شرح مواد النظام الإقتصادي في الإسلام- شرح المادة 166
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نص المادة 166:
(تصدر الدولة نقدا خاصا بها يكون مستقلا ولا يجوز أن يرتبط بأي نقد أجنبي).
تُعَرَّف النقود بأنها الشيء الذي اصطلح الناس على جعله ثمنا للسلع وأجرة للجهود والخدمات، سواء أكان معدنا أم غير معدن، وبه تقاس جميع السلع وجميع الجهود والخدمات.
وكان الناس يتبايعون ويتبادلون السلع والجهود مقايضة قبل أن تعرف النقود، ولكن لما كان تبادل السلع والجهود مقايضة، يكتنفه كثير من الصعوبات التي فرضت قيدا على المعاملات التجارية، فقد فكرت الجماعات في اختيار سلعة أساسية، لها قيمة في ذاتها وسهلة التداول، وقد اتخذت الدولة الرومانية والبلاد التابعة لها الذهب أساسا لعملتها، فسكت منه الدنانير الهرقلية، وجعلتها على شكل ووزن معينين.
كذلك اتخذت الدولة الفارسية والبلاد التابعة لها الفضة أساسا لعملتها، وسكَّت منها الدراهم وجعلتها على شكل ووزن معينيين.
فلما جاء الإسلام، أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم التعامل بهذه الدنانير الرومانية والدراهم الفارسية وأقر اعتبارها نقدا، وأقرها الخلفاء الراشدون من بعده، كما أقر الأوزان التي كانت قريش تزن بها هذه الدنانير والدراهم.
وبقي المسلمون يستعملون هذه الدنانير والدراهم على شكلها وضربها وصورها، طيلة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يضرب نقدا معينا على صفة معينة، وظلت الدولة طوال أيامه عليه السلام، وطوال أيام الخلفاء الراشدين الأربعة، وصدر بني أمية، اللهم إلا ما قام به عمر في أيام خلافته الأولى من ضرب دراهم جديدة، ولكن على الطراز البيزنطي والطراز الفارسي، إلى أن جاء عبد الملك بن مروان سنة 76من الهجرة، فرأى أن يصدر نقدا من الذهب والفضة ويجعلها على الطراز الإسلامي، وتحمل نصوصا إسلامية، وتصييرها وزنا واحدا لا يختلف، وبناء على الأوزان الشرعية.
ومنذ ذلك التاريخ وجدت دراهم إسلامية، ودنانير إسلامية مضروبة، أما قبل ذلك فلم يكن موجودا.
ومن هنا كان إصدار النقد مباحا، وليس واجبا على الدولة، إلا أنه إذا أصبح حفظ اقتصاد البلاد من الضياع، وحمايته من الأعداء، يحتاج الى إصدار النقد، فإنه حينئذ يصبح إصداره واجبا، عملا بالقاعدة الشرعية: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
هذا هو واقع إصدار النقود، وواقع ما سار عليه المسلمون من إتخاذ النقود وإصدارها، واستعمال الذهب والفضة أساسا لها.
وعلى دولة الخلافة أن تجعل نقدها هو الذهب والفضة وأن تسير على قاعدة هذين المعدنين كما كان الحال أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده.
أما ما ذكر في المادة من حرمة ربط هذا النقد الذي تصدره الدولة بنقد آخر، كربطه بالدولار أو الجنيه الإسترليني أو أي نقد للدول الكافرة، كما هي الحال مع جميع الدول القائمة في بلا د المسلمين اليوم، لأن النقد يكون تابعا عند ربطه، وتحت مطرقة الدول الكافرة من الناحية المالية والسياسية، ووسيلة ضغط تستعمله هذه للإذلال والخضوع، والله سبحانه وتعالى يقول: )ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا)، والقاعدة الشرعية: (الوسيلة إلى الحرام حرام).
لذلك يحرم على الدولة أن تربط نقدها بنقد غيرها مطلقا.
والى حلقة قادمة ومادة اخرى من مواد النظام اللإقتصادي في الإسلام نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.