول:
قدم لنفســـك خيرا وأنت مالك مالـك!
من قبل تصبح فردا! ولون حالك حالك!
ولسـت والله تدري! أي المسالك سالك!
إما لجنــة عدن! أو في المهالك هالك!
إخوة الأيمان: وقد فهم سلفنا الصالح هذا المعنى، والتزموا به، وطبقوه على أنفسهم، فسعدوا به في الدنيا والآخرة. فهذا هو الخليفة الثاني للمسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخاطب الدنيا فيقول:(( يا دنيا إني طلقتك ثلاثا ، يا دنيا غري غيري، غري غيري، ))! فأين نحن من هذا؟
إخوة الأيمان: وفي ختام لقاءنا معكم في هذا اليوم نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل الدنيا بين أيدينا، وأن ولا يجعلها في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم وأكرمنا بقيام دولة الخلافة التي يعز فيها أهل طاعتك، ويذل فيها أهل معصيتك، ويحكم فيها بكتابك، ويؤمر فيها بالمعروف، وينهى فيها عن المنكر ويعلو فيها سلطان الإسلام .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبو إبراهيم