مع الحديث الشريف مَنْ حَمَلَ عَلَيْنا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنّا
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا رواه مسلم
جاءَ في شرحِ سُننِ ابنِ ماجَه للسَّنْدِيِّ ( الْغِشُّ بِالْكَسْرِ هُوَ ضِدُّ النُّصْح مِنْ الْغَشَش وَهُوَ الْمَشْرُوب الْكَدِر أَيْ لَيْسَ عَلَى خُلُقنَا وَسُنَّتنَا ).
وجاءَ في تُحفةِ الأَحْوَذِيِّ بشرحِ جامعِ التِّرمذِيِّ ( غِشٌّ ) بِالْكَسْرِ ضِدُّ النُّصْحِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ
عَوْنُ المعبودِ شرحُ سننِ أبي داود ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ ) : قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى سِيرَتِنَا وَمَذْهَبِنَا , يُرِيدُ أَنَّ مَنْ غَشَّ أَخَاهُ وَتَرَكَ مُنَاصَحَتَهُ فَإِنَّهُ قَدْ تَرَكَ اِتِّبَاعِي وَالتَّمَسُّكَ بِسُنَّتِي . وَفْدٌ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَهُ عَنْ الْإِسْلَام , وَلَيْسَ هَذَا التَّأْوِيلُ بِصَحِيحٍ , وَإِنَّمَا وَجْهُهُ مَا ذَكَرْتُ لَك , وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ أَنَا مِنْكَ وَإِلَيْك , يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمُتَابَعَةَ وَالْمُوَافَقَة , وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيم } اِنْتَهَى . وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( لَيْسَ مِنِّي) مَعْنَاهُ لَيْسَ مِمَّنْ اِهْتَدَى بِهَدْيِي وَاقْتَدَى بِعِلْمِي وَعَمَلِي وَحُسْنِ طَرِيقَتِي , كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ إِذَا لَمْ يَرْضَ فِعْلَهُ لَسْتَ مِنِّي قَالَ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَكْرَهُ تَفْسِيرَ مِثْلِ هَذَا وَيَقُولُ بِئْسَ هَذَا الْقَوْلُ , بَلْ يُمْسِكُ عَنْ تَأْوِيلِهِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ اِنْتَهَى .
ضميرُ المتكلِّمِ في "غَشَّنا" يعودُ على المسلمينَ وهو عامٌّ فغِشُّ المسلمينَ حرامٌ وغِشُّ أيِّ فردٍ منهم حرامٌ والحديثُ الشريفُ جاءَ بصيغةِ الإِخبار، إلاّ أنّهُ خبَرٌ أُريدَ به الطّلبُ لأنّ الذي يَغِشُّ يبقى مُسلماً، بدليلِ أنّ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعتبرْ صاحِبَ الصُّبْرَةِ مُرتدّاً، عندما وضَعَ يدَهُ فيها فنالَتْ إِصبَعُهُ بللاً، واعتبرَ ذلك غِشّاً، فيقتضي صدقُ المُخبرِ أنْ يكونَ المرادُ بهذا الخبرِ وأمثالِهِ هو الطّلَبَ الجازمَ لوصفِهِ بأنّهُ ليس منّا فهيَ قرينةٌ على الجزم.
ولما كان كلُّ أميرٍ للمسلمينَ أو للمؤمنينَ يجبُ أنْ يكونَ منهم: { وأُولِيْ الأَمْرِ مِنْكُمْ } ، كان غِشُّ كلِّ أميرٍ للمسلمينَ أو للمؤمنينَ داخلاً في هذا الحكمِ أي يَحْرُمُ غِشُّه، سواءٌ كانَ هذا الأميرُ أميرَ عامّةٍ أو أميرَ خاصّة.
هكذا كان الصحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم في تعامُلِهِمْ مع أُمَرائِهِم. أخرج البخاريُّ عن عُثمانَ رضي الله عنه من حديثٍ طويلٍ قال: «...ثمّ استخلفَ اللهُ أبا بكر، فوالله ما عَصَيْتُهُ ولا غَشَشْتُهُ، ثم استخلَفَ عُمرَ، فواللهِ ما عصيْتُهُ وما غَشَشْتُهُ، ثمّ اسْتُخْلِفْتُ، أفلَيْسَ لي عليكم مثلُ الذي كان لهم عَلَيَّ قالَ بلى...» وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: نهانا كُبَراؤُنا من أصحاب رسولِ الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( لا تسبُّوا أُمراءَكُم ولا تَغُشُّوهُمْ ولا تُبْغِضُوهُمْ واتّقوا اللهَ واصبِروا فإنّ الأمرَ قريبٌ ) .