فقرة المرأة المسلمة- خلفاء ورعية- علي بن أبي طالب
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلام الله عليكم ... إطلالة جديدة نطلها عليكم من إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير،وحلقة جديدة من حلقات خلفاء ورعية والتي سنتحدث فيها عن الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الذي لم يسجد لصنم قط،لنرى مواقف متعددة له مع رعيته بعد توليه الخلافة تظهر لنا أنه ما تولى الحكم إلا لرعاية الناس والعمل بكتاب الله وسنة نبيه،لا للسيادة والسلطان ووضع التاج وحمل الصولجان،فأهلا ومرحبا بكم.
لقد كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب _رضي الله عنه_ من علماء الصحابة الكبار، وقال: ما دخل نوم عيني، ولا غمض رأسي على عهد رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حتى علمت ذلك اليوم ما نزل به جبريل _عليه السلام_ من حلال أو سنة أو كتاب أو أمر أو نهي، وفيمن نزل. كان يقول عن نفسه: "والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت؟ إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا صادقا ناطقا". وقد قال في آخر عهده: "سلوني قبل أن تفقدوني". وكان ذلك عندما مات أكثر علماء الصحابة.
وقد تمت بيعته _رضي الله عنه_ بالخلافة بطريقة الاختيار وذلك بعد أن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان _رضي الله عنه_ على أيدي الخارجين، فبعد أن قتلوه _رضي الله عنه_ ظلما وعدوانا، قام كل من بقي بالمدينة من أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بمبايعة علي _رضي الله عنه_ بالخلافة، وذلك لأنه لم يكن أحد أفضل منه على الإطلاق في ذلك الوقت، فلم يدع الإمامة لنفسه أحد بعد عثمان _رضي الله عنه_، ولم يكن أبو السبطين حريصا عليها، ولذلك لم يقبلها إلا بعد إلحاح شديد ممن بقي من الصحابة بالمدينة، وخوفا من ازدياد الفتن وانتشارها.
وعمل أمير المؤمنين علي _رضي الله عنه_ منذ توليه الخلافة على إقامة العدل بين الناس، وقصته مع اليهودي مشهورة: فعن شريح قال: لما توجه علي _رضي الله عنه_ إلى حرب معاوية ، افتقد درعا له، فلما انقضت الحرب ورجع إلى الكوفة، أصاب الدرع في يد يهودي يبيعها في السوق، فقال له: يا يهودي، هذا الدرع درعي، لم أبع ولم أهب، فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فقال علي: نصير إلى القاضي، فتقدما إلى شريح، فجلس علي إلى جنب شريح، وجلس اليهودي بين يديه. فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين، فقال: نعم، أقول: إن هذه الدرع التي في يد اليهودي درعي، لم أبع ولم أهب، فقال شريح: يا أمير المؤمنين،البينة، قال: نعم، قنبر والحسن والحسين يشهدون أن الدرع درعي، قال: شهادة الإبن لا تجوز للأب، فقال: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه؟ أشهد أن هذا الحق، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن الدرع درعك، كنت راكبا على جملك الأورق وأنت متوجه إلى صفين فوقعت منك ليلا، فأخذتها قال: أما إذا قلتها فهي لك، وحمله على فرس، فرأيته وقد خرج فقاتل مع علي بالنهروان.
ومن مواقف عدله _رضي الله عنه: حرصه على تقسيم المال فور وروده إليه على الناس بالتساوي بعد أن يحتجز منه ما ينبغي أن يأخذ للمرافق العامة، ولم يكن يستبيح لنفسه أن يأخذ من هذا المال إلا مثلما يعطي غيره من الناس.
وكان أن دفع مرة طعاما ودراهم بالتساوي إلى امرأتين إحداهما عربية، والثانية أعجمية، فاحتجت الأولى قائلة: إني والله امرأة من العرب، وهذه من العجم، فأجابها علي: إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلا على بني إسحاق. وكذلك لما طلب إليه تفضيل أشراف العرب وقريش على الموالي والعجم، قال: لا والله، لو كان المال لي لواسيت بينهم، فكيف وإنما هي أموالهم؟
هذا هو حال الأمة في ظل الخلافة كانوا ينعمون بالعدل،فحكامهم لم يفرقوا بين عربي وأعجمي,ألغوا كل عناصر التفرقة بين المسلمين،وكانت الرعاية تشمل كل من يعيشون تحت إمرة الدولة الإسلامية،فلا يرعون المسلمين دون الذميين ولا العكس،بل لكل رعايته وشأنه.
بينما بلاد المسلمين اليوم مليئة بالخيرات وأهلها يموتون جوعا لأن خيراتهم باعها حكامهم للغرب،وما تبقى منها في البلاد فإن السـياح الأجانب يتمتعون به ويحرم منه المسلمون،فالإمارات والسعودية التي تغدق صحراؤها بالنفط يعيش عدد من سكانها دون توفير أدنى مستويات العيش،بينما نرى فنادق فخمة عندهم ليست إلا للأمراء والسـياح،فشتان بين العيشين...
كما أن شؤون الحكم كانت محل اهتمام الخلفاء الراشدين _رضي الله عنهم_، لا يطغى جانب على جانب، فقد كانوا يقعدون للتجارة القواعد التي تصلح للأسواق، وتنظم التداول، وتضمن الثبات والاستقرار، فلا غبن ولا غش ولا احتكار، ولا أسواق سوداء ولا زرقاء، ولا جهل بما يجوز وما لا يجوز في عالم التجارة.
ومن ذلك أنه أثيرت قضية المحل التجاري في السوق وقضى علي بن أبي طالب _رضي الله عنه_ في سوق الكوفة، أن من سبق إلى موضع فهو أحق به ما دام فيه ذلك اليوم، فإذا انتقل عنه فهو لمن حل فيه، قال الأصبغ بن نباته: خرجت مع علي بن أبي طالب إلى السوق، فرأى أهل السوق قد حازوا أمكنتهم، فقال علي: ما هذا؟ فقالوا: أهل السوق قد حازوا أمكنتهم، فقال: ليس ذلك لهم، سوق المسلمين كمصلى المسلمين، من سبق إلى شيء فهو له يومه حتى يدعه، وظلت هذه القاعدة متبعة حتى ولاية المغيرة بن شعبة، فلما كانت ولاية زياد بن أبيه عليها عام 49هـ جعل من قعد في مكان فهو أحق به مادام فيه.
تكثر مواقف العدل في حياة هذا الخليفة الراشد وتظهر ملامح العناية بالرعية، لو أردنا الوقوف عليها سنحتاج لساعات طوال،رحمك الله يا علي وأعاد لنا أيامك.
ها قد مررنا في حلقاتنا الأربعة على مواقف للخلفاء الراشدين في حكمهم للبلاد والعباد,فدراسة عهدهم تمد أبناء الجيل بالعزائم الراشدية، التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية وبهجتها، وترشد الأجيال بأنه لن يصلح أواخر هذا الأمر إلا بما صلحت به أوائله، وتساعد الدعاة والعلماء وطلاب العلم على التأسي بذلك العهد الراشدي، ومعرفة خصائصه ومعالمه وصفات قادته وجيله، ونظام حكمه ومنهجه في السير في دنيا الناس، وذلك يساعد أبناء الأمة على إعادة دورها الحضاري من جديد،ورسم طريق مجدها الذي كان في الماضي والذي سيعود لنا في عهد قريب ليس ببعيد.
فيارب عجل لنا بخلافة راشدة على منهاج النبوة كعهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي،ونسألك أن تجعلنا ممن يشهدون قيامها ويبايعون إمامها يا الله،وكل عام وأنتم والمسلمون في كل مكان بألف خير...
والسَّلامُ عليكُم ورَحْمةُ اللهِ تعالَى وبَركاتُه ....